أبخاِزيا السّلام والعَالم العَربي

 

موقع إنباء الإخباري ـ
يلينا نيدوغينا*

تحتفل جمهورية أبخازيا حالياً بذكرى عشر سنوات على تحريرها من المحتلين والمتدخلين الاجانب وعدوان حلف “الناتو” عليها، والذي أدمى أرضها وشعبها في آب/أغسطس 2008، وها هي الدولة تعيش في ظروف السلام والآمان بعدما تم إنقاذ القومية الأبخازية (الأباظية) من حرب إبادة عرقية شاملة، تم تنظيمها أنذاك بأمر من الرئيس الجورجي السابق سآكاشفيلي، وبالاتفاق الكامل والشامل والدقيق سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً مع “الناتو”، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.

دولة أبخازيا توازي لبنان مساحةً، وتضم شعب الأباظة القوقازي أساساً وهو الذي ينتمي مع قوميات أخرى عديدة إلى أصل واحد، يَجد تجلّياته في “الأديغة”، أو كما يُسمّونهم في البلدان العربية بالشراكسة، الذين بدأوا ينتشرون في العالم العربي مع القوقازيين الآخرين، منذ 1860 بحسب عدد من المراجع والأبحاث الروسية.

أبخازيا التي تستمر في تطورها هي دولةً مستقلة ونظام قائم بذاته، برغم رفض كل مَن يبغضه ويقبع بالإساس وراء المحيط ومياه المتوسط، وأبخازيا دولة موجودة على الأرض وتعيش وتزدهر حالياً في ظروف السلام والآمان، وتتمتع بتاريخ عريق وعَلمٍ ولغةٍ قومية، ورئيس دولة ومجلس وزراء، ولديها جيش وشرطة، والأهم أنها تتمتع بحُلفاء آُمناء في طليعتهم روسيا، الجار الشمالي لها، فتعاون أبخازيا مع روسيا وثيق وثيق، كما وأن لديهما إتحاد سياسي وعسكري قوي، وتفاهم عميق في مختلف القضايا الأسيوية والدولية.

في البلدان العربية جرت العادة تسمية مَن ينتمون إلى مجموعة كبيرة من عشائر القوقاز الشمالي والجنوبي بـِ”الشراكسة”، ولهذا ينتمي معظم هؤلاء الى جمعيات الشراكسة في العواصم العربية، وبخاصة في الاردن، لأن المنتمين إلى هذه الجمعيات الخيرية أو الاجتماعية منسجمين ومتآلفين فيما بينهم، وتجمعهم تقاليد وعادات ونمط تفكير وتطلعات تكون واحدة، وقد اندمج “الشراكسة” والأباظة وبمختلف أصولهم القوقازية ضمن المجتمع العربي، وصارت تطلعاتهم والعرب واحدة، وتضامنهم كامل مع القضايا القومية والوطنية العربية، إلى حد أنهم قاتلوا دفاعاً عن حرية فلسطين وعروبتها، وسقط منهم الشهداء على أسوار القدس حين ردوا جحافل العصابات الصهيونية على شاكلة “الهاجناه” و “ارغون زفاي ليومي” وغيرها.

ولهذا، فإن التعاطف كبير جداً ولا حدود له مع قضايا الشراكسة والأُوسيتينيين (جمهورية أُوسيتيا الجنوبية المستقلة)، الذين هم أيضاً تعرّضوا في العام 2008، مثلهم مثل الأبخاز، إلى حرب إبادة بالجُملة من جانب القيادة السياسية والعسكرية الجورجية أنذاك، وبدعم غربي.

ومنذ 2008 تحاول أبخازيا والى جانبها جمهورية أوسيتيا الجنوبية، الحصول على اعتراف دولي أوسع من خلال منظمة الامم المتحدة، لكن واشنطن تقف معارِضة لحق الشعبين الأبخازي والأُوسيتي بدولتين مستقلتين لشعبين متحررين على أرض وطنهما.

