إنزالات النورماندي بعد اجتياح العراق: حرب على لبنان وتدمير لسوريا

israel - army 11

«نورماندي 2004». في ذكرى اليوم «ي» الذي أنزل فيه الحلفاء قواتهم على شاطئ النورماندي في فرنسا عام 1945 لتحرير أوروبا من النازية، اجتمع حلفاء الامس بعدما فرّقتهم الحرب على العراق. كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد رفض الحرب على العراق وهدد باستخدام «الفيتو» في مجلس الامن لمنع تبني قرار دولي بالحرب وسط صمت روسي صيني، من نوع لا حول ولا قوة.

خاض بوش الابن الحرب من دون تفويض دولي وشاركه حلفاء أبرزهم بريطانيا واسبانيا ودول اخرى. أهم نتائج الحرب أنها دمّرت العراق وقتلت مئات الآلاف من شعبه، وأوجدت شرخا في العلاقات الفرنسية الاميركية. لكن ما ان حل موعد ذكرى إنزال النورماندي عام 2004 حتى عاد الفريقان المختلفان الى الاتفاق، وأيدت فرنسا الولايات المتحدة، وصدر قرار عن مجلس الامن يشرّع فيه الوجود العسكري الاميركي في العراق.

لم يقتصر «نورماندي 2004» على المصالحة بشأن العراق، بل أفضى الى تغيير دراماتيكي فرنسي في الموقف من سوريا. أعلن الرئيسان بوش وشيراك معارضتهما لوجود القـوات السـورية في لبـنان، وطالبا بانسحابها في بيان مشـترك مفاجـئ، يفهم منه انهما قررا نقل المعركة الى سوريا. وكان شيراك قد ألقى خطابا في مجلس النواب اللبناني أعلن فيه تأييده لانتشار القوات السورية في لبنان حتى التوصل الى سلام شامل في المنطقة، وهو أقوى تفويض دولي يمنح لسوريا في لبنان. ما جرى في النورماندي كان تحولا كبيرا في السياسة الفرنسية تجاه سوريا.
أولى ثمرات هذا التحول كانت القرار 1559 الصـادر عن مجلس الامن (اكتفت الصـين وروسيا بالامتناع عن التصويت) والذي دعا لانسحـاب القـوات الاجنـبية (يقصـد السوريـة) والى نزع أسلـحة الميليـشيات (أي حزب الله). أدخل الفرنسيون بالاشتراك مع حليفتهم الولايات المتحدة لبنان في دوامة أزمـة طويلة بعـد فترة نحو 13 سنة من «السوري» تم خلالهـا إعادة بناء مؤسسات ودعم المقاومة ضد اسرائيل وتحرير الشريط اللبناني المحتل من دون قيد ولا شرط، وهو أمثولة لا ترغب دول الغرب تكرارها في المنطقة.

أدى اغتيال رئيس الوزراء السابق الشهيد رفيق الحريري الى انقسام عمودي في البلاد، وباتت احتمالات المواجهة الداخلية قائمة لولا ان «حزب الله» تراجع تكتيكيا ليتفادى الفتنة. لم تنفع التوترات الداخلية في حل مسألة سلاح الحزب (أي نزعه) وهو هدف الغرب الأساسي من التدخل في لبنان. ضاق صدر اسرائيل من الانتظار، فقررت ان تنفذ القرار 1559 وحدها، كما فعلت الولايات المتحدة في العراق. هاجمت اسرائيل لبنان العام 2006 ومُنيت بهزيمة ـ صدمة لأنها لم تتمكن من تحقيق مهمتها، وفقدت قوة الردع، ونشأ نوع من توازن الردع النسبي بين حزب الله و«اسرائيل».

لم تكن الحرب على سوريا بعيدة عن سياق حرب 2006 لكنها جرت بوسائل جديدة. هي ليست حربا تقليدية بل حرب سياسية إعلامية اقتصادية وثورية ـ إرهابية. استُعين بتنظيم «القاعدة» من أجل التسريع بإسقاط النظام السوري، وقدمت دول الغرب التسهيلات اللازمة لهذا التنظيم بكل المنظمات المتشعبة عنه في الانتقال والتعسكر والتدريب والتسليح وأجهزة الاتصال والتمويل والدعم الطبي. باتت «القاعدة» في سوريا جيوشاً تحتاج الى قواعد «لوجستية» وليست كما عهدناها من قبل، خلايا نائمة تستيقظ لتقوم بعمل إرهابي.

اليوم، وفي 2014، وبمناسبة ذكرى إنزال الحرب العالمية الثانية، وصل الرئيس الروسي بوتين الى النورماندي ضيفا مميزا بحمولة الازمة الاوكرانية والازمة السورية. وصل قبله الى بروكسل الارهابي الفرنسي مهدي نموش بعدما أمضى سنة في سوريا يقاتل في صفوف الجهاديين وقتل بالرصاص ثلاثة يهود أمام المتحف اليهودي، فيما غادر فلوريدا الى سوريا أبو هريرة الاميركي الذي وُلد وترعرع في الولايات المتحدة ونفذ عملية انتحارية فجر فيها شاحنة تحمل 17 طناً من المتفجرات في ادلب شمال سوريا.

ما زال الأميركيون وحلفاؤهم يكابرون برؤيتهم الخاطئة الى سوريا، فيما «القاعدة» تسرح وتمرح في المناطق الشمالية والشرقية من سوريا، وجيوش «القاعدة» تتلقى التمويل بانتظام، ولا تزال أعمال التعبئة جارية في دول الغرب والخليج وشمال افريقيا وغيرها «للجهاد في سوريا».

اذا كان نورماندي 2004 قد رمى الى نزع سلاح «حزب الله»، فإن حرب 2006 كرّست «حزب الله» لاعباً مهماً من غير الدول. واذا كانت الحرب على سوريا تهدف الى عزل حزب الله، فها هو قد توسع وبات ينتشرعلى جبهة الجولان، وأصبح الخط من الناقورة الى أم قيس (تلة مشرفة على بحيرة طبريا) خط مواجهة شاملاً مع اسرائيل تحت سيطرة الحزب.

نورماندي 2014، الديموقراطي أوباما بدلا من الجمهوري بوش عن الولايات المتحدة، هولاند الاشتراكي بدلا من شيراك اليميني عن فرنسا، بوتين وفي سجله 4 «فيتو» في مجلس الامن وضم شبه جزيرة القرم عن روسيا. هل اتعظ نورماندي 2014 من أخطاء نورماندي 2004؟ أم ننتظر عشر سنوات اخرى نسمع فيها بأمثال نموش وأبو هريرة حتى يتألم المجتمعون في النورماندي ويقتنعوا بالبحث جديا وواقعيا عن تسوية عادلة للأزمة الخانقة على سوريا والمنطقة؟

صحيفة السفير اللبنانية – الياس فرحات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.