إيران وبكائيات الغرب الجماعي!

صحيفة الوطن السورية-

د. بسام أبو عبد الله:

بعد ساعات من وفاة مهسا أميني، انطلقت بشكل لافت حملة منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج مشاعر الناس في إيران، وصب الزيت على النار، وتسخير غرف عمليات إعلامية تقود حرباً نفسية نعرفها في سورية جيداً منذ أحداث درعا، ولاحقاً مع كل حادثة صغيرة بهدف تدمير الروح المعنوية، والوصول لهزائم افتراضية للسوريين كما هو الحال مع حادثة أميني، بالنسبة للإيرانيين.

الغرب الجماعي وفقاً للمصطلح الروسي الجديد، قاد الحملة ضد إيران بمسؤوليه، ووسائل إعلامه، ومقالات كبار الصحفيين، ومن خلال تسخير إيلون ماسك شبكة الأقمار الاصطناعية التابعة لـ«سي آي إيه» لمصلحة ما سموه الناشطين، وكان من الواضح تماماً أن الشبكات التي تحركت على الأرض لا علاقة لها بمشاعر الناس، وعواطفهم وحقهم في التظاهر الذي لم يعترض عليه أحد، لكن السؤال هنا ما علاقة التعبير عن المشاعر بإحراق 17 فرعاً مصرفياً في جميع أنحاء البلاد، والتسبب بأضرار بقيمة 400 مليار بالعملة الإيرانية؟ وما علاقة التظاهر السلمي بالاعتداء على مراكز الشرطة، وقوات الأمن المنوط بها حماية المتظاهرين؟ وما علاقة التظاهر السلمي بإحراق نسخ من القرآن الكريم، والشتم والسب ضد كل رموز الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ ألا يذكرنا كل ذلك بما حدث في سورية مع بداية الحرب الهمجية عليها من استهداف لدور العدل، ومراكز الشرطة، ورموز الدولة وتدمير المنشآت الحكومية والخاصة أيضاً، وغيره الكثير؟ إنها الثورات الملونة التي ما زال «الغرب الجماعي» يعتقد أن بإمكانه أن يقلب الأنظمة المعادية له من خلالها، ومن خلال أسطوانات مشروخة عن حقوق المرأة والشباب، ومن يشبههم ولا يشبهنا، مع آلة دعاية إيديولوجية ضخمة تتحرك بطريقة أصبحت مكشوفة ومفضوحة.

في إيران يهاجم الإسلام المقاوم، والمتمسك بقيم ومبادئ ومقاصد سيدنا محمد (ص)، بينما كانت واشنطن ولندن صاحبة نظرية «الإسلام والديمقراطية» في عشرية البؤس والقتل التي مازالت تداعياتها ونتائجها تنهمر علينا في حياتنا اليومية، لكن الإسلام الذي يتحدثون عنه هو الشكلي المنافق المطبع والمنبطح، وليس ذاك المعتدل، الحريص على القيم والعادات والتقاليد، وخصوصية المجتمعات وتاريخهم وحقهم في صناعة مستقبلهم.

الغرب الجماعي يذرف الدموع على مهسا أميني لكن الانفصام الحاصل في مشاعره الإنسانية لا يحصل مع نساء فلسطين أبداً، ولا يحصل مع نساء سورية ولبنان واليمن والعراق، ولا يحصل مع نساء الدونباس حيث تقتل آلة الحرب المدعومة غربياً أسس الحياة والاستقرار.

«الغرب الجماعي» يقدم روايته عن التظاهرات في إيران بما يخدم سياساته ولذلك يصل دائما لنهايات فاشلة، ويصمت تمهيداً لجولة جديدة من محاولات تدمير المجتمعات من الداخل باسم الحريات والديمقراطية والنساء والشباب، لأن السؤال هنا: ما علاقة الغرب الجماعي مثلاً بإلزامية الحجاب داخل إيران، خاصة أن بعض الدول الغربية منعت الحجاب لديها مثلاً، واعتدت على الرموز الدينية للمسلمين، ومولت عتاة المتطرفين لتقول لنا: هذا هو الإسلام! وما علاقة «الغرب الجماعي» بالدفاع عن حقوق المرأة في إيران من دون أن يبرزوا مثلاً أن نسبة الطالبات في الجامعات الإيرانية تصل لأكثر من 48 بالمئة من أعداد الطلاب، وأن المرأة الإيرانية تشارك في كل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وأن 7 بالمئة من براءات الاختراع التكنولوجية هن لنساء، و24 بالمئة بالشراكة مع الرجال، وأن 41 بالمئة من موظفي القطاع الحكومي هن من النساء، وأن 65 بالمئة من الحرفيين هن نساء، وماذا نقول عن الرياضة والموسيقا وتربية الأجيال وتعليمهم؟ أما آن لهذا الغرب الجماعي أن يتوقف عن الكذب والندب والبكاء الكاذب باسم حقوق الآخرين؟

