التطبيع وإيران… دلالات الصراخ الإسرائيليّ في وجه واشنطن

موقع قناة الميادين-

أيمن الرفاتي:

نتنياهو يريد من الإدارة الأميركية ممارسة ضغوط كبيرة على السعوديين للتوصّل إلى اتفاق تطبيع علني؛ بما يحقّق له أوّل هدف قال إنّه سينجزه في حكومته الحالية.

مع تشكّل حكومة الاحتلال الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو نهاية العام المنصرم، وضع نتنياهو عدداً من الأولويات للعمل عليها بشكل سريع، وقد كانت أولوية “التطبيع” إحدى أبرز هذه الملفات التي تعهّد بإحداث اختراق فيها، تليها أولوية مواجهة الملف الإيراني النووي.

إلا أنّ عقبات اصطدمت في وجه تحقيق هاتين الأولويتين؛ ما دفعه إلى التفكير في تحقيق إنجازات جانبية يستطيع من خلالها الاستمرار في تسويق نفسه بصورة “سيّد الأمن والقيادة” في “دولة” الاحتلال، ويحافظ على بقاء حكومته، ويمرّر التعديلات القضائية التي تصبّ في صالحه الشخصي.

إنّ حالة الانتشاء التي حاول ترويجها نتنياهو خلال وبعد معركة “ثأر الأحرار”، والتصريحات والتهديدات التي صدرت مؤخّراً بشكل متزامن من المستويين الأمني والسياسي في كيان الاحتلال تجاه المقاومة في لبنان والجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكن تفسيرها في عدة مسارات، أبرزها رغبة نتنياهو في ابتزاز الإدارة الأميركية لتحقيق أيِّ إنجاز يساعده في تعزيز صورته ويحافظ على استمرار حكومته، وفي المقام الثاني قد تكون هناك رغبة إسرائيلية في إعادة ترميم “صورة الردع” مع محور المقاومة، وإنهاء فكرة الحرب متعددة الجبهات.

في المقام الأول، يتضح من خلال سلوك نتنياهو وتصريحاته أنه يريد الضغط على الإدارة الأميركية عبر التهديد بافتعال حرب كبيرة في المنطقة، وهو سلوك معاكس للرغبة الأميركية التي لا تزال منشغلة في مواجهة الصين من جهة والحرب الروسية الأوكرانية من جهة أخرى، وفي هذا السلوك يحاول رئيس حكومة الاحتلال لفت انتباه الإدارة الأميركية الحالية بضرورة تحقيق إنجازات له كي يصرف النظر عن توجّهاته الحالية، وأبرز هذه الأمور تتعلق بالتطبيع مع المملكة العربية السعودية.

ضمن هذا التفسير وتزامنه مع الحديث عن عودة محادثات التطبيع مع السعودية، نجد أن نتنياهو يريد من الإدارة الأميركية ممارسة ضغوط كبيرة على السعوديين للتوصل إلى اتفاق تطبيع علني؛ بما يحقّق له أول هدف قال إنّه سينجزه في حكومته الحالية، وهو يُقدِّر أن السعوديين لن يذهبوا في الفترة الحالية نحو مزيد من نقاط التوتر مع الأميركيين، بعد عودة علاقتهم مع إيران، وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية مع الصين، ورفض زيادة إنتاج النفط. وعليه فإنّ تقدير نتنياهو بأنّ أي ضغط أميركي على السعودية في ملف التطبيع قد يؤدي إلى حدوث اختراق واضح.

وفي المقام الثاني، وبعد أيام من الضغط وتقدير نتنياهو أن ملف التطبيع مع السعودية يحتاج مزيداً من الوقت وأن السعوديين يقدّمون مطالب، تنفيذها ليس في الحسبان حالياً، ذهب نتنياهو نحو زيادة الضغط على الإدارة الأميركية لتحقيق إنجاز فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، على اعتبار أن هذا الملف هو الملف الثاني في أولويات حكومته، حيث صعّد الاحتلال من وتيرة تصريحاته مؤخّراً.

لقد خرج رئيس هيئة الأركان، أفيف كوخافي، للقول إنّه “إذا ما استمرّت إيران في تطوير برنامجها النووي فلن يكون أمام إسرائيل خيار سوى شن هجوم استباقي. تقدّمت إيران في السنوات الأخيرة في تخصيب اليورانيوم أكثر من أي وقت مضى، نحن ننظر عن كثب في مختلف المجالات التي تشكّل جزءاً من الطريق إلى القدرات النووية. هناك اتجاهات سلبية محتملة في الأفق يمكن أن تؤدي إلى تصرّفنا، ولدينا القدرات لذلك”.

الواضح أن نتنياهو أيضاً في ظل عدم قدرته على تحقيق إنجاز في الملف النووي الإيراني، وإدراكه حجم المخاطر في حال توجيه ضربة مباشرة لإيران من دون غطاء أميركي، يريد استغلال سيادة الموضوع الأمني وعنوانه الكبير “المخاطر المحدقة والمهدِّدات الوجودية” ليتجاوز الأزمة الداخلية، في ظل توقّعات بتصاعدها خلال الفترة المقبلة على خلفية نية الائتلاف الحكومي السعي لتمرير قوانين السيطرة على القضاء.

هناك عامل آخر يدفع نتنياهو للصراخ في وجه الإدارة الأميركية، ورفع مستوى التهديدات بإمكانية توجّهه لإشعال حرب في منطقة الشرق الأوسط، متعلّق بالموقف الأميركي منه شخصياً، إذ لا يزال يشعر أن الإدارة الأميركية تدير الظهر له ولحكومته ولم تدعُهُ حتى وقتنا الحالي لزيارة البيت الأبيض، كما كان معهوداً لرؤساء الوزراء بعد كل انتخابات في دولة الاحتلال.

ولا يزال عالقاً في ذهن نتنياهو الموقف الأميركي من توجّهات حكومته الأشد تطرّفاً، والموقف الشخصي للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي سأله الصحافيون في نيسان/أبريل الماضي عمّا إذا كان ينوي دعوة نتنياهو للقاء في واشطن فأجاب بالنفي.

خلاصة القول، يمكن تفسير صراخ نتنياهو وتهديداته الفظّة تجاه إيران وحزب الله اللبناني بمحاولة حثيثة لاستغلال موقف الإدارة الأميركية والسياسة الخارجية للبيت الأبيض تجاه الشرق الأوسط، إذ يساوم ويبتزّ الإدارة الأميركية لضمان استمرار واستقرار الحكومة الإسرائيلية الحالية كآخر مكسب يمكن تحقيقه بشكل عاجل، بعد فشله في تحقيق مكتسبات إقليمية.

نتنياهو يريد من إدارة بايدن غضّ الطرف عن تمرير مخططات قوانين “الإصلاح القضائي” التي تصبّ في صالح نتنياهو شخصياً، ولهذا يمكن القول إنّ رئيس حكومة الاحتلال الأكثر تطرّفاً ويمينية في تاريخ الكيان يرسل رسالة إلى الإدارة الأميركية مفادها أنّ الهدوء وعدم إشعال فتيل الحرب في الشرق الأوسط سيكون مقابله السماح الأميركي بتمرير “الإصلاحات” القضائية، وتمرير برنامج “حسم الصراع” الذي تقوده حكومة اليمين تجاه القضية الفلسطينية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.