أبناء مخيّم برج البراجنة: نحن الضاحية

 

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ

قاسم س. قاسم:

«الله لا يوفقه، واحد بدو يورط 20 ألف شخص بجنونه». «لا يزال بعض نازحي مخيم نهر البارد ضيوفاً عندنا، هل يريد تكرار التجربة نفسها». «الله يسترنا من الجاي». لخصت هذه العبارات ما يشعر به أبناء مخيم برج البراجنة بعد الحديث عن مشاركة الفلسطيني أحمد طه في إطلاق الصواريخ على الضاحية، واحتمال أن تكون سيارة الرويس قد فخخت في المخيم. الخوف من الغد وما قد تحمله الأيام المقبلة على صعيد التحقيقات، هو الشغل الشاغل لأبناء المخيم. لا تنتهي مخاوف اللاجئين هنا، همّهم مكافحة حملة الشائعات التي انطلقت مباشرة بعد تفجير الرويس. إذ انتشرت على خدمة «الواتسآب» رسالة تضمنت أن أبناء مخيم البرج وزعوا البقلاوة بعد الانفجار.

بالتأكيد، لا أساس من الصحة لهذه الشائعة. في تلك اللحظة، كان بإمكان زوار المخيم مشاهدة الوجوه الشاحبة الخائفة من المجهول. فأبناء المخيم هم أبناء الضاحية، ومنطقة الرويس ليست غريبة أو بعيدة عنهم. شاهدوا سيارات الإسعاف تمر قرب مخيمهم. تولى بعضهم تنظيم السير. فتحوا الطرقات لسيارات الإطفاء. وقفوا كتفاً الى كتف الى جانب شباب حزب الله على مداخل المخيم لتسهيل حركة مرور السيارات ولمنع وصول الفضوليين الى مكان الانفجار.

مساء يوم تفجير الرويس، ملأت أصوات المراسلين فضاء المخيم. ارتفعت أناشيد حزب الله من بعض البيوت. انتشر عناصر اللجنة الأمنية على مداخل المخيم. دققوا في هويات الجميع. وكان بإمكان المارين في شارع المحامص على طريق المطار، مشاهدة عناصر حزب الله وبعض الفلسطينيين يعملون معاً. تطعيم هذه الحواجز بالفلسطينيين هو لمنع وقوع إشكالات لمن قد يعتبرها ضد المخيم. أما على المدخل الرئيسي للمخيم، فقد تولت الفصائل باقي المهمة.

في المخيم، مثل محيطه، يتخوف الجميع مما ستحمله الأيام. انتشار اسم طه على أنه المسؤول عن إطلاق الصواريخ على الضاحية سبّب حالة من التوتر داخله. «ماذا كان سيحصل لو سقطت هذه الصواريخ في المخيم. ماذا لو سقطت حيث يسكن؟»، يسأل أحد أصحاب المحال المجاورة لمحل طه والذي رفض الكشف عن اسمه. بالتأكيد الفعل مدان. يضيف الرجل الثلاثيني «يجب أن يعدم على فعلته، حتى لو لم تكن له علاقة بتفجير الرويس، يجب إعدامه لأنه يريد توريطنا في ما لا نريده». تجربة نهر البارد لا تزال محفورة في الوجدان الفلسطيني، لذلك يخاف الجميع تكرارها. بالقرب من مركز أحد الفصائل، تجلس مجموعة من الشباب. يتحدثون عما جرى في الرويس وعن مشاهدتهم. الجميع يعرف الحلاق الشهيد حسين بيضون. يروي بعضهم قصصهم وأحاديثهم معه. يغلقون الحديث تأثراً. يفتحون آخر. هل صحيح أن سيارة بئر العبد فخخت في المخيم؟ أين يمكن تفخيخها؟ يسألون. يحاولون الإجابة عن الأسئلة التي طرحوها. «إذا فخخت في المخيم، فمن المؤكد أنها لم تفخخ في الأزقة الداخلية»، يقول أحدهم وهو ينفث دخان سيجارته. الجواب سريع وبسيط، لأنه لا توجد طرقات داخل المخيم تستطيع السيارات المرور فيها. إذاً الاستنتاج المنطقي هو أنها فخخت على أطراف المخيم. «المعروف أن أطراف المخيم هي تحت سيطرة الفصائل الموالية لسوريا، ما يجعل الفرضية أصعب وشبه مستحيلة إن لم نقل مستحيلة كلياً»، يقول أحد الشبان. ينتهي النقاش عند هذا الحد وبقيت الأسئلة من دون أجوبة. في دكان صغير بالقرب من المدخل الغربي للمخيم، يجلس رجل مسن. يعرف الرجل طه ويعرف والده. يعزو سبب جنونه إلى أنه «لا يسكن في المخيم ولا يهتم لما قد يسببه جنونه».

بعد تفجير الرويس والحديث عن مسؤولية طه عن إطلاق الصواريخ، استنفرت اللجنة الأمنية في المخيم. كثفت دورياتها. رفعت بعض الفصائل عدد عناصرها المشاركة في الدوريات. كما زادت نسبة التنسيق مع حزب الله. في الأيام المقبلة ستعقد فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى اجتماعاً موسعاً للبحث في كيفية التنسيق مع الدولة اللبنانية لتسليمها أي مطلوب من المخيم. يستغرب أحد القادة الأمنيين في مخيم البرج إطلاق سراح طه «في كل مرة كنا نسلمه فيها الى الدولة». ويقول أحد قادة الصف الأول في تحالف القوى إن «طه يعمل لدى جهاز أمني لبناني، وهذا الجهاز هو الذي كان يطلق سراحه كل مرة». حالياً تتواصل الفصائل الفلسطينية مع المقاومة اللبنانية على أعلى مستوى. ويقول مسؤول حركة حماس في لبنان لـ«الأخبار»، إن «ما أصاب الضاحية أصابنا، ونحن في قلب الضاحية ولا يمكن القبول بمثل هذه الأفعال»، مؤكداً أن «طه ليس عنصراً في حماس».

هكذا، سبّب متطرف ديني صودف أنه يحمل هوية فلسطينية حالة قلق عامة لـ 20 ألف إنسان. لكن كل ما يجري الآن غيمة صيف عابرة، ستزول عاجلاً أو آجلاً. هذا هو أمل أهالي المخيم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.