أوكرانيا.. بلد آخر في مشروع أمريكا التقسيمي

صحيفة البعث السورية-

سمر سامي السمارة:

في سياساتها الخارجية، تستخدم الولايات المتحدة، وبوتيرة نشطة تكتيك “فرق تسد”، فقد روّج المقدم المتقاعد في المخابرات العسكرية الأمريكية، رالف بيترز عام 2006، في مقال له بعنوان “الحدود الدموية” لضرورة تقسيم جميع دول الشرق الأوسط، ونشر خريطة تضمّنت إعادة ترسيم حدود هذه الدول. وعلى مدى 19 عاماً، أي منذ غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة للعراق عام 2003، تعمل واشنطن جاهدة لتفكيك أوصال البلد الذي كان دولة ذات نفوذ كبير ومخالف لسياسة البيت الأبيض، بحيث تُقسم المناطق على أساس طائفي.

وفي سياق متصل، ناقش وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري، مسألة تقطيع أوصال سورية علناً لأول مرة في شباط 2016. ومنذ ذلك الحين تواصل الولايات المتحدة احتلالها لمناطق إستراتيجية كبيرة ومليئة بالنفط في الرقعة التي تقع تحت سيطرة القوات الانفصالية التابعة للنفوذ الأمريكي، وهو امتداد كبير للحدود السورية الأردنية ومعبر التنف الحدودي مع العراق.

وتُظهر أنشطتها في بناء القواعد العسكرية خطط واشنطن لاحتلال طويل الأمد في المنطقة، حيث تحاول إضفاء الشرعية من خلال دعم الانفصاليين على غرار شمال العراق. كما يتوقع النظام في تركيا، بعد استكمال ما يسميه “عملية درع الفرات”، أن تسمح له واشنطن بالسيطرة على منطقة صغيرة في شمال سورية تفصله عن كانتونات الخونة الانفصاليين.

كانت واشنطن تنوي تفكيك أوصال سائر دول الشرق الأوسط، بحيث تكون هناك عشرات الدول الصغيرة التي تسيطر عليها “إسرائيل” و”تخضع للتحكم الأمريكي”. ومع ذلك، فشلت في تنفيذ هذه الخطط ليس في العراق فحسب، ولكن أيضاً في سورية وأفغانستان وليبيا.

في خضم هذا المشهد، من الإخفاقات وخيبة الآمال، اضطلعت واشنطن بهذه المهمة في أوكرانيا، فبعد أن استنزفت هذه الدولة الغنية والقوية منذ عام 2014 وجلبت لها الخراب، شرعت واشنطن الآن في تقسيم أوكرانيا، التي لم تعد بحاجة إليها، بعد استحواذها على الثروات الرئيسية فيها.

ولتأكيد هذا النهج، حوّلت واشنطن البلاد اليوم إلى بؤرة معادية لروسيا، لمنع كل من روسيا أو أوروبا من العيش بسلام لسنوات قادمة، وذلك بسبب تدفق اللاجئين الأوكرانيين الذي تنظمه واشنطن، ومطالبة النخبة الأوكرانية الحالية بالمزيد من الأموال التي لن تتمكن كييف -كما هو واضح- من سدادها لدائنيها.

ولعلّ أحد الأسباب التي ستحول دون قدرة كييف على تسديد ديونها، هي السياسة التي فرضتها واشنطن على أوكرانيا باستخدام البذور المحوّرة جينياً من شركة “مونسانتو” المعروفة، بالإضافة إلى عدم قدرة الأرض الأوكرانية المحروقة المليئة بالألغام التي وضعها الأوكران النازيون في كل مكان، على إنتاج المحاصيل الزراعية، والتي كانت العنصر الرئيسي لتجديد الميزانية الأوكرانية لعقود.

وهنا لابد من الإشارة، إلى أن مثل هذه الإجراءات التي تقوم بها الولايات المتحدة ستؤدي إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي ليس فقط في أوكرانيا، ولكن أيضاً في أوروبا والعالم، كما صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن علناً عقب اجتماع قادة مجموعة السبع الأخير.

بعد تدمير الولايات المتحدة لأوكرانيا وبنيتها التحتية ولوجستياتها وتهجير جزء كبير من سكانها ممن هم في سن العمل إلى أوروبا وروسيا، من غير المتوقع عودة الأوكرانيين إلى بلادهم في السنوات القادمة، أو حتى العقود المقبلة، حيث انهارت مؤسسات الدولة وأنظمة دعم الحياة في هذا “الوطن” بالكامل تقريباً.

أما بالنسبة للمهاجرين الأوكرانيين، فضلاً عن ارتفاع نسبة الجريمة والتشكيلات النازية الجديدة، لا شيء تتطلع إليه أوروبا، كما أن الولايات المتحدة نفسها لم تعد بحاجة إلى بلد كهذا على الإطلاق.

ومن الواضح أن “خطة مارشال” مرفوضة تماماً، فقد صرح يوهانس هان، المفوض الأوروبي لشؤون الجوار ومفاوضات التوسيع في عام 2017، أنه ببساطة لا توجد ثقة بأوكرانيا ومسؤوليها الفاسدين. لذلك قرّر “حكماء واشنطن” بالفعل التحول إلى “الخطة ب”، أي بيع البلاد أجزاء صغيرة لمن يريدها. لهذا السبب، سمح البيت الأبيض لقادة بولندا وجمهورية التشيك وسلوفينيا القيام برحلة بالقطار في منتصف شهر آذار الفائت مع “بعثة استطلاعية” إلى كييف، على أمل أن يتقاسموا مع زيلينسكي “أجزاء من الفطيرة الأوكرانية”.

من الواضح أن الولايات المتحدة على استعداد للتضحية بوحدة الأراضي الأوكرانية وتقسيمها إلى أجزاء في الظروف الحالية من خلال “تحديث خريطة أوكرانيا” التي أظهرتها القناة البولندية “تي في بي” بعد الرحلة. وهذا الرأي أكده النائب السابق في البرلمان الأوكراني إيليا كيفا، الذي نشر هذه الخريطة على قناته بموقع تلغرام.

من الجدير بالملاحظة، أن الخريطة تُظهر أن المنطقتين الوسطى والشمالية فقط بقيتا جزءاً من أوكرانيا، في حين تشمل بولندا بحسب الخريطة مناطق لفيف وإيفانو فرانكيفسك وفولين وريفني وترنوبل. كما توسّعت المجر على حساب ترانسكارباثيا. ووضعت علامات على مناطق أوديسا وميكولايف وخيرسون وزابوريزهزهيا ودنيبروبتروفسك وخاركيف، فضلاً عن جمهوريات دونباس كجزء من الاتحاد الروسي.

ومع ذلك، تشير قنوات تلغرام الأوكرانية أيضاً إلى أن تجزئة أوكرانيا قد بدأت فعلاً، ويبدو أن الولايات المتحدة تريد الاحتفاظ بالسيطرة على الجزء الغربي من البلاد، وقد علق كيفا على قرار واشنطن في منشور آخر على تلغرام: “لقد أصبح واضحاً أن أمريكا تغسل يديها من أوكرانيا”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.