إزدواجية المعايير وشواهد تاريخية بالأرقام: أميركا راس الإرهاب العالمي (لبنان نموذجاً)

جريدة البناء اللبنانية-

خضر رسلان:

كشفت الأزمة الأوكرانية بشكل سافر ازدواجية المعايير والقيم التي تنتهجها الدول الكبرى في سياساتها الخارجية، والتي تظهر تبايناً واضحاً وانتقائياً لا سيما من قبل الولايات المتحدة الأميركية في الالتزام بقواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.

في مقارنة سريعة تظهر ازدواجية المعايير بين التعاطي الدولي العام عند غزو الولايات المتحدة العراق واحتلاله الذي حدث من دون أيّ مسوّغ قانوني، بحجة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وهي التي تبعد عن أميركا آلاف الأميال وبين العملية العسكرية الروسية اتجاه أوكرانيا التي تقع على حدودها مباشرة والتي رافقتها معطيات ذات مستوى عال من الصدقية حول مخطط عدواني استراتيجي كان يُعدّ منذ أمد ليس ببعيد بين الحكومة الأوكرانية والولايات المتحدة الأميركية من جهة ضدّ روسيا التي بادرت الى إجراءات تقع من وجهة نظرها ضمن «الحق المشروع في الدفاع عن النفس»، وبالمقارنة نفسها حيث برزت تساؤلات فلسطينية حول ازدواجية موقف المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة في التفريق بين الموقف المتخذ حول الأزمة الأوكرانية، وممارسات الاحتلال «الإسرائيلي» ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وفي السياق كان لافتاً الفيديو الذي انتشر للنائب الإيرلندي ريتشارد بويد، الذي انتقد فيه ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة، في فرض العقوبات على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غضون خمسة أيام، فيما لم يتمّ فرض أيّ عقوبات على «إسرائيل «التي تمارس انتهاكات جسيمة ضدّ الفلسطينيين وتابع، بعد 70 عاماً من قمع الفلسطينيين، لم يقُم القادة بالإجراءات ذاتها ضدّ «إسرائيل»، بحجة أنه من غير المفيد فرض عقوبات على تل أبيب»، إضافة إلى ذلك جرى تكثيف الجلسات المتتالية لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وإعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بشأن الوضع في أوكرانيا، وهذا الامر يكشف عن الهوة في حجم ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي، في التعامل مع معاناة الفلسطينيين في ظل استمرار ارتكاب الاحتلال «الإسرائيلي» ممارسات خارج القانون الدولي.

الى ذلك وفي قمة الازدواجية المفروضة ورغم الشواهد التي لا تحصى حول الانتهاكات الأحادية الأميركية للقانون الدولي ومنذ عشرات السنين والتي تجعلها بحق رأس الإرهاب العالمي المقونن والمنظم والذي له أشكال متعددة منها ما هو عسكري وابرز تجلياته قصف القنابل النووية في ناكازاكي وهيروشيما والتي لا تزال آثارها البيئية والبيولوجية موجودة حتى الآن، ودعم الكيان «الإسرائيلي» المطلق في كلّ حروبه واعتداءاته الى غزو العراق والتفنن في قتل أبنائه كحال سجن أبو غريب الذي مورست فيه اعتداءات تعدّ جرائم بحق الإنسانية، الى المشاركة في قتل اطفال اليمن وغير ذلك الكثير من ممارسات إرهابية احادية مخالفة للقوانين الدولية ولعل ابرز اعمال البلطجة والإرهاب هو اختطاف رئيس دولة من داخل بلاده كحال عملية القاء القبض على نورييغا حاكم بنما، فعلى غرار أفلام هوليوود نفذت الولايات المتحدة الأميركية دراما سينمائية على ارض الواقع حيث اقتحم الغزاة الأميركيون قناة بنما وعادوا بنورييغا وسلموه للمحاكمة في ولاية ميامي الأميركية.

