الإهتمامات الأميركية وسياسة ضبط النفس

جريدة البناء اللبنانية-

عمر عبد القادر غندور:

شهدت جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه وأميني السرّ والمفوّضين الثلاثة بعض الوقائع التي لم تغيّر شيئاً من تلك التي كانت سائدة، ولكنها كشفت عن توجهات مريبة لدى بعض النواب الجدد الذين عبّروا عن مكنوناتهم في الأوراق البيضاء التي كان عددها مدروساً بدقة ما أبقى القديم على قِدمه، وهو ما وصفه الرئيس بري بـ «الزكزكات».

أما الجديد والمريب فقد تمثل في الأوراق الملغاة التي كتب عليها: العدالة لتفجير ٤ آب، العدالة للقمان سليم، العدالة لجرحى الثورة ضدّ شرطة مجلس النواب، العدالة للمودعين، العدالة للنساء المغتصبات، وغير ذلك ما يشير الى دغدغات في رؤوس من كتبها واستحضاراً لمخططات بالغة الدلالة وخصوصاً ما خص لقمان سليم.

ولو عدنا بالذاكرة الى كلام قريب قاله ديفيد شينكر وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق، معترفاً بانحياز إدارته الى فريق ١٤ آذار ودورها في خفض تصنيف لبنان الائتماني، وانه يدعو الإدارة الأميركية الى عدم الرهان على نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية التي لن تغيّر شيئاً برغم الأموال الطائلة التي صُرفت عليها!

وتوقفنا عند الفقرة التي تحدث فيها شينكر الأب الروحي لمشروع الاستثمار الأميركي في مجموعات ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، والكشف عن اجتماع وصفه بالأهمّ، في عشاء جمعه برجال أعمال وشخصيات معارضة لحزب الله حصل في العاشر من أيلول ٢٠١٩ في منزل م. ن. قبل خمسة أسابيع من اندلاع تظاهرات ١٧ تشرين الأول، وانّ مثل هذه اللقاءات والمآدب مع رجال الأعمال الشيعة كانت تجري بترتيبٍ من لقمان سليم الذي اغتيل في وقت لاحق في ظروف غامضة.

وفي سياق اهتمامه بالشأن اللبناني قال شينكر في وقت لاحق في دبي «إنّ حزب الله هو الأكثر شعبية في لبنان بحصول نوابه على ٣٧٤ الفاً و١٧١ صوتاً تفضيلياً بزيادة ٣٩٥١ عن عدد الأصوات التفضيلية التي حصل عليها عام ٢٠١٨، وعندما يقول سمير جعجع إنه صاحب الكتلة الأكبر فهو يكذب».

وفي السياق عينه يقول ديفيد هيل (سَلَف شينكر في وزارة الخارجية الأميركية) «يجب التخلي عن وهم تقليص حجم حزب الله في البرلمان، وانّ المعارضة لحزب الله عند المسيحيين غير كافية لأنّ حزب الله فاز بجميع المقاعد الشيعية في البرلمان وهو ما يعطيه تأثيراً حاسماً في الخيارات السياسية المقبلة».

من هذا العرض يتبيّن انّ الاهتمامات الأميركية بتفاصيل الحياة السياسية في لبنان تعكسها فعلاً السفيرة الأميركية دوروثي شيا، ومن حسن الحظ انّ المساعي الأميركية لاحتلال مقاعد اوسع في المجلس النيابي كانت ضئيلة، ورأينا نماذج منها في الأوراق الملغاة التي أشرنا اليها، ويمكن لدهاقنة السياسة المحنكين ان يشتغلوا عليها ويمكرون، على حافة الهواجس الاقتصادية التي يشتغل عليها الأميركي أيضاً ويضغط لتفعيلها لقناعته انّ الطرف الآخر لا يريد منازلة أمنية مع أحد بدليل استيعابه لأحداث خلدة وشويا والطيونة، ونتساءل الى أيّ حدّ يمكن الإمساك بالضوابط على وقع تحليق سعر صرف الدولار وتراجع قيمة الليرة التي لم تعد تساوي شيئاً، وغلاء قارورة الغاز وأسعار المحروقات وفقدان الأدوية وضآلة مخزون الطحين المستورَد وغير ذلك كثير كثير…!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.