إسرائيل تعيش في التخلف

israel - army 1

إسرائيل، بمعظم زعمائها ومفكريها، تعيش في التخلف. صحيح أن جزءا من الاقتصاد ينخرط في العولمة، والنخبة المنتجة تنتمي إلى الطليعة العالمية والجيش الإسرائيلي عمل على الحداثة، ولكن في المدى البعيد، فإن الاستعدادات لتغييرات راديكالية عالمية، تستحق علامة بين كافٍ بالكاد وغير كافٍ. هذا هو الوضع أيضا في العديد من الدول الأخرى ولكن هذه مواساة تعيسة، إذ أنه بسبب النزاع العربي الإسرائيلي، فإن حساسيتنا الوجودية للتغييرات أكبر.

العلم والتكنولوجيا هما محدثان أساسيان للتغيير. ونحن معتادون على أن نرى فيها نعمة، وبالفعل تكمن فيها امكانيات الازدهار. ولكن شجرة المعرفة العلمية تنبت أيضا ثمارا سامة ومن الصعب التمييز بينها وبين الثمار المغذية. الثمرة الأكثر سما، التي تعرض مستقبلنا للخطر تمنح الإنسانية غير الناضجة القدرة على تصفية ذاتها، بداية بسلاح نووي ولاحقا ربما بالبيولوجيا المصنعة.
كما أن التأثير الخطير للإنسانية على البيئة تقوم على أساس الاستخدام الواسع غير الحذر للتكنولوجيا.

منذ الآن توجد نماذج على قدرة تغيير فيروسات في مختبرات بيتية. وفي المستقبل هندسة جزيئية، حوسبة وربوتات متطورة تحل محل معظم العاملين؛ ارتفاع سطح البحر قد يؤدي إلى هجرة جماعية وعنف؛ “تحسين” البشر وربما أيضا استنساخهم، سيغير جوهر “الانسانية”؛ وخلق حياة في المختبر كفيل بأن يقوض المذاهب الفكرية. هذه مجرد نماذج من أصل جملة من التطورات، معظمها تبدأ منذ الآن، في القرن الواحد والعشرين، وأخرى ستأتي غير قابلة للتوقع.

حتى لو كان كل بني البشر متمسكين بقيم العدالة والسلام، لاندفعت الانسانية إلى أزمات انتقالية شديدة حتى تنمية أنماط الحياة، التي تستغل ايجابا العالم الجديد، في ظل الرقابة لمنع الحوادث. ولكن بني البشر متمسكون بالقبلية والكثيرون جدا يؤمنون بالقيم التي تبرر – وأحيانا تستوجب – المس بالآخرين. وعليه يمكن الافتراض بأن جزءا من انجازات العلم والتكنولوجيا ستستغل للدمار والقتل الجماعيين، وقدرة القلة على قتل الكثرة ستزداد بأضعاف.

وعليه، فضروري اتخاذ وسائل مضادة، بما في ذلك الرقابة المتشددة على العلم والأدوات الخطيرة من خلال نظام عالمي مصمم ذي وسائل انفاذ. ومثل هذه الرقابة ستتم بالضرورة في ظل المس بسيادة الدول والمس بحرية المعرفة، بحرمة الفرد، بالسوق الحرة وبغيرها. ومع الأخذ بالحسبان النزعة المحافظة لدى المؤسسات والزعماء فمن شبه اليقين أن فقط بعد سلسلة من الاضطرابات والكوارث سيقام نظام عالمي كهذا، لازم لمواصلة وجود الجنس البشري.

يمكن لنا أن نسأل، ما علاقة هذا بنا؟ الجواب هو أن مجرد مستقبلنا منوط بقدرتنا على الصمود في عصر منفلت العقال من التغيير واستغلاله ايجابا. ولكن هنا يوجد خطير وجودي بسبب النزاع العربي – الإسرائيلي الذي من شأنه أن يتسبب بهجمات بأسلحة جديدة تلحق اصابات شديدة. كما يمكن توقع تشديد الضغط العالمي لتسوية النزاع، حتى في شروط تكون سيئة لإسرائيل.

ان المستندين إلى الوضع الأمني الهادئ الحالي وكأنه مستديم، أو المؤمنون بـ “ادارة النزاع” طويلة الامد، فمصابون بالعمى. فالان بالذات علينا أن نستغل الوضع الجيد نسبيا لضمان مستقبلنا. يمكن عمل ذلك بمبادرة اقليمية مصداقة للسلام، فيها ما يقلص العداء والوصول إلى تعاون ضد التطرف المتزمت.

على إسرائيل والشعب اليهودي ان يفعلا الكثير كي يستعدا للتغيير العالمي: ينبغي الاستثمار في العلم والتكنولوجيا، ضروري تحول راديكالي في التعليم، وتوجيه قيمي يطبق مبادئ التقاليد اليهودية على مشاكل أخلاقية جديدة. ولكن قبل كل شيء يجب انتخاب القيادة القادرة والراغبة على مواجهة التغيير، قبل ان يحصل. هذا مطلوب عمليا وكذا كفريضة “اصلاح العالم”.

ولكن لا أمل في كل هذا في ظروف السياسة التي تدحر إلى الخارج أناسا ذوي علم وفهم، مثل بيني بيغن، اسحق بن إسرائيل، ايهود باراك وداني مريدور. الكثير من مميزات السياسة الإسرائيلية الحالية تشكل سببا للقلق بالنسبة للمستقبل. وعليه فان الاستعداد الابداعي لما سيأتي يستدعي ثورة سياسية حقيقية. لا تكفي “تعديلات في الحكم” هي مثابة حبة اسبرين لمريض يحتاج إلى عملية جراحية لانقاذ حياته.

الغد الأردني -هآرتس – يحزقيل درور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.