ويصل الأمر الى الإرهاب السياسي حيث كان لفلسطين نصيبها الأوفر من الصلف الأميركي الذي أشهر الفيتو عشرات المرات منعاً لإدانة الاحتلال «الإسرائيلي» في اعتداءاته اليومية، فضلاً عن السلوك الأميركي الذي تواطأ بشكل فاضح مع الصهاينة وآزرهم في عدم تنفيذ القرار242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والذي ينص على قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، بل وخرقاً لكلّ المواثيق الدولية اعترفت بمدينة القدس عاصمة للكيان الغاصب إضافة الى دعم وتغطية توسيع المستوطنات في الضفة والقدس، فضلاً عن منع عودة اللاجئين من الشتات الى ديارهم.

يضاف الى ذلك عمليات اختطاف مواطنين أجانب وجلبهم للمحاكمة الى داخل أميركا في الوقت الذي من الممنوع محاكمة أميركي إلا لدى المحاكم الأميركية التي يحق لها إصدار أحكام وفرمانات ذات طابع سياسي تطال حكومات وأفراداً وبشكل أحادي، فضلاً عن فرض عقوبات اقتصادية وحصار دول وحجز أموال دون رقيب او حسيب وكأن ذلك من الحقوق والمسلمات التي لا ينبغي النقاش فيه.
ـ لبنان ضحية الإرهاب الأميركي: بالأرقام بعض من السلوك الأميركي التاريخي اتجاه لبنان:
1 ـ غزو عسكري أميركي

أوّل تدخّل وغزو مباشر للقوات الأميركية في لبنان كان في عهد الرئيس كميل شمعون وتحديداً عام ١٩٥٨، وذلك بعد شعورها بخطر حركات التحرر الوطني في الشرق الأوسط، فسعت إلى دعم الأنظمة العربية الموالية لها حيث دعمت شمعون في لبنان والسلطة الملكية في العراق عبر حلف بغداد الذي شكّلته عام ١٩٥٥ لهذا الهدف. وترافق مع ذلك إنزال عسكري لقوات البحرية الأميركية على شواطئ بيروت حماية لحليفها كميل شمعون الذي انتهت ولايته عام 1958.
2 ـ تهجير المسيحيين وتوطين الفلسطينيين

الرئيس الراحل سليمان فرنجية اكد انّ المبعوث الرئاسي الأميركي، السفير دين براون، عندما أتاه في نيسان 1976 أبلغه التالي: «لقد قُضي الأمر يا مسيحيّي لبنان… مآلكم كندا، وها هي البواخر قبالة شواطئكم بانتظاركم في عرض البحر. فلستم هنا إلا فائضاً بشرياً لا مستقبل له». فالمشروع الأميركي كان جلياً واضحاً لبنان الوطن البديل للفلسطينين ودوره الوظيفي انتهى.

3 ـ الغزو «الإسرائيلي» عامي 1978و 1982: ورغم الأعداد الكبيرة من الضحايا المدنيين، والخراب والدمار الذي لحق بالاقتصاد اللبناني، لا سيما على المناطق الجنوبية، فقد دعمت الولايات المتحدة «إسرائيل» بلا حدود. وحين أصدر مجلس الأمن تسعة قرارات، كلها تلحّ وتكرّر المطالبة بانسحاب «إسرائيل» بالكامل، ودون أي قيد أو شرط، من الأراضي اللبنانية.، كان الفيتو الأميركي بالمرصاد.

