التكنولوجيا تجعلنا أغبياء.. حقاً؟!

موقع قناة الميادين-

علي شهاب:

لا تعني الفرضية الجديدة إغفال مشاكل الإدمان على التكنولوجيا والاعتلال في الذاكرة القصيرة المدى الذي يُصاب به العديدون.

أحد المفاهيم الشائعة في الأوساط العلمية في العقود الأخيرة، هو أنّ التكنولوجيا تجعلنا أكثر غباءً! دعمت هذا المفهوم دراسات عديدة في علم النفس تحديداً، باعتباره العلم المسؤول عن دراسة المشاعر والسّلوك والأفكار؛ الميادين العامة للذكاء على اختلاف تعريفاته وأنواعه.

لكنَّ ورقة بحثيّة جديدة عن دورية “نايتشر هيومان بيهايفور” (Nature Human Behavior) تناقش هذا المفهوم الإشكالي بالقول إنَّ التكنولوجيا تغيّر كيفية استخدامنا لقدراتنا المعرفية البيولوجية، وبالتالي إن الحكم بأنها تجعلنا أغبياء هو أمر مبالغ به.

لا تعني الفرضية الجديدة إغفال مشاكل الإدمان على التكنولوجيا والاعتلال في الذاكرة القصيرة المدى الذي يُصاب به العديدون، بسبب اعتمادهم المفرط على الأجهزة الذكية، لكنها تفتح الباب على مصراعيه أمام ما يُحتمل أنه مغالطة منطقية حضارية، إذ يميل البشر في العادة إلى وصف كل تقدم علمي أو تقني بأنه “خطير”.

الأحكام التي نطلقها اليوم على الهاتف الذكي هي نفسها التي أطلقناها على الطابعة حين ظهرت للمرة الأولى، حين قيل يومها إنَّ البشر يدمّرون ذاكرتهم باختراع الطباعة.

وبعد تقديم العالم الشهير باستور لقاحه الأول، ظهرت حركة مناهضة للقاحات، تماماً كما يحصل حالياً في مواجهتنا وباء “كوفيد 19”. هناك معارضة دائمة للتقدّم، لكن بالنسبة إلى علماء النفس، إنّ المهم ليس الهدف من استخدامنا التكنولوجيا، بل كيفية استخدامها.

من هذا المنطلق، يناقش لورنزو سكوتي، أحد المؤلفين الثلاثة للورقة البحثية الحديثة، في أنّ “التكنولوجيا الذكية لا تحولنا إلى دمى، وفكرة أن الهواتف الذكية والتكنولوجيا الرقمية تلحق الضرر بقدراتنا المعرفية البيولوجية لا يدعمها العلم. بدلاً من ذلك، نحن نطور علاقات مختلفة للإدراك بسبب الأجهزة الذكية”.

ويستشهد سكوتي ورفاقه ببحث مخبري توصَّل إلى أنَّ استخدام التكنولوجيا الرقمية كنظام ذاكرة خارجي لا يأخذ في الاعتبار حقيقة أن التأثيرات القصيرة المدى لا تشير بالضرورة إلى تغييرات طويلة المدى في الأداء الإدراكي.

بمعنى آخر، إنَّ “الاعتماد على الأدوات الخارجية عندما تكون متاحة، ليس نفسه فقدان القدرة على الانخراط في العمليات الداخلية عند الضرورة”. على سبيل المثال، إنَّ استخدمنا جهازاً لوحياً لحفظ المواعيد لا يعني أننا فقدنا قدرتنا على حفظ المواعيد في ذاكرتنا الطبيعية.

ولكنَّ البحث المخبري المرتبط بالذاكرة يواجه شكوكاً من قبل علماء سابقين أثبتوا، على سبيل المثال، أن سائقي سيارات الأجرة لديهم “حُصين” (منطقة في الدماغ) أكبر وذاكرة أفضل من غير السائقين. كما تظهر أبحاث أخرى أنَّ نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) يقلل من الوعي المكاني ورسم الخرائط الذهنية.

تشير مثل هذه الدراسات إلى أنَّك في حال لم تستخدم مهارة عقلية، فأنت تفقدها. ومع ذلك، إنَّ الورقة البحثية الجديدة محقّة في إشارتها إلى أنّ الخوف من التكنولوجيا أمر مبالغ به. وكما هو حال أي اختراع عبر التاريخ، هناك دائماً إيجابيات وسلبيات. وغالباً ما ترتبط السلبيات بطريقة تعامل البشر مع التكنولوجيا أو العلم، لا في العلم نفسه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.