وفي مقابلة سبق وأجرتها فضائية “روسيا اليوم” مع الأخ مكسيم غفاندجييا وزير خارجية أبخازيا السابق، نائب الرئيس الحالي لِ”المؤسسة الدولية في آبسني” (المنظمة العامة للصندوق الدولي لأبخازيا)، قال “نحن ندرس فعلاً جميع الإمكانيات ليسمعونا في المنتديات السياسية الدولية، ولكن تُعيقنا كثيراً في ذلك الدول الغربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.. أود الإشارة إلى أن أمريكا كانت دائماً تقدم احتجاجها القطعي ضد الاعتراف باستقلالنا من قِبل حكومات البلدان الواقعة في مناطق أمريكا اللاتينية والوسطى والمحيط الهادئ وآسيا الوسطى وغيرها من المناطق، حيث قمنا بإجراء حملات بغرض تنسيق موضوع الاعتراف باستقلال أبخازيا وإقامة العلاقات الدبلوماسية.. وبتعبير آخر، على النطاق الدولي السياسي والدبلوماسي تواجهنا ليست فقط الدبلوماسية الجورجية، بل والدبلوماسية الأمريكية أيضاً، الأمر الذي يُثير استغرابي الشديد”.

ويُضيف مكسيم غفاندجييا يكشف عن نشاط بلاده في المجال العالمي فيقول: عمل الرئيس السابق باغابش بنشاط في أمريكا اللاتينية.. وبفضل دعمه والجهود الشخصية أنجزنا الكثير في أمريكا الوسطى واللاتينية.. كما تعرفون اعترفت نيكاراغوا وفنزويلا باستقلال أبخازيا، وتبعتهما جزيرة “ناورو” الواقعة في المحيط الهادئ.. أكملنا المشروع الذي بدأ مع الرئيس باغابش، ومن المؤسف جداً أنه غادرنا من دون أن يشهد نهاية هذا المشروع.. وقد إعترفت جمهورية “فانواتو” باستقلال جمهورية أبخازيا. أقيمت بيننا علاقات دبلوماسية وقدم رئيس وزراء جمهورية فانواتو رسميا تعازيه.. سنواصل العمل الذي بدأناه مع الرئيس باغابش في منطقة المحيط الهادئ.

وبرغم الحقائق التي تشتمل عليها صفحات التاريخ والتي بها تكتمل صورة الوضع القوقازي والأبخازي، بخاصة في أن دولة أبخازيا لم تكن جزء من جورجيا، ألا أن تبيليسي تعمل على محاصرتها آملاً بإعادة سيطرتها عليها، ويَكشف مكسيم غفاندجيا عن أن مزاعم جورجيا هذه “ليس لها أساس واقعي”. ويُضيف، “َيَعلم الجميع الأسباب الحقوقية والتاريخية والأخلاقية لاستقلالنا.. لقد أصبحنا دولة مستقلة عن جورجيا قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.. إذن، ليس من المنطقي في وقتنا الراهن أي قول عن أبخازيا كأنها “جزء من جورجيا”.. ويا لها من سخافة كبيرة أن بعض الساسة في الغرب يدعمون عادة هذه المزاعم.. نحن نعرف حق المعرفة أن مسالة وحدة الأراضي الجورجية –  العبارة المتكررة من قبل البعض في المجتمع الدولي أضحت مثل صلاة – تم الاعتراف بها خلافاً للقانون الدولي.. هذا هو السبب لاستمرار النزاع مع جورجيا لمدة عشرين عاماً.

