الآفاق العالمية والسنة الثالثة للجائحة

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

يواجه العالم تحديات متعددة مع دخول جائحة كورونا عامها الثالث، وأدى الانتشار السريع لسلالة الفيروس المتحور «أوميكرون» لعودة كثير من الدول، إلى فرض القيود على الحركة فيشهد النمو تباطؤاً في وقت تتصارع فيه الاقتصادات مع ارتفاع التضخم، ومستويات الدين القياسية، وعدم اليقين المستمر، وتفرض التوترات الجغرافية السياسية والقلاقل الاجتماعية، مخاطر على الآفاق المتوقعة، وتشكل انقطاعات سلاسل الإمداد عبئاً، وتسهم في رفع معدلات التضخم، مع ارتفاع أسعار الطاقة، وزيادة مستويات الدين مما يقيد قدرة كثير من الدول.

يواصل التعافي الاقتصادي العالمي مساره ببطء، وفي ظل فجوة متزايدة بين الاقتصادات المتقدمة وبين كثير من الاقتصادات الصاعدة والاقتصادات النامية، فقد تحسن النمو المتوقع للاقتصادات المتقدمة هذا العام بنسبة نصف بالمئة، ولكن، في المقابل، حدث تخفيض مواز في توقعات النمو لاقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية في بداية العام الثالث من الجائحة، ارتفع عدد الوفيات العالمية إلى 5.5 مليون وفاة، وبات من شأن تفاقم الجائحة وتشديد الأوضاع المالية أن يوجها ضربة مزدوجة لاقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية وأن يحدثا انتكاسة حادة في مسيرتها نحو التعافي.

يشير تقرير صندوق النقد الدولي في توقعاته «آفاق الاقتصاد العالمي» إلى أن متحور «أوميكرون» سيلقي عبئا على النشاط الاقتصادي في الربع الأول من عام 2022، لكن هذا الأثر سيتراجع اعتباراً من النصف الثاني من هذا العام، ويتوقع لعديد من الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، أن تسجل خسائر كبيرة في الناتج وأن تبلغ الخسائر الاقتصادية المصاحبة نحو 13.8 تريليون دولار حتى نهاية 2024 مقارنة بتنبؤات ما قبل الجائحة.

ثمة تحديات أخرى من المتوقع أن يكون تأثيرها أكبر، فمن المتوقع أن يبلغ النمو العالمي هذا العام 4.4 بالمئة، بانخفاض قدره نصف نقطة مئوية عن التنبؤات السابقة.

سيتباطأ النمو العالمي إلى 3.8 بالمئة عام 2023، وهو ما يمثل ارتفاعاً قدره 0.2 نقطة مئوية عن توقعات عدد تشرين الأول 2021، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الطاقة والغذاء بمعدلات أكثر اعتدالاً عام 2022 طبقاً لأسواق العقود الآجلة.

بالمقابل الجائحة خفضت نصيب الفرد من الدخل بمقدار 2.8 بالمئة سنوياً في الاقتصادات المتقدمة، في الفترة 2020 – 2022، ومن المتوقع أن يظل التضخم مرتفعا حتى فترة ما من عام 2022 وإذا حدثت ارتفاعات مفاجئة في التضخم في الولايات المتحدة، فمن الممكن أن تدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تشديد السياسة النقدية بصورة حادة وأن تتسبب في تضييق حاد للأوضاع المالية العالمية.

من الضروري إضعاف قبضة الجائحة على الأوضاع العالمية، ويتطلب هذا جهداً عالميا لضمان انتشار عمليات التطعيم، والحصول على العلاجات، والأدوية المضادة للفيروس، وحتى الآن، لم يتم التطعيم الكامل لأكثر من 4 بالمئة من سكان الدول منخفضة الدخل في مقابل 70 بالمئة في الدول مرتفعة الدخل.

ومن الإجراءات العاجلة المطلوبة سد الفجوة التمويلية البالغة 23.4 مليار دولار واللازمة لمبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة كوفيد – 19 وعلى المستوى الوطني، ينبغي ملاءمة السياسات حسب الظروف الخاصة بكل بلد، وأن تسير السياسة المالية العامة والسياسة النقدية في تناغم كامل لتحقيق الأهداف الاقتصادية وإعطاء الأولوية المالية للقطاع الصحي، وتوجيه التحويلات إلى الفئات الأكثر تضررا ومع ارتفاع أسعار الفائدة، ستتزايد صعوبة خدمة الديون على الدول منخفضة الدخل، التي أصبح 60 بالمئة منها إما في حالة مديونية حرجة أو معرض لمخاطر عالية.

قدم خبراء صندوق النقد الدولي مقترحاً للقضاء على الجائحة، وأيدته المنظمات الدولية، يحددون فيه هدفا للتطعيم لا يقل عن 40 بالمئة من سكان كل بلد بنهاية عام 2021، ولا يقل عن 60 بالمئة منهم بحلول منتصف 2022، مع توافر أدوات التشخيص والعلاج بتكلفة مقدارها50 مليار دولار.

ولتحقيق هذه الأهداف، ينبغي إزالة القيود التجارية على مدخلات اللقاحات والقيام باستثمارات إضافية لتصنيع اللقاحات.

وتقديم التمويل بمنح قيمتها 25 مليار دولار للتأهب للتطعيم في الدول النامية منخفضة الدخل.

التحدي المشترك الآخر، هو تخفيض انبعاثات الكربون لتجنب نتائجه الكارثية، وهناك حاجة إلى إعطاء دفعة للبنية التحتية الخضراء والتكنولوجيات.

وعلى المستوى الوطني ينبغي مواصلة الجهود على مستوى السياسات بالصيغة الملائمة لمرحلة الجائحة لكل بلد وذلك عبر:

– أولاً: الإفلات من الأزمة الحادة بإعطاء أولوية للإنفاق الصحي.

– ثانياً: تأمين التعافي بزيادة التركيز على توسيع نطاق الدعم المالي والنقدي حسب الإمكانات المتاحة.

– ثالثاً: الاستثمار في المستقبل بالتقدم في رفع الطاقة الإنتاجية، والاستفادة من الرقمنة، وضبط الدين، وتحسين الطاقة الضريبية، وإلغاء الهدر للموارد.

وتشوب آفاق المستقبل احتمالات مختلفة لتدهور الأوضاع منها تعطيلات متزامنة للنشاط الاقتصادي بفعل المتحور «أوميكرون»، وتفاقم التضخم، والكوارث المرتبطة بتغير المناخ، وانحسار محركات النمو طويل الأجل ويمكن للمجتمع الدولي أيضاً زيادة الاستثمارات الخضراء، وتسهيل التحول نحو الطاقة الخضراء في كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية، وتعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة والتكنولوجيا.

ستشهد معظم اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية تراجعا كبيراً للناتج بسبب الجائحة، ولن تكون مسارات النمو فيها كافية لعودة الاستثمار أو الناتج إلى اتجاهات ما قبل الجائحة في الفترة الزمنية 2022 – 2023 وسيظل التعافي غير مضمون إلى أن يتم دحر الجائحة على مستوى العالم.

بين احتمالات مستقبل ينعم فيه كل الاقتصادات بتعاف ومستقبل تتكثف فيه التفاوتات، فيصبح الفقراء أكثر فقرا وتتزايد القلاقل الاجتماعية والتوترات الجغرافية – السياسية، ترى متى يتعافى العالم من آثار الجائحة؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.