آية الله رئيسي وأسباب الصدمة الإسرائيلية

صحيفة الوفاق الإيرانية-

حسن لافي:

تُخفي البروباغندا الإسرائيلية ضد رئيسي مخاوفَ حقيقية على الأمن القومي الإسرائيلي من إيران في عهده.

ينطبق على حَدَث انتخاب السيد إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهورية الإسلامية في إيران، مَثَلُ النبوءة التي حقّقت نفسها بالنسبة إلى التقديرات الإسرائيلية، بحيث كانت الدوائر الاستخبارية والسياسية في “إسرائيل”، على الرغم من تخوّفها من فوز السيد رئيسي تتوقّع فوزه في انتخابات الرئاسة.

لكن، على الرّغم من تقديرات “إسرائيل” المسبَّقة، فإن انتخاب رئيسي أحدث صدمة داخلها، سياسياً وأمنياً، وما زال التفكير في تداعياتها يشغل بال دوائر التفكير والتخطيط الاستراتيجيين فيها. فيا تُرى، لماذا هذه الصدمة جرّاء انتخاب رئيسي؟ وما الأسباب الحقيقية التي تقف وراءها؟

تُخفي البروباغندا الدعائية الإسرائيلية ضد شخص السيد رئيسي مخاوفَ إسرائيلية حقيقية على الأمن القومي الإسرائيلي من إيران في عهد رئاسته، أهمها:

أولاً: شكل انتخاب السيد رئيسي انهياراً لفكرة إسقاط النظام الإيراني من الداخل، تحت تأثير سياسة الضغوط القصوى، التي مارستها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بتحريض كامل من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، والتي كان مطلوباً منها، على الأقل، تقصير عمر النظام السياسي في إيران، على غرار ما فعلت سياسات الرئيس الاميركي الأسبق رونالد ريغان في ثمانينات القرن الماضي مع الاتحاد السوفياتي، بحيث أثبت ذهاب الناخب الإيراني إلى صناديق الانتخابات، ومشاركته في اختيار رئيس الدولة، أن فكرة إسقاط النظام من الداخل ليست ذات جدوى، وخصوصاً مع تأكد “إسرائيل” من أن الولايات المتحدة الأميركية ذاهبة في اتّجاه العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، مع ما يستلزم ذلك من رفع للعقوبات عن الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي يعتبر انتهاءً لسياسة الضغوط القصوى الأميركية، وخصوصاً مع مشهد سحب أميركا مجموعة من بطاريات صواريخها من المنطقة، كإشارة واضحة من إدارة الرئيس جو بايدن إلى الحاجة إلى استقرار في منطقة الشرق الأوسط، بعيداً عن التوترات التي خلقتها سياسات ترامب التوتيرية، قبل مغادرته البيت الأبيض. لذلك، لم يكن غريباً أن تعتبر الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية أن ما حدث “منحَ إيران قُبلةَ حياة من جديد”. وبالتالي، فإن الفائز الأكبر هو الأُمة الإيرانية، وخسر كلٌّ من ترامب ونتنياهو.

ثانياً: تدرك “إسرائيل” أن انتخاب رئيسي هو إيذانٌ لبدء دخول “مفاوضات فيينا”، بشأن الاتفاق النووي مع إيران، مرحلةَ التفاوض الحقيقي بشأن الصيغة النهائية للاتفاق. لكنّ “إسرائيل” قرأت، في الوقت ذاته، في انتخاب رئيسي أن طهران اختارت أن تنتخب شخصية للرئاسة أكثر صرامة، وبعيدة عن دبلوماسية توزيع الابتسامات، في هذا التوقيت التفاوضي الحسّاس مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.

لذلك، يكون هناك قرار إيراني، شعبي ورسمي، مفاده أن تتكلم طهران، بصوت إيراني واحد، قوي وحادّ وواضح، في ظلّ تفاوضها على شروط الاتفاق النووي.

ثالثاً: رأت “إسرائيل” أن انتخاب رئيسي، الذي يعتبر جزءاً أصيلاً من منظومة الثورة الإيرانية، والذي تربطه علاقات وثيقة بالمرشد الإيراني، يعتبر مؤشراً على الموقف الإيراني الصُّقوري من القضايا التي لها علاقة بدعم محور المقاومة.

فعلى الرَّغم من دعم السيد رئيسي الاتفاقَ النووي، فإنَّ من المتوقَّع أنه لن تكون هناك تنازلات إيرانية في موضوع الدعم الإيراني لمحور المقاومة، أو حتى في موضوع الوجود الإيراني في سوريا، أو غيرهما من الملفات التي لها علاقة بتعاظم قوة محور المقاومة العسكرية. وانتخابه يؤكد التزام إيران تقديم كل ما يلزم لتعزيز قوة محور المقاومة في مواجهة “إسرائيل”، الأمر الذي تعتبره “تل أبيب” تهديداً استراتيجياً لا يقلّ خطورةً عن التهديد النووي الإيراني.

تلك المخاوف عبَّر عنها وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، بصورة مباشِرة، عندما علَّق على انتخاب السيد رئيسي، فقال “إن انتخاب رئيسي يثبت أن إيران تتَّجه نحو التطرف”.

رابعاً: شعرت “إسرائيل” بأن هناك ثقة إيرانية بالذات، نابعة من قدرة إيران على قراءة أزمة الولايات المتحدة الأميركية، كدولة عظمى تبحث عن المحافظة على تسيدها النظامَ الدولي. وبالتالي، تحاول أميركا ترتيب حساب أولوياتها أمام تراجع قدرتها على التركيز على كل الجبهات، في آنٍ واحد. لذلك، فإن مطلب احتواء الملف النووي الإيراني، من خلال الاتفاق، بات ضرورةً استراتيجية للمصلحة الأميركية العليا.

أمّا في المقلب الإسرائيلي، فهناك قناعة إسرائيلية بأن “تل أبيب” لا تملك القدرة على منع الولايات المتحدة الأميركية من إتمام الاتفاق النووي، الأمر الذي لم يتفهَّمه نتنياهو، ودفع ثمنَه إبعادَه عن الحُكم.

لذلك، أدرك رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الحالي، نفتالي بينِت، المعادلةَ، وأرسل رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، إلى أميركا للحوار مع الأميركيين بشأن إمكان إدخال تعديلات على بعض بنود الاتفاق، بحسب الرؤية الأمنية الإسرائيلية، بالإضافة إلى الاتفاق على كيفية التعامل الإسرائيلي مع إيران، في عهد السيد رئيسي، من دون الخروج طبعاً عن المصلحة الأميركية العليا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.