الترويكا الحريرية مع جعجع أو من دونه

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
جان عزيز:

يقلل المراقبون من احتمالات ما أشار إليه نبيه بري لجهة وصول سمير جعجع إلى رئاسة الجمهورية سنة 2014، وإن كانت الفرضية غير مستحيلة، إلا أن ربطها بنظرية انتخاب الرئيس بأكثرية النصف زائداً واحداً في المجلس النيابي تبدو صعبة. خصوصاً بعدما حسمت كل المرجعيات المعنية بطبخ الرئاسة اللبنانية هذه المسألة، من سياسيين وروحيين في الداخل، وصولاً إلى ناخبين ومرشِّحين من عواصم الخارج. لكن «الخطر» الذي يلمّح إليه بري يظل موجوداً، ولكن في قراءة أخرى أشار إليها ذات مرة، حين أعرب عن خشيته من أن تؤدي الانتخابات النيابية المقبلة إلى تغيير في كل السلطة، وتحديداً في كل الرئاسات، وخصوصاً في الرئاستين الثالثة والثانية على نحو أدق. فكيف إذا كانت الظروف باتت مهيّأة، والمرشحون يهيَّأون، و«الهيئات» استفزازية…
ذلك أنه بعد «الزمن السوري» واجه لبنان «المستقل» هذا الاستحقاق المتراكم مرتين: سنة 2005 أخذ الحريريون رئاسة الحكومة، لكن بشراكة أقلوية مع الشيعة، وبشبه شراكة صورية مع مسيحييهم. غير أن الرئاسة الثانية ظلت محفوظة للأكثرية الشيعية، علماً بأن مجمل تلك الصفقة أقرّ باتفاق فرنسي ــــ إيراني يومها، لم تعترض عليه واشنطن، بعدما سُوِّق لديها عبر لارسن بأنه جزء من تركيبة لحصار دمشق، أو نوع من مناورة الاستفراد بالأعداء. المهم أنه في ظل تلك التركيبة حفظ الحريريون للأكثرية الشيعية حصة في السلطة التنفيذية، والأهم أنهم حفظوا لها رئاسة السلطة التشريعية.
بعد أربعة أعوام تكرر الاستحقاق سنة 2009 وتكرر الاتفاق: تقاطع رباعي بين باريس والرياض وطهران ودمشق، ماشته واشنطن مرة ثانية، فأعاد الصورة نفسها، مع بعض استعادة مسيحية للدور والحصة. لكن الأساس ظل أن الحريريين ظلوا في رئاسة الحكومة، والأكثرية الشيعية في رئاسة المجلس.
اليوم تبدو معالم الصورة المقبلة في ربيع عام 2013 مختلفة كلياً. فالواضح على الأقل أن لا توافق ولا تقاطع دوليين ولا إقليميين من أي نوع كان، يمكن أن يؤمّنا مظلة لبنانية لإعادة إحياء تركيبة توافقية كسابقتي 2005 أو 2009. لا بل على العكس، فإن القوى الخارجية التي أنضجت التوافقين المذكورين وجعلتهما ممكنين في ذلك الحين، هي الآن في صراع مفتوح ونهائي. حتى إن هذه القوى تستعمل الساحة اللبنانية ميداناً آخر من ميادين معركتها الشاملة. وبالتالي، بدل توسطها لتوليد تركيبة لبنانية تسووية، من المنتظر أن تعمد تلك القوى إلى حسم المشهد اللبناني، كلّ لصالحها، في سياق الحرب الشرسة المندلعة في سوريا وعليها ومن حولها، فضلاً عن أن الفريق الآخر، الممتد من إيران إلى سوريا وصولاً إلى النواة الأكثرية في الحكومة اللبنانية الحالية، سبق أن ارتكب «الخطأ القاتل» في كانون الثاني 2011، حين كرس سابقة أن يستفرد بالسلطة، وأن يحتكرها وحده. ولو كان ذلك على حساب ممثل الأكثرية التي ينتمي إليها رئيس الحكومة، ما يعني أن السابقة باتت قائمة، وقد يستعملها الفريق الحريري حجة أو يقيمها «عرفاً»، حين يأتي الاستحقاق المقابل. فإذا ربح الحريريون الانتخابات، فستكون معادلتهم جاهزة: أنتم جئتم برئيس حكومة لا يمثل الأكثرية السنيّة سنة 2011، لذا يحق لنا أن نأتي برئيس للمجلس لا يمثل الأكثرية الشيعية سنة 2013.
وهنا يعتقد البعض أن النية برد الضربة، يبدو أن هناك من يسعى داخلياً وحتى خارجياً إلى تحميلها بعداً ثأرياً أكبر ومنسوباً كيدياً أعمق، على طريقة التفتيش عن الشخصية الشيعية الأكثر استفزازاً لنبيه بري، والبدء بتلميعها وإعدادها لخلافته. حتى إن اسم محمد عبد الحميد بيضون بدأ يتردد في أكثر من مجلس ودار، بدءاً من ترقّب ترشيحه في بيروت بدلاً من النائب غازي يوسف، بعدها يعود سعد الدين الحريري إلى رئاسة الحكومة، ويقبض فريقه على كامل السلطة، بمعزل عن موقع ميشال سليمان وموقفه حتى أيار 2014، في انتظار ظروف استكمال الترويكا الحريرية، وإيصال جعجع إلى قصر بعبدا، ما قد يقتضي ربما وصول جيش آخر إلى مشارف بيروت…
هذه القراءة هي ما يمكن أن يفسر أكثر قلق بري الواضح، وخصوصاً حركته في اتجاه القوى الأخرى، أكان في اتجاه فؤاد السنيورة أو حتى في اتجاه سامي الجميّل، كأنما بري يعتقد ويوحي لمحاوريه بأن الحريري هو «الطرف السعودي القطري» في 14 آذار، بينما السنيورة هو المحاور الأميركي هناك، تماماً كما سمير جعجع هو «الخليجي» في مسيحيي 14 آذار، فيما الجميّل هو «اللبناني» بينهم، فضلاً عن الحساسيات الشخصية والحسابات الجهوية بين هؤلاء، ما قد يسمح لبري بأن يقول للسنيورة والجميّل: لا تتورطوا في مغامرة حليفيكما، فالبلد كله قد يصير عندها على كف عفريت أو … اثنين. ما العمل؟ فلنبدأ بقانون انتخابات، بعده ننتظر ونرى.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.