إطلالة السيد الهادئة

موقع العهد الإخباري-

إيهاب زكي:

إنّ الردَّ ما ترى لا ما تسمع. هذه ترجمة لإجابة السيد حسن نصر الله عن سؤال المحاور حول طبيعة فعل حزب الله، حال إصرار العدو على استخراج الغاز قبل بدء لبنان بالعمل في حقوله النفطية، أيّ أنّ ردّ حزب الله ليس كلاماً يحتاج استماعاً، وليس تهديداً إعلامياً أو حرباً نفسية، إنّما فعلٌ تشخص له الأبصار، وسيراه العدو رؤيةً ينخلع لها قلبه.

حين يتصور السيد نصر الله، ويرسم مشهداً لنهاية الكيان، ويتخيل كيف يتداعى المستوطنون على المطارات والموانئ والمعابر، يحملون أغراضهم ويتدافعون هروباً ونجاةً بالنفس، فالسيد ليس شاعراً وليس روائياً، يبتدع المشاهد من خيالٍ محض، ثم يحولها إلى أبياتٍ أو أحداث، بل قائد ومسؤول، ويمتلك رؤية استراتيجية ثاقبة، وينطلق من وقائع ومعلومات عن قدراته، كما عن إمكانيات العدو، وهذا يعني أنّ هذا المشهد وتحقيقه هو جزء من مسؤوليات القائد، والعمل جارٍ ليل نهار دون انقطاع، ليمسي واقعاً حقيقياً نعيشه كما عشنا مشاهد تحرير جنوب لبنان.

ما يفعله السيد نصر الله بالكيان المؤقت مع كل إطلالة، كالمطرقة التي تهوي على سطحٍ يتهاوى، رغم أنّها إطلالات هادئة، خصوصاً إطلالته هذه عبر شاشة “الميادين”، فالكيان المؤقت يعرف أن كلام السيد يوازي بقوته الصواريخ الدقيقة في البر والبحر، وأنّ حلول الأرض انتهت مع هذا الرجل، رغم التواضع الجمّ الذي يتحدث به عن قدرات المقاومة، وعلى سبيل المثال ما قاله عن قدرات المقاومة البحرية “لسنا قوة بحرية، ولكن باستطاعتنا ضرب كل أهداف العدو البحرية”، أيّ أنّه أينما اختبأ العدو سنجده، وقال أيضاً “لسنا قوة إقليمية، لكننا ذو أثرٍ إقليمي”، أيّ أينما ولّى الكيان وجهه سيلقانا.

لم تكن إيران أو سوريا على علمٍ مسبق بتهديدات حزب الله للعدو حول كاريش، ولست أكثر تصديقاً لهذا القول من خصوم حزب الله المحليين، فهم يوقنون أنّ قرارات حزب الله تنبع من مصلحةٍ لبنانية صرفة، وهم يوقنون لأنّهم تعاملوا مع الحزب عن قربٍ شديد، لكن ارتزاقهم يتطلب تكذيب أنفسهم، ومصالحهم الشخصية التي تتقاطع مع مصالح الكيان المؤقت، تتعارض قطعاً مع مصالح لبنان شعباً ودولة، لذلك لا يجدون سوى السخافات كما سماها السيد، ليشهروها في وجه حزب الله.

قد أراح السيد حسن نصر الله أصحاب السخافات في لبنان، وقال لهم إنّ قرار السلم والحرب في يد الكيان المؤقت، فإنّ أراد سرقة ثروات لبنان، فقد اختار الحرب، وإن سلَّمَ بحقوق لبنان فقد رضخ للسلم، ولكن الحقيقة أننا نعرف جميعاً، أنّ هؤلاء يريدون من الحزب استسلاماً غير مشروط، فليسرق العدو لبنان وليسطُ على ثرواته، وما على الحزب سوى أن يفعل مثلهم، فيصدر بياناً تنديداً واستنكاراً، ثم ينتهي الأمر ويتلهى اللبنانيون في شاغلٍ أكثر أهمية، قد يكون موقف فنان مثلاً من دولةٍ ما، أو مدى تأثير تسريحة شعر فنانةٍ ما، على الصراع العربي-“الإسرائيلي”.

قال السيد حسن نصر الله إنّه يرى زوال الكيان المؤقت قريباً جداً، وهذا على النقيض تماماً مما يراه المطبعون “المتأسرلون”، الذين يحاولون الوقوف كحائط صدّ، بين قوى المقاومة وبين جدران الكيان، ولا يدرون أنّهم أوهن من جدران الكيان، وأنّ استبسالهم في الدفاع عنها، ليس سوى احتكار للعار.

قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، فقد وضع حزب الله نفسه في موقعٍ لا يمكن التراجع عنه، وقد وضع الكيان أمام مهمةٍ وحيدة، هي العمل على تجنب الصدام بشكلٍ جدّي، بعيداً عن السخافات، عبر التجييش الطائفي والمذهبي، أو العبث على مواقع التواصل، وأنّ السبيل الوحيد للوصول لتجنب الصدام، هو أن تتحقق المصلحة اللبنانية بالبدء بالتنقيب والحفر والاستخراج، وكل ما عدا ذلك هو هراء “إسرائيلي” لن يستخرج إلّا هراء البقاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.