من يتابع الصحف الإيرانية بمختلف اتجاهاتها فسيجد أن هناك انتقادات واسعة لأداء الحكومة مثلاً، بما في ذلك موضوع «شرطة الأخلاق»، أو الأداء الاقتصادي، وكل القضايا الداخلية الإيرانية، لا تكميم للأفواه في طهران أبداً ذلك أن الحوار الداخلي مفتوح على مصراعيه في كل القضايا بما في ذلك قضية الحجاب، لكن ضمن إطار احترام سيادة إيران، وأسس الجمهورية، ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية ومراعاة خصوصيات وعادات وتقاليد المجتمع الإيراني، ذلك أن إيران دولة فيها مؤسسات وانتخابات، وصحافة حرة، وانتقادات مفتوحة للنظام السياسي، وليست دولة مغلقة لا حوار فيها.

يبدو واضحاً أن الغرب الجماعي يعمل على تفجير المجتمعات من الداخل، ويراهن على حصاره الاقتصادي المجرم للدول، وعلى أدواته الداخلية، إذ إنه أليس غريباً أن تتحرك التنظيمات الانفصالية التي تتحدث باسم الأكراد دفعة واحدة من شمال شرقي سورية إلى إيران بالنغمة نفسها، وعلى السياق نفسه؟ ثم أليس غريباً أن يتحول شمال العراق إلى مركز دولي لتفتيت دول المنطقة من سورية وإيران وتركيا إلى العراق، تحت عنوان واحد؟

الجنون لدى الغرب الجماعي، والهستيريا الواضحة ضد إيران سببه مواقفها الصلبة والمبدئية في المفاوضات النووية، وعدم تنازلها عن حقوقها الوطنية، وسببه انضمام طهران لمنظمة شنغهاي، وسببه تعميق التعاون الإستراتيجي مع روسيا، ودخول المسيرات الإيرانية ضد آلة الناتو العدوانية في أوكرانيا، وعدم تخلي إيران عن دعم حركات المقاومة في المنطقة، وخاصة في فلسطين، وسياسات إيران الإقليمية والعالمية التي تؤكد على نظام عالمي جديد يقوم على احترام الدول، والشعوب، وحقوقها الأساسية، تلك هي الأسرار وراء جنون الغرب، وحملته المضللة ضد إيران.

إن الحديث عن إيران لا يعني أبداً عدم وجود قصور هنا أو هناك، تقصير هنا أو هناك، سوء إدارة هنا أو هناك، مقاربات مختلفة لقضايا عديدة ومنها الملف الاقتصادي الاجتماعي الذي يحظى بنقاش واسع وكبير على صعيد الصحافة الإيرانية، والاتجاهات السياسية العديدة، فإيران دولة فيها مؤسسات، وآليات عديدة لحل المسائل الداخلية، وهي بالتأكيد لا تحتاج لأحد ليرشدها كيف تسير، وأين مصالحها الوطنية.

إشكالية «الغرب الجماعي»، وبكائياته أصبحت مكشوفة ومفضوحة لأنها هي هي في سورية وإيران وروسيا والصين وفنزويلا واليمن والعراق، وحتى ضد بعض الدول الأوروبية التي لا تطربها سياساتها ولا تتفق مع أجندة واشنطن ولندن.

في كتاب صدر في الولايات المتحدة تحت عنوان «الروايات الوطنية، والصراع الأميركي الإيراني» لمؤلفيه حسين باناي ومالكولم بيرن وجون تيرمان يقر مؤلفوه أن أميركا أخفقت مراراً في فهم إيران، ورغبتها في «التعامل معها بكرامة واحترام»، ويؤكدون أنه عندما تكون أميركا مستعدة لإظهار الاحترام للمصالح الإيرانية يتم إحراز تقدم، وعندما ترسل واشنطن إشارات ازدراء تنهار المحادثات، ليصل المؤلفون للقول إن هناك هوساً أميركياً بإيران، وهو فخ يقع به كل رؤساء أميركا.

صحيح أن التعاون «بكرامة واحترام» هو قضية أساسية بين الدول ولكن الكرامة الوطنية قضية تفرض فرضاً على الآخر، وليست منة، والكرامة قضية تحمى بالقوة، وبالحفاظ على المصالح الوطنية، وليس بالاستجداء، والاحترام والكرامة قضيتان تفرضان على الآخر، وليستا مادة للتفاوض مع أحد، وقد تكون أحد أسباب الهستيريا الغربية و«إيران فوبيا» التي أصبحت «روسيا فوبيا» و«سورية فوبيا» و«حزب الله فوبيا» و«الصين فوبيا»… إلخ.

العالم يتغير أيها السادة في كل مكان، وعلى الغرب الجماعي أن يدرك أن بكائياته أصبحت مكشوفة وعليه أن يبكي على نفاقه، وكذبه الذي انكشف وانفضح في إيران، وغيرها من أماكن كثيرة في العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.