البحرين محتلَّة.. ومعتمد إسرائيلي يدير قراراتها قريباً!

صحيفة الوفاق الإيرانية-

عباس الجمر:

نستعرض هنا طبيعة الاتفاقيات بين السلطة البحرينية والكيان الصهيوني، ومن ثم ننفذ جولة على أدوات تدجين الوعي الشعبي تجاه “إسرائيل”، ونختم بقراءة أسباب تعيين ضابط إسرائيلي بمثابة معتمد بصورة دائمة في البلاد.

التّطبيع بكلّ أنواعه مرفوض، لكنْ ثمة تطبيع يمكن أن ينحصر بدائرة ضيقة من الاتفاقيات، وخصوصاً إذا كانت ثمة حدود بين الدولة الموقعة وفلسطين المحتلة. أما الاتفاقيات التي وقعتها السلطة البحرينية مع الكيان الصهيوني، فهي تعدّ – وبشكل مبتذل – احتلالاً إسرائيلياً للبحرين.

هل هذه المقاربة مبالغ بها؟ إنه سؤال مشروع، وخصوصاً لمن يتحرّى القراءة الواقعية للأحداث. علينا إذاً أن نطّلع على طبيعة الاتفاقيات بين السلطة البحرينية والكيان الصهيوني، ومن ثم ننفذ جولة على أدوات تدجين الوعي الشعبي تجاه “إسرائيل”، ونختم بقراءة أسباب تعيين ضابط إسرائيلي بمثابة معتمد بصورة دائمة في البلاد، وهو الحدث الأول من نوعه في دولة عربية.

بعد الاطلاع على هذه التفاصيل، من الممكن أن نقول إنَّ البحرين محتلّة من “إسرائيل” أو أن نقول إنها ليست محتلّة!

1- الأمن الغذائي في يد “إسرائيل”

قال وزير الصناعة والتجارة والسياحة البحريني زايد بن راشد الزياني في كانون الأول/ديسمبر 2020 لموقع “تايمز أوف إسرائيل” إنه “لن يمنع أي منتج إسرائيلي”، إلا أنَّ ذلك التصريح لم يكن تمهيداً للتطبيع التجاري، فقد شوهدت البضائع التي تحمل عبارة “صنع في إسرائيل” في بعض الأسواق البحرينية منذ تموز/يوليو 2009، ما أثار هلعاً شعبياً وتساؤلاً عما إذا كان هناك قرار بالتطبيع التجاري مع الكيان المحتل. حينها، استخدم البحرينيون وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعوات لمقاطعة أي بضاعة إسرائيلية.

لكنَّ أسوأ ما في التطبيع التجاري هو أنَّ السلطة سارعت إلى تسليم الكيان الغاصب إدارة تحلية المياه، إذ عقدت اتفاقاً مع شركة المياه الوطنية الصهيونية “ميكوروت”، وزعمت أن هذه الشركة تمتلك تقنيات وتكنولوجيا عالية من الممكن أن تزود البحرين بها لتحلية المياه المالحة.

وفي هذا الصدد، اعتبرت جمعية البحرين لمناهضة التطبيع أنَّ هذه الخطوة تهديد للسيادة الوطنية واختراق خطر غير مسبوق للأمن المائي والغذائي في البحرين، وأضافت في بيان أصدرته في هذا الشأن مطلع العام الماضي أنَّ الاحتلال “يسعى لنقل تجربته في خنق الشعب الفلسطيني ومحاصرته بسيطرته على مصادر المياه وحرمان الأهالي منها حتى اقتربوا من حافة العطش والفقر المائي الدائم، وخصوصاً أنَّ شركة “ميكوروت” الصهيونية معروفة بسرقة المياه الفلسطينية وتوزيعها على المستوطنين، بعد أن تقوم بحفر الآبار في الضفة الغربية وسحب مياهها بالأنابيب وتوزيعها على المستوطنات والأراضي الزراعية التي يسيطر عليها المستوطنون ويحتلّونها”.

وتفتح مذكرة التفاهم التجاري الباب لدخول المحاصيل الزراعية المنتجة في الأراضي المحتلة، والتي يديرها الكيان، إلى البحرين، ما يشرع الباب لغزو الفواكه والخضروات وغيرها السوق البحرينية الصغيرة.

كما أنَّ الغذاء المعلَّب من الممكن أن ينشأ في مصانع في أرض البحرين أو الإمارات، لكنه يكون إسرائيلياً بالكامل، ويحمل عبارة “صنع في البحرين” أو “صنع في الإمارات”، وهو شكل من أشكال التحكم في الغذاء عبر قناع متوارٍ خلف مسميات مختلفة.

