الإرهاب وغطاؤه السياسي

birhassan 86
وكالة أخبار الشرق الجديد –
غالب قنديل:

ليست القاعدة وجماعات الإرهاب التكفيري وافدا جديدا إلى لبنان ولا هي تنفذ اعتداءاتها وجرائمها للمرة الأولى وقد سبق لها أن عملت في وضح النهار تحت أسماء ويافطات مختلفة ولكن المسؤولين اللبنانيين وقادة قوى 14 آذار الذين تخصصوا في إنكار وجودها قدموا لها التغطية ومنعوا وضع خطة وطنية شاملة لمكافحة الإرهاب الذي عول بعضهم على استعماله في مخطط تدمير سورية بناء على التعليمات الأميركية والسعودية في الحرب التي هزمت وفشلت.

أولا: عام 1995 أدت التحقيقات اللبنانية في اغتيال الشيخ نزار الحلبي إلى اعتراف القتلة بأنهم ينتمون إلى “عصبة الأنصار” ذات الانتماء الوهابي التكفيري والتي لاحت شبهات عن علاقتها بالمخابرات السعودية منذ تأسيسها عام 1985 وقد منع التوسع في التحقيق في قضية الحلبي بقرار سياسي وفر زعيم العصبة “أبو محجن ” في ظروف غامضة وملتبسة ولاحت شبهات عن ضلوعه في جرائم وهجمات كثيرة .

ومن ثم ظهرت جماعة “التكفير والهجرة” في العام 2000 في جرود الضنية الشمالية بزعامة بسام كنج “أبو عايشة” الذي حارب في صفوف القاعدة في أفغانستان والشيشان وأرسل إلى لبنان وبعد مقتله في المعارك مع الجيش اللبناني حضر وفد أميركي إلى قصر العدل للتحقيق باعتباره يحمل الجنسية الأميركية وحاصلا على وسام الحرب من رونالد ريغان الذي وصف محاربي القاعدة في الثمانينات بأنهم “المناضلون من أجل الحرية” وفي حينه كانت بدايات إنشاء نواة القاعدة في استثمار مشترك بين المخابرات الأميركية والسعودية قاده بندر بن سلطان وما لبث أن ظهر بين المفجرين في نيويورك لبناني آخر هو الشاب زياد الجراح وكان لقبه كما أوردت مواقع قاعدية عديدة ” أبو طارق ” وعرضت له صورا مع محمد عطا أحد قادة هجوم القاعدة في 11 أيلول 2001.

ثانيا: توالت بيانات الإعلان عن التشكيلات القاعدية والتكفيرية في الظهور على المسرح اللبناني فبرزت منظمات “فتح الإسلام” و”جند الشام” و”جبهة النصرة والجهاد” و”كتائب عبدالله عزام ” وفي السنتين الأخيرتين تزايد ظهور الجماعات التكفيرية والإرهابية في لبنان في إطار عملية الحشد التي اجتمعت عليها جهود المخابرات السعودية والقطرية والتركية لتحويل لبنان إلى منصة في العدوان على سوريا وكشفت بعض الجماعات الكامنة عن هويتها القاعدية والإرهابية بعد فترة من الصمت وبرزت إلى العلن في طرابلس وعكار وجرود عرسال ومناطق لبنانية أخرى وأرسلت آلاف المسلحين إلى سوريا ومدتهم بأطنان السلاح المشحون بحرا إلى لبنان ومن هؤلاء المجموعات التي تقاتل في منطقة قلعة الحصن في محافظة حمص والتي أرسلت في اليومين الماضيين استغاثات متلاحقة بعدما حاصرتها قوات الجيش العربي السوري.

هذه الحالة الإرهابية التكفيرية تحظى بغطاء سياسي وإعلامي وفره تيار المستقبل خصوصا في منطقة الشمال في سياق تورط سعد الحريري بالعدوان على سوريا الذي وضع في تصرفه ميليشيات تيار المستقبل الموزعة في طرابلس بين جناحي عميد حمود وأشرف ريفي والمتشابكة في تكوينها مع جماعات التكفير والإرهاب كما هي الحال مع المجموعات المسلحة في عكار والتي سبق أن كشفت تقارير صحافية عديدة عن دورها في تمرير السلاح والمسلحين إلى داخل الأراضي السورية.

ثالثا: الجريمة الإرهابية التي استهدفت السفارة الإيرانية تشكل نتيجة لهذا الوجود الممتد لجماعات التكفير والإرهاب على الأرض اللبنانية وليست حدثا عابرا .

تبرع العديد من السياسيين والمسؤولين في الدولة بإنكار وجود القاعدة من حيث المبدأ رغم الوقائع الصارخة التي وردت بقوة في البيان الشهير لوزير الدفاع اللبناني فايز غصن الذي انهالت عليه الهجمات الإعلامية والسياسية منذ تحذيره المبكر من تواجد الإرهاب التكفيري والخلايا القاعدية في لبنان وخصوصا في بعض المناطق الحدودية والبقاعية والشمالية التي يعمل فيها الإرهابيون تحت مظلة الحريري وبحمايات أمنية وسياسية وبلدية يوفرها تيار المستقبل وهو ما حذرت منه تقارير أميركية وأوروبية تلقاها لبنان الرسمي ورغم ما فضحته الجرائم المتمادية ضد الجيش اللبناني خصوصا ما جرى في عرسال بينما تبلورت معطيات كثيرة وخطيرة لدى مخابرات الجيش وفي محاضر التحقيق التي حفظت لدى النيابة العامة العسكرية ولم تستكمل الإجراءات بشأنها.

لقد تورط العديد من المواقع السياسية والإعلامية في إعطاء التكفيريين مشروعية الحركة تحت الشعار المفضوح “دعم الثورة السورية” وهذا الدور المشبوه يحمل المسؤولية المباشرة والجرمية عن تمكين جماعات التكفير والإرهاب من توسيع نشاطاتها في لبنان وارتكاب عمليات القتل الجماعي في أكثر من منطقة لبنانية.

رابعا الحقيقة التي يجب الانطلاق منها هي أن القاعدة وجماعات التكفير والإرهاب قد استوطنت في لبنان منذ ثلاثين عاما والحريرية وقوى 14 آذار قدموا لها البيئة الحاضنة سياسيا وإعلاميا بينما تواطأ بعض المسؤولين بإنكار ذلك ولا تنفع النوايا الحسنة لوزير الداخلية مثلا في التماس العذر .

أن يذكر اللبنانيون ما سمعوه من تصريحات الإنكار التي تبين أنها كانت كاذبة وهدفت إلى تضليل الرأي العام بينما انتقلت بعض وسائل الإعلام إلى تحويل زعماء الإرهاب التكفيري لمتحدثين في برامجها التلفزيونية وفي تغطياتها الإخبارية في حين ينبري نواب ومتحدثون سياسيون آخرون لتبرير جرائمهم بذرائع ساقطة.

إذا صح أن المسؤولين اللبنانيين صادقون في أقوالهم عن مكافحة الإرهاب فإن عليهم أن يبدأوا بردع من يقدمون الغطاء السياسي والإعلامي وأن يطهروا الأجهزة الرسمية ممن يقدمون الحماية للإرهابيين وأن يباشروا مطاردة الإرهابيين على الأرض اللبنانية في العناوين المعروفة والمعلنة وما لم يحصل ذلك فسيبقى لبنان مهددا بالمزيد من المفجرين الذي يقتلون الناس ويسددون فواتير داعميهم من المخابرات الخليجية والسعودية المتورطة في العدوان على سوريا ولبنان.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.