إنها لحال معيبة بحق

press-lies

صحيفة الوطن العمانية ـ
أ.د. محمد الدعمي*:

لاحظت في مقالتي ليوم السبت الماضي، “إنها لحال غريبة بحق”، شيئاً من غرائب وعجائب ما تقدمه قنوات الإعلام العربية. ثم حاولت أن أحلل ما رصدته في المقالة أعلاه، كما هي الحال في مقالات أخرى سبق وأن نشرتها في (الوطن) الغراء عدة مرات. السؤال، هو: لماذا تحدث هذه العجائبيات في الإعلام العربي، بينما لا تحدث قط، أو قلما تحدث في الإعلام العالمي، الغربي خاصة.
عندما وصلت إلى الولايات المتحدة قبل عدة أعوام، حاولت الاتصال بصديقي، الإعلامي الأميركي الكبير “دان راذر”، الذي سبق أن قدمني ليلة غزو العراق في برنامج (ستون دقيقة) Sixty Minutes الشهير. بيد أني لم أحظ بالاتصال به، فحاولت الإتصال بالقناة التي يعمل بها CBS، فإذا بي أتفاجأ بنبأ خروجه من هذه القناة. وعندما تحريت عن ذلك، وجدت أن الرجل، على الرغم من قوة شخصيته وشعبيتها وتعلق الجمهور به، قد ارتكب خطأً معلوماتيًّا، خطأ عد مضللاً للجمهور، الأمر الذي قاد إلى خروجه من المحطة الشهيرة.
وقد قلت في دخيلتي، على سبيل المقارنة والمقاربة بين ما تفعله أغلب قنواتنا الإعلامية في العالم العربي، من أخطاء مضللة وحرف للحق على نحو فاضح، من ناحية، وبين ما حدث لـ”دان” مما مر ذكره.
وجدت أن ما يجري عبر العديد من وسائل الإعلام العربية من تسويق للأكاذيب وتضليل وضحك على الذقون وإخفاء حقائق وإبراز أخرى على قدم وساق، إنما يكمن على حقيقة أود أن أثبتها في هذا السياق متأملاً من العقل العربي أن يعرفها ويدركها جيداً، وهي حقيقة مفادها: عدم احترام أغلب وسائل الإعلام في العالم العربي للمتلقي الإعلامي العربي، ذلك المتلقي الذي يبدو لمديري هذا النوع من وسائل الإعلام مجرد إلعوبة يمكن شحنها وتدويرها واستغفالها حسب معطيات إعلام ممول لا يخدم سوى مصالح الممولين الذين تقودهم رغبات مؤقتة أو طارئة تتناغم مع سياساتهم، وليس مع الحقيقة الإعلامية.
لاحظت كذلك إن عدم احترام المستهلك الإعلامي في العالم العربي إنما تكمن بواعثه في الاعتقاد المجحف بأنه مستهلك إعلامي أدنى ذكاءً وفطنة من مديري وسائل الإعلام المعنية أعلاه. وبكلمات أخرى، يعتقد هؤلاء الجهابذة أن المستهلك الإعلامي العربي “ساذج” ينطلي عليه كل شيء، للأسف. وهي حال معيبة لا ينبغي الصمت إزاءها، ذلك أن تمرير وحدات إخبارية أو إعلامية من النوع الذي سبق أن ذكرته في مقالتي أعلاه إنما يعني الإيغال في إهانة العقل العربي والإقلال من شأنه، ذلك العقل الذي لا يفقه ما يمرر عليه سوى سطحي وعلى نحو “مرور الكرام على الردى”.
ايها القوم، إن الأمر ليس كذلك لا ريب، فالمستهلك الإعلامي العربي إنما هو سليل تلك العقول الذكية القادرة على الجدل والمقارنات الذكية وغير القابلة للتسطيح والاستهانة، هو عقل لا يمكن أن يمرر الاستغفال دون ملاحظة، متيقناً أن من يحاول أن يستغفله إنما هو المغفل!

* كاتب وباحث أكاديمي عراقي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.