إيران وحقيقة غفل عنها العرب

جريدة البناء اللبنانية-

مجتبى علي حيدري:

بعيداً عن أسباب وتوقيت الاحتجاجات الأخيرة في إيران بدا موقف بعض الدول الخليجية غريباً في التعامل مع هذا الملف.

مصدر مطلع أكد أنّ موقف السعودية إزاء الأحداث الأخيرة أدى إلى وقف الاتصالات معها حتى تصحّح موقفها بشكل واضح وصريح وعلى أعلى المستويات.

إمتعاض إيران من السعودية ودول عربية أخرى لم يقتصر على موضوع الاحتجاجات بل يعود إلى مساعي هذه الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة لأخذ ضمانات من طهران لحلحلة الملفات الإقليمية قبل توقيع أيّ اتفاق نووي معها، وهذا يعني أنّ الدول العربية أدركت عناصر قوّة إيران في المنطقة التي ستتعاظم في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، وما حصل مؤخراً بين حزب الله و»إسرائيل» خير دليل على ذلك، إذ لم تتجرأ تل أبيب على ضخ الغاز في حقل كاريش نتيجة تهديد حزب الله المحاصَر والمعاقَب، فكيف سيكون الحال بعد رفع العقوبات عن الجمهورية الإسلامية وتقديمها دعماً أكبر لحزب الله هذا ما عدا انخراط طهران في حرب أوكرانيا عبر المُسيّرات وهو ما يشكل دليلاً آخر على هواجس هذه الدول العربية.

ردّ الولايات المتحدة التي ترى أنّ الاتفاق النووي سيمهّد الطريق إلى مفاوضات حول دور طهران الإقليمي لم يرق لتلك الدول التي كان أول ردّ فعل لها على هذه السياسة الأميركية هو تصرف السعودية الذي أغاظ واشنطن في اجتماع «أوبك بلاس» الأخير.

الرياض اليوم تراهن على الانتخابات النصفية الأميركية لكن حكومة بايدن على قناعة بأنه لن يكون للجمهوريين تقدّم مصيري يقلب الموازين في انتخابات الكونغرس ما يسهّل عملية الوصول إلى اتفاق نووي دائم مع طهران.

الحقيقة أنّ الدول العربية كانت أول المتأثرين بالدعاية الغربية بحيث أخطأت في التقديرات وفقدت البوصلة وصدّقت الإعلام الغربي من احتمال تغيير النظام في إيران أوزعزعة أركانه.

ولا شك في أنّ هذه الدول العربية خسرت الرهان في مقاربة الوضع الإيراني الحالي كما خسرت في الماضي عند اصطفافها خلف صدام حسين في حربه ضدّ الشعب الإيراني. فيما نجحت الجمهورية الإسلامية في إرساء معادلة أمنية قوامها أنّ أمن المنطقة مرهون بأمن إيران وقد أذعنت الولايات المتحدة لهذه الحقيقة وصرّح بها الأوروبيون و»إسرائيل» خلال اجتماع المجلس الأوروبي «الإسرائيلي» المشترك الذي تمّ إحياؤه مؤخراً بعد تسعة أعوام، فيما غفل عنها العرب.

ما نراه الآن وما سنراه من متغيّرات في مشهد المنطقة السياسي إنما هو انعكاسات واضحة لهذه الحقائق التي تتجلى بوضوح في ما يجري بإقليم كردستان العراق وردّ طهران على النشاطات العدائية التي تنطلق من هذا الإقليم ضدّها ولربما يطال القصف الإيراني لاحقاً مواقع الإنفصاليين الايرانيين في سورية أيضاً ومن الممكن أن نرى ضمن هذا المشهد السياسي، تطوّر نوعي في القدرات الصاروخية والمُسيّرات لدى أنصار الله في اليمن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.