2- التعاون المصرفي مع الكيان الغاصب

في الرابع من كانون الثاني/يناير 2021، وقع بنك البحرين الوطني وبنك “هبوعليم” الصهيوني مذكرة تفاهم مصرفية، وصرح الأخير في “تويتر” عقب الاتفاق: “الاتفاق التاريخي سيمكن عملاء كلا البنكين من الدخول في صفقات ومعاملات مصرفية في إسرائيل والبحرين مع توطيد العلاقات الاقتصادية”.

ماذا يعني ذلك؟ أولاً، لنرَ حجم البنكين. بنك البحرين الوطني هو أكبر بنك محلي في البحرين، ويمتلك حصة الأسد في الصندوق السيادي للبحرين، المعروف باسم “ممتلكات”، وهو يدير مشاريع حيوية وداخلية في البنية التحتية للبلد، وكذلك بنك “هبوعليم”، إذ يعد من أكبر بنوك الكيان الغاصب، وهو يدير عمليات بعشرات المليارات.

سيفضي التفاهم المصرفي إلى إنشاء مشاريع مشتركة، أي أنّ “إسرائيل” ستدخل في عصب الاقتصاد البحريني، وليس العكس، وستشارك – حكماً – في تطوير البنية التحتية، وثمة احتمال كبير بأن يقرض البنك الصهيوني نظيره البحريني قروضاً للبناء والتطوير، وخصوصاً أنَّ البحرين تعاني من التضخّم والعجز في الموازنة، وتلجأ إلى الاقتراض دائماً.

هذه الخطوة قوبلت بهبة شعبية، ترجمها المواطنون بمقاطعة بنك البحرين الوطني، لكن هذه الهبة ما فتئت أن خمدت، الأمر الذي يدفع المتصدين للشأن العام إلى التفكير جدياً واستراتيجياً في هذا التغول الإسرائيلي في البلد.

3- السياحة والإقامة الذهبية

وقَّع كلّ من وزارة الصناعة والتجارة والسياحة البحرينية مذكرة تفاهم مع وزارة السياحة في الكيان الصهوني في كانون الأول/ديسمبر 2020، لكنَّ هذه المذكرة ليست مماثلة لتلك التي وقعتها مع الإمارات، بل هي مختلفة عنها، كما صرحت وزارة السياحة الصهيونية في كثير من الاتفاقيات الموقعة مع الدول المطبعة.

وقالت الوزارة في هذا الشأن: “مذكرة التفاهم هذه هي الأولى من نوعها بين إسرائيل ودولة عربية في الخليج الفارسي”. وتابعت: “تضمّ المذكرة عدداً من الأقسام حول التعاون الثنائي بين الحكومات والقطاع الخاص في مجال السياحة، ودعوات لتطوير مختلف أنواع السفر: العائلات والصحة والأعمال التجارية وغيرها”.

وأضافت وزارة السياحة الإسرائيلية: “تنشئ مذكرة التفاهم لجنة مشتركة برئاسة الوزراء، ستجتمع بانتظام للترويج للمشاريع المشتركة بين وكلاء السفر وشركات الطيران ومنظمي الرحلات وجميع ممثلي الصناعة ذوي الصلة”. وأعلنت وزارة الداخلية البحرينية قبل أيام عن خدمة إصدار الإقامة الذهبية لغير البحرينيين، من المتقاعدين وملاك العقارات وأصحاب المواهب والمقيمين الذين تنطبق عليهم بعض الشروط.

تأتي هذه الإقامة بعد الانتهاء من توقيع عدد من الاتفاقيات المخزية مع الكيان الصهيوني، والتي تسلّم حرفياً البلد لـ “إسرائيل”، ما يجعل الإقامة الذهبية في عداد الأدوات المحتملة لتسهيل عملية استيطان الصهاينة تحت غطاء قانون محلي.

تغيير المناهج التعليمية بما يناسب التطبيع

الثابت لدى الشعوب الخليجية أن لا تطبيع مع “إسرائيل”، وهو ما خلق شرخاً إضافياً بين الجهات الرسمية والناس، لكنَّ هذا لم يمنع السلطة من السعي للتدجين واستخدام أدوات الحرب الناعمة لتغيير قناعة المجتمع المحلي تجاه “إسرائيل”.

