أناس طريحة الحجارة وحبيسة الأنقاض في ظلّ الاضطهاد الدولي

جريدة البناء اللبنانية-

 رنا جهاد العفيف:

جريمة بحق الإنسانية يرتكبها الغرب الذي لا يرحم قريباً ولا غريباً ولا شقيقاً ولا عربياً، ذاك الذي يسمّى سياسة الكيل بمكيالين، ركام هنا في المناطق المنكوبة، وأناس طريحة الحجارة وحبيسة الأنقاض، تصارع ما يسمّى «قانون قيصر» الإرهابي لتحيا رسالة الإنسانية الحقة في الشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم الثالث، وسباق مع الزمن لإنقاذ أرواح كثيرة على عتبات سيف العقوبات الأحادية، ما تقييم الموقف الأوروبي أمام حجم الكارثة الإنسانية في سورية والعالم؟ وما تفسير الهيمنة الأميركية على قرارات الدول العربية التي تريد مساعدة سورية؟
حكاية الزلزال الذي ضرب سورية، كشفت زيف الادّعاءات الغربية في المجال الإنساني، لا سيما أنّ الغرب وفي مقدّمه الولايات المتحدة الأميركية التي تستخدم ورقة الملف الإنساني في المحافل الدولية، ما هي إلا ذريعة ضدّ الشعوب العربية، ناهيك عن تبعية سياسة الأقوال دون الأفعال، ورأى الجميع في العالم سلوك الغرب الهمجي وطريقة التعاطي مع الكوارث الإنسانية وتحديداً في أروقة مجلس الأمن الذي دائما يقبع خلف عناوين براقة تجذب الإستعطاف الأممي والعالمي والرأي العام بعبارات منمقة وجذابة عن الإنسانية، نقول لهؤلاء المنافقين أين شعاراتكم الإنسانية التي كانت تعلو في محافلكم الدولية؟ أين هيكل القانون الإنساني الذي تشدّق به معظم حلفائكم في بداية الأزمة السورية لليوم؟ والكثير الكثير من الملفات الإنسانية التي تستخدمها واشنطن في محن الدول العربية التي لا تخضع لهيمنتها، وبالتالي هناك تفسير واحد لا ثاني له، وهو أنّ حقيقة الاضطهاد الدولي الذي ينظر إلى سورية من حيث المبدأ، وهو متمثل بطرف دولي وأميركي وغربي وأوروبي، تتحكم به «إسرائيل» والولايات المتحدة عن بعد، وتحديداً في مسائل الأزمات الإنسانية، لأنّ جميعها مرتبط أو متعلق بدول أوروبية وعربية من بوابة المصالح، أيّ أنّ أيّ قرار سياسي أو إنساني متعلق بموافقة «إسرائيلية» وأميركية، كما شاهدنا هلع بعض الأنظمة التي ترغب بمساعدة سورية، ولكنها لا تستطيع لأنها لا تملك قراراً سياسياً مستقلاً يبرز شخصها السياسي على الساحة العربية والدولية، ليس فقط عربياً وإنما هناك بعض حكومات الدول الأوروبية أيضاً لا تستطيع أن تخرج من سلطة الهيمنة، خاصة في ما يتعلق في سورية، معتمدة بذلك على حجج تنظيرية خارجة عن مألوف الواقع، أبرزها ترتيب أوراق الهيكل القانوني وما شابه، لا سيما هنا نتحدث عن المنطق الإنساني ضمن الأصول الدولية، على سبيل واقع الزلزال في سورية، وتركيا، وربما قد يكون في أماكن أخرى، وتبقى كلها تحت مسمّى واحد وهو الكارثة ـ الفاجعة الإنسانية الكبرى…
هل يُعقل للولايات المتحدة وحلفائها أن تأخذ فسحة ترتيبية من الوقت لصياغة الهيكل القانوني في وقت من المفروض أن تعمل على سباق زمني لإنقاذ الأرواح وإنْ كان الزلزال قدراً، ولكن بموقفها المتعنّت الغير الأخلاقي، تكون بذلك ضاعفت عدد الضحايا مع تبعات العقوبات الأحادية على حقوق الإنسان وهذه جريمة تضاف إلى سجل الولايات المتحدة الحافل بالجرائم الإنسانية، لا سيما بالنسبة للدولة السورية، وبالتالي يجب أن نأخذ بعين الاعتبار تصريح الخارجية الأميركية التي ادّعت تقديم المساعدات مع جمع كلمة ولكن؟ التي حولها علامات استفهام، أيّ أنّ واشنطن وحلفاءها يريدون تقديم المساعدة ولكن ليس للدولة السورية وإنما لأجنداتهم فقط، من موساد واستخبارات، الأمر الذي جعل الولايات تقوم باستثمار الزلزال لأهداف سياسية، مع لفت الانتباه للهبّة العربية الداعمة لسورية، خوفا من أيّ تقارب سياسي عربي تجاه سورية عبر بوابة كسر الحصار، وبخطوات مباغته تعمل على ترقب شديد لأيّ خطوة عربية تقدم المساعدة للدولة السورية، انطلاقاً من هذا قد تأخذ واشنطن خطوات توظيفية تستحضر الملف الإنساني وتوجيهه إلى مجلس الأمن بطريقة مضللة، للإطاحة بالدولة السورية التي سبق لها وقالت كونداليزا رايس وأوباما وكيري ومادلين أولبريت أنهم سيعملون على إسقاط الدولة السورية ومن ثم تجزئتها وتفتيتها وتقسيمها وفشلوا، ونظراً لهذا الفشل، تقوم أميركا بانتهاز الوقت كفرصة لتصطاد بالماء العكر، أيّ ربما تلجأ لسياسة الفبركة في الوضع الإنساني في سورية المنكوبة لإضعافها بحجة أنّ سورية غير قادرة على التعاطي مع هذا الملف على المستوى الدولي والإنساني بحسب تعبيرها، ولكن في حقيقة الأمر والواقع تعمل أميركا على تفعيل نقطة هامة وهي على أنّ هناك مشكلة قانونية بين قوسين المشكلة الرئيسية هي ملف العقوبات والمسار السياسي الذي تحارب به سورية على مدى اثني عشر، وليس كما تدّعي، وهنا يستوجب توضيح الموقف الأميركي والغربي بما يلي…
غياب الإدارة السياسية بعد هول ما نراه من الغضب الشعبي العارم على غير مكان على مستوى العالم يدين ويستنكر حالة المكر السياسي الأميركي والأوروبي الذي يبحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه بحيث لا يزعج واشنطن! وكأنها تقول أنا لا اريد أن أتخطى «قوانين» واشنطن، وخاصة في ما يتعلق بـ «قانون قيصر»، وكذا حلفاؤها لا يريدون أن يرموا بثقل الخصم المتمثل بالحكومة السورية، وبنفس الوقت يطلقون شائعات عبر قنواتهم بأنّ سورية لم تطلب وإلى ما هنالك من نفاق أممي، ولكن كلّ هذا الهرج يصبّ في خانة واحدة وهي لا تستطيع الدول العربية المطبعة معها تقديم يد العون، ما لم تأخذ الضوء الأخضر منها، ربما هناك دول أوروبية تريد المساعدة ولها علاقات مع المنظمات الدولية لكنها لا تستطيع بسبب الاضطهاد الدولي…
في كلّ الأحوال هذه هي البيروقراطية الغربية في ظلّ سياسة السباق مع الزمن في الكارثة الإنسانية، تجاه الناس المألومين الذين يعيشون تحت الانقاض، علماً أنّ كلّ دقيقة تكون فاصلة بالنسبة للحياة البشرية فما بالكم عندما نتحدث عن المئات والآلاف الذين قضوا تحت الأنقاض، وهنا نقطة لافتة نحن لا نعوّل على الدعم الغربي بأيّ مقياس، ولا يحتاج الشعب السوري الدعم الغربي، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بكلّ وضوح: لماذا تمنع الولايات من يريد تقديم الدعم للشعب السوري واستخدام سيف العقوبات ضدّه؟
علماً أنّ شمال غرب سورية الطريق مقطوع، ومع ذلك أميركا رفعت شعار الدعم لأجنداتها، هذه النقطة لها عدة استفسارات، متعلقة بسياسة التكرار والكيل بمكيالين تجاه كلّ من سورية وإيران ومن ثم روسيا والعراق وغيرهم… الهدف منه تمرير التعبئة السياسية الخاصة بالشرق الأوسط الجديد، أيّ بمعنى حان الوقت لليّ ذراع الدولة السورية والشعب السوري الذي يصرخ برفع العقوبات التي تمنع تمرير المساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة، لا سيما أنّ هناك نقصاً حاداً في المواد الضرورية جداً بسبب «قانون قيصر» بدءاً من الغذاء والدواء وصولاً إلى المعدات اللوجستية المقرونة بالمحروقات والمواد الأولية لإنقاذ الأرواح، مناشدة بذلك أحرار العالم لينضمّوا إلى الحملة التضامنية الإعلامية لكسر ما يسمّى «قانون قيصر» الظالم الذي فتك بالإنسانية، وكشف زيف الادّعاءات الأميركية التي بمقدورها فقط مساعدة أجنداتها رغم العقبات الجغرافية.
وللعلم واشنطن تمتلك قدرات هائلة بالمساعدة ولكنها لا تدعم إلا من يركع لها فقط، لذا من يريد أن يساعد سورية من الدول العربية عليه أن ينظف طاقته السياسية من براثن الهيمنة، ويفك قيوده السياسية دون أن يكترث للاضهاد الدولي الذي ألمّ بالشعوب العربية جرائم إنسانية بالويلات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.