الإرهاب بالكرك.. وماذا عن المستقبل؟!


موقع إنباء الإخباري ـ
مروان سوداح*
يلينا نيدوغينا**:

كانت ردود الأفعال في مدينة الكرك ومدن وقرى الاردن حادة، إلى حدِ ان الآهلين حاولوا الاستيلاء على جثث الإرهابيين لحرقها انتقاماً، كما في الأخبار، بدلاً عن التسليم بتسليمها للسطات الرسمية لتشريحها، للتعرّف على شخصيات الارهابيين، ومن ثم ودفتها.
لم يتوقع الاردنيون ان يعمد الارهاب الدولي الى شن عملية انتحارية قبيل الأعياد الميلادية، في سعي كما يبدو لخلخلة النسيج الاجتماعي والديني الاردني، الذي يُعتبر بحق واحداً من أمتن الأنسجة في العالم في هذا المجال، ومن أكثر المجتمعات المُنسجمة سكانياً من حيث تنوّع الأديان والطوائف ووحدتها، حيث لم يشهد الاردن في تاريخه أية قلاقل وحروب على خلفيات دينية ومذهبية.
ففي الأخبار، ان الارهابيين خطّطوا الى إحداث “خرق ديني” في النسيج الاردني، بشن عملية في تلك الاعياد المسيحية بالذات، ويبدو ان المستهدف هو الاردن وشعبه ومستقبل هذا الشعب الآمن، وقد خطّطوا كذلك لتمارس العملية الارهابية تأثيرات سلبية على فلسطين الجريحة، وعلى الوضع الديني الفلسطيني والعربي عموماً.
ويبدو ان الارهاب لم يكتفِ بعملية وحشية واحدة في كنيسة العباسية بالقاهرة، كمدخل لضرب النسيج المصري السياسي والاجتماعي والديني، وضرب رجال الدين بعضهم ببعض، بل هاهو يحاول التوسّع في ضرباته لتشمل عدة بلدان عربية غير مصر، من خلال الإعتداء على الكنائس ورجال الدين والمؤمنين والاحتفالات الدينية عشية الاحتفال بها بالذات.
هذا الارهاب الأعمى والمتعصب والمتقوقع على نفسه ورؤيته السلبية للعالم، ورغباته الانتقامية المجرمة، وبسعيه لتحويل العالم على هدى رؤاه، لن يتوقف عند حدود عملية واحدة أو اثنتين، بل سيستمر كما يتفق عدد غير كبير من المحللين بضرب مختلف بلدان المنطقة، والنيل من ممثلي القيادات الروحية والدينية لمختلف الاديان والعقائد، وهذا مدخل “مِثالي” للارهابيين ومُشغّليهم الأجانب وبعض العرب مَن لف لفهم، لشل الحركة العربية المناوئة للتطرف وتجفيف منابعه، وليتمكن هذا التطرف من شلِّ العقول والأنشطة الواعية والمسؤولة لمؤسسات المجتمع المدني والسلطات المختلفة، وبإفتعال ردود أفعال شعبية حادة، تصب في مصب عنفي.
العملية الإجرامية التي ارتكبها الارهاب الدولي في مدينة الكرك الاردنية، مؤشر خطير بلا شك على أن الارهاب يتمتع بيد طويلة وخطيرة جداً، إذ ان السلطات قد وجدت لدى الارهابيين أسلحة كثيرة، من ضمنها متفجرات وأحزمة ناسفة وخفيفة، وتدل الأحداث المؤسفة على أن الارهابيين يتقنون فن الهرب من مواقعهم، ويعرفون الجغرافيا والطبوغرافيا المحلية جيداً، ولا يتورّعون عن القتل العَمد لممثلي الأمن والدرك والمواطنين العزّل، ما يُشير الى حِقد دفين لديهم، ورغبة بانتقام غير مُبرّر من كل الاردنيين صغيرهم وكبيرهم، ومن زوار الاردن الأجانب أيضاً، الذين يرفضون الارهاب ويناهضون الحروب الارهابية، وينادون بتخليص الاردن والمنطقة من هذا الرجس والخطيئة التي يرتكبها عَبدة الدولار والجنيه والشيكل.
المطلوب الآن بالذات، وعلى خلفية الأحداث المؤسفة والمؤلمة التي استشهد خلالها عدد من المدنيين والعسكريين الاردنيين الأبطال، ومواطنة كندية كانت في زيارة سياحية لقلعة الكرك التاريخية، وضعُ خطة متكاملة ومنسجمة، وفي مختلف الحقول، لتحصين الشعب والبلاد من الارهاب وتبعاته وأزلامه والجهات التي تقف خلفه، وقطع العلاقات معها وفضحها، وفضح وكشف تمويلها المموّه للارهاب الدولي والاوسطي.
ومن الضروري اليوم والآن بالذات، الشروع بتطبيع العلاقات مابين المملكة الاردنية الهاشمية والجمهورية العربية السورية التي تتصدى لهذه الآفة الخطيرة على حدود الاردن الشمالية، والتعاون الوثيق في مجال المكافحة والآمن مابين الاردن وسورية وجمهورية العراق والجمهورية الاسلامية في إيران والفيديرالية الروسيا وجمهورية الصين الشعبية، لوقف احتمالات تمدّد الارهاب الى الاردن واتّساعه.
فهذا التعاون الشامل هو مفتاح حل معضلات عديدة في الاردن وحول الاردن، حيث ان تداعيات الارهاب في سورية والعراق ودول عربية أخرى، تنعكس على الاردن مباشرة، وعلى شعبه ومستقبله، وسوف تتعقد الامور في المنطقة أكثر مِن ذي قبل، حال بدء العمليات العسكرية السورية والروسية في جنوب سوريا لتكنيس الارهاب من هناك، بعد النجاح في الشمال والشمال الشرقي السوري بطرد الارهابيين الدوليين، ما سيفرض على الاردن الاندفاع لتفعيل هذا التعاون، الذي من الممكن ان يبدأ الآن بالذات على أوسع نطاق وبأعمق صوره..
وفي الواقع، فإن تعاون الاردن مع المحور الغربي، وبخاصة بعد تكشف تورّط الولايات المتحدة وحلفائها في دعم تنظيم داعش والارهاب عموماً، والتغطية على منظمات إرهابية بأكملها، لن يُساعد الاردن على التخلص من هذه الآفة الخطيرة التي تتمركز على حدودنا الشمالية والشمالية الشرقية.
فهناك عدد من العواصم الغربية التي لا يمكن أن تكشف للاردن عن نوايا ومخططات الارهابيين، ونثق بأن العملية الارهابية في الكرك التي تكشّفت فجأة بنباهة وحرص مواطن اردني واحد، مخلص لبلده وشعبه وعلى أمن وآمان البلد، كان يمكن ان تلحق خسائر فادحة بالاردن البلد والشعب والسياحة والاقتصاد، وبغيره الكثير من القطاعات المحلية.
لقد آن الآوان لوضع خطة أستراتيجية متكاملة وطويلة الأمد تشمل الأمن ومناهج التربية والتعليم والثقافة والصحافة ووسائل الإعلام، للتصدي للإرهاب الدولي بكل أشكاله وصوره وتحركاته، ومنها الإخبارية والثقافية ومحاسبة الداعين إليه شفاهةً حتى، وليس بالأفعال فحسب.
*كاتب ومحلل سياسي في الشؤون الدولية، والروسية والصينية بخاصة.
** كاتبة ورئيسة تحرير سابقة لصحيفة الملحق الروسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.