تستخدم البحرين التعليم كأداة من أدوات تزييف الوعي، إذ غيرت كل المناهج التي تحتوي إدانة للكيان. وقد اجتمع وزير التربية ماجد النعيمي مع القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في البحرين إيتاي تاغنر في حزيران/يونيو العام الماضي، وشكلا لجنة مصغرة. وبعدها بفترة وجيزة، استبدلت بعض الألفاظ التي تصف الكيان الإسرائيلي بواقعه التاريخي، فتغير الكيان الغاصب إلى “دولة إسرائيل”، وتحوّل “الجيش الصهيوني” إلى “جيش دولة إسرائيل”، وحذفت كلمة “المستوطنات”، واستعيض عنها بـ “المدن الإسرائيلية” أو “المجمعات السكنية الإسرائيلية”.

كانت مادة التاريخ والجغرافيا واللغة العربية مواد تنبض بالعروبة والانحياز إلى القدس. واليوم، تم مسح كل ذلك، ودُجنت المناهج تدجيناً متطرفاً، إذ لم تكتفِ الوزارة بحذف ما يدين الصهاينة، بل وضعت عبارات مديح تصور الكيان الغاصب بأنه “دولة سلام”، ومُنعت المسرحيات والفعاليات المدرسية من التعبير عن حب الشعب البحريني لنظيره الفلسطيني، إلا أن البحرينيين الذين لا يرون في فلسطين إلا ذاك البلد المحتل والجريح، ولا يرون الكيان الإسرائيلي إلا مغتصباً وسافكاً للدماء من الصعب على الحكومة تغيير قناعته بسهولة، لكن معركة الوعي محتدمة حتى اللحظة.

إلى جانب ذلك، قامت وزارة الخارجية البحرينية بتنظيم رحلات إلى الأراضي المحتلة، استهدفت شباباً وشابات مقابل مغريات مالية، ليروجوا لفكرة مفادها أن الشعب البحريني مع التطبيع قلباً وقالباً.

ضابط الاتصال الإسرائيلي.. هل هو المعتمد الجديد؟

كتبتُ في مقال سابق عن التعاون الأمني بين الأمن الوطني الاستراتيجي البحريني وجهاز “الموساد”، عبر اتفاقية تخوّل الأخير التواصل والاطلاع على كل الأجهزة الأمنية، وهي اتفاقية غير مسبوقة في أي دولة عربية، ما يجعل البلاد كلها في يد الصهاينة، ولكن كلَّما تقادمت الأيام تبين أن الإطباق الإسرائيلي على أمن البحرين أوسع مما نتصوَّر، إذ كشفت القناة 13 الإسرائيلية أنّ “العلاقات في دول الخليج الفارسي تتطوّر بسرعة، حتى إنها فاجأت الإسرائيليين”، وأن “الاتفاق الذي جرى بين وزير الأمن الصهيوني بيني غانتس ووزير الداخلية راشد بن عبد الله شمل تعيين ضابط من الجيش الإسرائيلي بصورة ثابتة في أراضي المملكة”.

هذا الحدث صادم جداً، إذ يعيد إلى ذهنية البحرينيين وظيفة المعتمد البريطاني تشارلز بلغريف، الذي أدار البلد فعلياً منذ العام 1926 لغاية العام 1957، وهو ما دفع القناة الإسرائيلية، وبنبرة الاستغراب، إلى التعليق بقولها: “مع الدول العربية نفسها التي تربطنا بها علاقات منذ سنوات طويلة، لا يوجد ملحقون عسكريون بصورة ثابتة…”. ومن ضمن مهمّاته أنه ضابط اتصال بين الأسطول الخامس الأميركي والأمن البحريني.

وكشفت القناة 13 أنّ “الضّابط الإسرائيلي سيكون من سلاح البحرية، وسيصل خلال الأسابيع المقبلة. هذا التّعاون الذي بدأ منذ الآن عبر تعيين ضابط من الجيش الإسرائيلي في أرض إحدى دول الخليج الفارسي جارة لإيران سيتعمق في السنوات المقبلة”.

ورغم أنّ ما تكشّف من وجوه الاتفاقيات في مختلف قطاعاتها قبيح، فإنَّ المخفي والمستور بجدران التكتّم هو الأقبح، لأنّ سياسة السّلطة في البحرين هي تقطير المعلومات من السيئ إلى الأسوأ، لتهيئة القابليات في البلد لتقبل هذا النوع من التعاون، فهل ستغدو السلطة البحرينية التي تقمع مقاومي الاحتلال؟ وهل سيتحوَّل الجيش البحريني، المتهم أصلاً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في قمع المتظاهرين في العام 2011، إلى جيش لحماية الحضور الإسرائيلي ومنع المواطنين من مواجهته؟ إلى أين تتجه البحرين؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.