أفول الهيمنة الأمريكية

صحيفة البعث السورية-

هيفاء علي:

تشير الأحداث العالمية إلى أن العالم أحادي القطب ينهار على مرأى العالم أجمع، هذا الانهيار بدا وفق مسار هبوطي منذ بعض الوقت، ولكن في هذا العام، 2021، في خضم الأزمة الصحية التي لا نهاية لها لوباء كورونا، وقعت أحداث رمزية معينة مما جعل نهاية أحادية القطب لا رجعة فيها.

قبل ترامب ضمنياً نظاماً متعدّد الأقطاب، وأصرّ فقط على الوضع الخاص للولايات المتحدة، ولكن بدعم من العولمة، وصل بايدن إلى السلطة وأعلن إعادة “الضبط الكبرى”. لقد حرّض بايدن كييف على إرسال قواتها إلى دونباس، ما يدلّ على تصميمه على “محاصرة الروس”، ولكن بمجرد أن نفذت موسكو مناورات برية في أراضيها، تراجعت واشنطن، وبالتالي تمّ تأجيل عملية إعادة الضبط الكبرى. ثم جاء الهروب المخزي للولايات المتحدة من أفغانستان، بعد 20 عاماً من الاحتلال الوحشي، ما جعل أفغانستان مصدر إحراج كامل لأمريكا.

ولإثبات أنه لا يزال “رائعاً”، أعلن بايدن عن محور “اوكوس” الأنغلو ساكسوني، وختم الاتفاقية مع أستراليا، وقضى على الصفقات العسكرية الفرنسية والإيطالية بجرة قلم. وإذا كان الاتحاد الأوروبي يفهم ما يدور حوله، فهو أن السلطات الأمريكية فقدت عقلها بكل بساطة، وهنا لا بد من إلقاء نظرة سريعة على ما يجري في الولايات المتحدة.

يعمل بايدن في سياق يعلم من خلاله أن نصف الأمريكيين يكرهونه بسبب سرقة الانتخابات وتطبيق ليبرالية غير متسامحة، ولأن كل ما يفعله يتمّ تلقيه بالعداء. وبمجرد أن يرتكب خطأ، كما هو الحال في أفغانستان وأستراليا، يتعرض للانتقادات وربما المساءلة. حتى دعاة العولمة الذين يدعمون بايدن هم أنفسهم منقسمون بين اليمين واليسار، فصقور المحافظين الجدد والديمقراطيون المتطرفون غاضبون من الانسحاب من أفغانستان، ومن وعود بايدن بسحب القوات من الشرق الأوسط، وخاصة من سورية والعراق، بالإضافة إلى تردّده في أوكرانيا.

يعتقد بايدن الذي وقع على “اوكوس” أنه يفعل ذلك تحت رعاية الحرب التي تلوح في الأفق مع الصين في المحيط الهادئ. هذا هو المكان الذي أصبح فيه أنصار العولمة اليساريون غاضبين، حيث لا يوجد لدى الاتحاد الأوروبي أي شيء ضد الصين على الإطلاق، وحتى أنصار العولمة اليساريون في الولايات المتحدة يحاولون استخدام الانطلاق الاقتصادي للصين في استراتيجياتهم، لكن بايدن تجاهل كل ذلك.

لقد نجح بايدن بالفعل في إحباط اليمين واليسار بهذه الطريقة، وسط مواجهة لا هوادة فيها مع “الترامبيين” الذين وجدوا أنفسهم في موقف معارضة مكبوتة بشدة. لذلك يراه الجميع أنه عندما يلعب دور الصقور ويقترب من المحافظين الجدد، فإنه يوجّه ضربة إلى أنصار العولمة اليساريين، وعندما يحاول أن يكون “حمامة السلام” فإنه يغضب أنصار العولمة اليمينيين.

هذا الوضع فريد من نوعه، ولم يحدث في العقود الأخيرة لجهة تناقض السياسة الأمريكية المحكوم عليها بالفشل كما هي عليه اليوم. وهذا ما يجب أن تستفيد منه روسيا بشكل فعّال في الوقت الحالي، لأن الانحدار السريع للهيمنة الأمريكية على العالم يطلق العنان لإمكانيات هائلة حول العالم.

في الوقت الحالي -طالما أن هناك أحمق في السلطة في الولايات المتحدة كما تقول الصحافة- فإن لدى روسيا فرصة تاريخية ليس فقط لجعل التعددية القطبية لا رجوع فيها، ولكن أيضاً لتوسيع نفوذها بشكل كبير على الصعيد العالمي. لذلك يجب أن يكون الآخرون حذرين من الآلام الوهمية للإمبريالية، والاستعداد لهجوم مضاد، ومثلما تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، حان الآن دور أفول الهيمنة الأمريكية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.