ويكشف مكسيم غفاندجييا إلى عمق الروابط التاريخية مابين أبخازيا وروسيا، ويرفض كما هي بلاده قيادة وشعباً، “إقتراحات!” أمريكية تطالب الجمهورية بالإعلان “عن كراهيتها نحو روسيا!” لأجل “أن تحصل فوراً على دعم دولي!”. ويرى الوزير الأبخازي السابق ونائب رئيس منظمة “أبسني” الحالي، أن هذا الموقف “غير أخلاقي وغير واعد”، وبأن علاقات بلاده مع روسيا “ستستمر برغم كل شيء.. لقد مرّت علاقاتنا في أوقات جيدة وفترات  درامية، ولكننا استطعنا مواصلة التعاون نحو طريق إيجابي.. وأحرزنا تطوراً وتحسّناً في علاقاتنا.. إذن، أعتقد أننا نملك جميع الفرص لتعزيز علاقاتنا الثنائية من أجل الأجيال القادمة”.

وفي مجال الدبلوماسية الشعبية، تتمتع أبخازيا بعلاقات متشعبة وناجحة مع عدد من البلدان العربية التي توجد فيها مجتمعات (أباظية) ناشطة، مثل سوريا على سبيل المِثال، حيث يبلغ تعداد الجالية الأباظية فيها نحو7500 شخص، بحسب وكالة أنباء سبوتنيك الروسية، وقد تم نقل عدد منهم من مناطق المواجهات الحربية في سوريا الى أبخازيا، وتوطّنوا في سوخومي ومدن أبخازيا الاخرى  بجهود سورية أبخازية روسية مشتركة أبعدتهم عن مواقع الارهابيين في الحرب المستمرة التي يَشنّها هؤلاء على الدولة السورية.

كما وتأخذ الدولة الأبخازية وشعبها بُعدَاً كبيراً جداً في الأوساط القوقازية عموماً في الاردن، ويُعد موقف الدبلوماسية الشعبية في البلدان العربية لدعم أبخازيا مهماً جداً ومفتاحي، وهو سبيل للانفتاح الأبخازي الأوسع على العالم بَعد المجتمع الروسي، فهذا الاعتراف الدبلوماسي الشعبي هو قضية مطلوبة جداً من الناحية الإنسانية، وذلك لوجود جاليتين أبخازيتين تعيشان في الاردن وسوريا وفي الدول العربية الاخرى، فعلاقات أبخازيا مع أبخاز الاردن وسوريا تُسرّع في عملية التعريف بواقع أبخازيا وتُسهّل في التواصل الأوثق مابين الأبخاز بخاصة والقوقازيين عموماً وكل العرب وعلى الصعيد الدولي.

وفي هذا الاتجاه نقلت وكالة الأنباء السورية “سانا” قبل اسابيع قليلة عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية السورية قوله :”تجسيداً للإرادة المشتركة في تطوير العلاقات بين الجمهورية العربية السورية وكل من جمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وتقديراً لمواقفهما الداعمة إزاء العدوان الإرهابي الذي تتعرض له سوريا، فقد تم الاتفاق بين الجمهورية العربية السورية وكل من جمهورية أبخازيا وجمهورية أوسيتيا الجنوبية على تبادل الاعتراف وإقامة علاقات دبلوماسية على مستوى سفارة”..

إن النقلة التي أنجزتها سوريا رئيساً وقيادةً ودولةً وشعباً نحو أبخازيا تؤكد أن الدبلوماسية الشعبية والعلاقات مابين روسيا وسوريا قد أنجزت مهامها في المَنحى الأبخازي أيضاً، وهو مايؤكد أن لدى أبخازيا فضاءً لا حدود له في العلاقات مع العرب بلداناً وشعوباً، وللتبادلات المختلفة على إتّساعها ومنها التجارية والاقتصادية والإنسانية، وبالاستناد الى دعم روسي لهذه التطورات التي تستند الى القانونين الدولي والإنساني في حق الشعوب بتقرير مصيرها بنفسها، ولحمايتها من التعرّض الى الإبادة الجسدية والثقافية والحضارية.

*#يلينا_نيدوغينا: نائب رئيس لجنة التضامن العربية مع شعبي جمهوريتي #أبخازيا و #أُوسيتيا الجنوبية ورابطة القلميين العرب حُلفاء #روسية، وكاتبة ورئيسة تحرير “الملحق الروسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.