4 ـ نزع سلاح المقاومة سهل لمجزرتي صبرا وشاتيلا عام 1982 بعد نزع سلاح المقاومة وبإيعاز أميركي مباشر لتسهيل خروج المقاتلين من لبنان وبدم بارد جرت مجازر مهولة في مخيمي صبرا وشاتيلا سقط على اثرها الآلاف من اللبنانيين والفلسطينيين المدنيين العزل وبسلاح أميركي رغم أنّ القانون الأميركي يحرّم ويجرّم استخدام الأسلحة الأميركية في الأغراض غير الدفاعية، فقد ظلت الإدارات الأميركية تدافع بقوة عن الانتهاكات «الإسرائيلية» في لبنان دون الاكتراث بما يرتكبه من إرهاب ومجازر.
5 ـ مجزرة بئر العبد إرهاب أميركي موثق

كانت منطقة بئر العبد في الضاحية الجنوبية لبيروت على موعد مع تفجير كبير خلّف مجزرة راح ضحيتها ما يقرب من ثمانين شهيداً وأكثر من مئتي جريح، وكان المستهدف آنذاك شخصاً واحداً هو آية الله الراحل السيد محمد حسين فضل الله، الذي كان يشكل عامل قلق للمشروع الأميركي ـ الصهيوني، المجزرة التي ارتكبت يومها بحق المصلين الخارجين من مسجد الإمام الرضا فشل من خطط لها في تحقيق هدفه، بل أضاف بقتله عشرات الأبرياء نقطة سوداء إلى سجل الاستخبارات الأميركية التي كشف مديرها آنذاك وليام كايسي بعد سنوات تفاصيل ما جرى، معترفاً بتخطيط وتجنيد وإشراف أميركي على العملية فيما التمويل كان عربياً وتحديداً سعودياً أداره وقتها بندر بن سلطان بالتعاون مع المخابرات البريطانية وجاز امني لبناني.
6 ـ الإرهاب الاقتصادي الأميركي في لبنان

أ ـ الحصار الاقتصادي

وضع لبنان وبشكل أحادي مخالف للقانون الدولي على لائحة العقوبات ما أدّى الى حدوث أزمات خانقة على الأصعدة كافة، وهذا ما عرّض الأمن الاقتصادي اللبناني للخطر، وهذا الأمر من أبرز تجليات إرهاب الدولة التي تتدخل في شؤون دولة أخرى ذات سيادة فارضة عليها خططاً وآليات تستهدف قطاعاتها الحيوية وعملتها الوطنية.

ب ـ قانون قيصر الإرهابي

خلافاً للقانون الدولي سنّت الولايات المتحدة قانوناً لمحاصرة الشعب السوري وألزمت الكيانات والدول ومنها لبنان تحت وطأة التهديد والإرهاب بالالتزام بجميع مندرجات هذا القاون الجائر، وبالتالي فإنّ تداعيات ذلك انعكست مزيداً من زيادة الأعباء والكوارث الاقتصادية على كاهل الشعب اللبناني وأبرز تجلياته منع الاستفادة اللبنانية من استجرار الغاز والكهرباء من وعبر سورية من دون ان تعبأ الولايات المتحدة بما يعانيه الشعب اللبناني من ضغوط ومشاكل نتيجة هذا القانون الإرهابي.

ج ـ منع الدولة اللبنانية من تنويع خياراتها الاقتصادية

الفيتو الأميركي واضح لمنع لبنان من التوجه إلى دول أخرى تدعمه وتستثمر فيه سواء روسيا أو إيران أو الصين وحتى بعض الدول الأوروبية، سواء أكان بناء محطات كهرباء أو مصافي نفط أو إعادة إعمار مرفأ بيروت تحت طائلة إشهار سيف العقوبات.

د ـ منع الدولة اللبنانية من الاستفادة من ثرواتها

يوجد شرط أساسي للولايات المتحدة الأميركية في مسألة استخراج النفط والغاز، هو ترسيم الحدود البرية والبحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة وفقاً لمصلحة الكيان الصهيوني.

هناك الكثير من الأمثلة التاريخية والمعاصرة التي يبرز فيها سياسة المعايير المزدوجة إضافة الى سياسات الإرهاب والتهديد التي يُراد بها إخضاع الشعوب ونهب ثرواتها الوطنية، إلا انّ جذوة المقاومة التي تتعزز يوماً بعد آخر في المنطقة سيبقى الرهان عليها لإسقاط كلّ مشاريع التفتيت والتسلط والهيمنة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.