التنمية المستدامة.. التحدي والإنجازات

موقع قناة الميادين-

عماد الحطبة:

تفاقمت نسبة الفقر عربياً بشكل غير مسبوق منذ العام 2010، وبرز الفقر المدقع (أفراد يعيشون بأقل من 1.5 دولار في اليوم) كواحد من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات العربية.

في العام 2015، اعتمدت الأمم المتحدة إستراتيجية سمّتها “أهداف التنمية المستدامة العالمية”، ووضعت لنفسها جدولاً زمنياً لتحقيق هذه الأهداف ينتهي في العام 2030. من بين الأهداف السبعة عشر تبرز قضايا مهمة مثل؛ القضاء على الفقر، القضاء التام على الجوع، الصحة الجيدة والرفاه، العمل اللائق والنمو الاقتصادي.

تميزت هذه الإستراتيجية بأنها حصلت على موافقة جميع الدول الـ 193 الأعضاء في الأمم المتحدة، وكذلك إعطاء المشاكل المحلية بعداً عالمياً، سواء من ناحية التشخيص أو الحلول. أهم هذه القضايا المحلية الفقر والبطالة، وقد وضعت لهما حلولاً مرتبطة بتحديات عالمية مثل؛ المناخ، والحياة البرية والبحرية. هذا الربط ينقل (نظرياً) هذه التحديات المحلية ويجعلها قضايا بحاجة إلى حلول عالمية، وهو ما نص عليه بصراحة الهدف السابع عشر: عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.

بعد مرور 7 سنوات من إقرار هذه الأهداف، لا بد من التساؤل عمّا تحقق منها عالمياً، والأهم بالنسبة لنا عربياً، آخذين في الاعتبار معاناة وطننا من آثار “الربيع العربي” الذي دمّر جزءاً كبيراً من البنى التحتية في معظم الدول العربية، وعمّق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بسبب تعطل دورة الإنتاج وتفاقم مشكلة البطالة. تضاف إلى ما سبق، العواقب المدمرة لوباء كورونا، التي تحاول الحكومات العربية تحميلها جميع الأزمات التي تعاني منها بلدانها.

عالمياً، ارتفعت معدلات الفقر ما بين عامي 2015 – 2022 بنسبة 8.1%، ويعزى ذلك إلى نتائج وباء كورونا. أما عربياً، فقد تفاقمت نسبة الفقر بشكل غير مسبوق منذ العام 2010، وبرز الفقر المدقع (أفراد يعيشون بأقل من 1.5 دولار في اليوم) كواحد من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات العربية.

تشير الأرقام إلى أن نسبة الفقر المدقع ارتفعت ما بين عامي 2015 و2018 من 3.8% إلى 7.2%. حدث ذلك قبل انتشار وباء كورونا، لكنه تفاقم بعده. تتصدر اليمن قائمة الدول العربية الأكثر فقراً بنسبة 48.6% ويعاني 18.8% من السكان من الفقر المدقع، تليها غزّة في المركز الثاني بنسبة فقر بلغت نحو 44.5%، فيما الفقر المدقع 9%، وتقدمت الأردن إلى المركز الثالث بنسبة 39% فقراء و7% يعانون من الفقر المدقع. وتغيب الإحصائيات عن سوريا والعراق ولبنان بسبب الأوضاع السياسية، أما مصر فآخر الأرقام تعود إلى العام 2015، وتعود أرقام السودان إلى العام 2010 حيث كانت نسبة الفقر 58% من السكان.

يظهر الجدول التالي نسب الفقر في الوطن العربي وشمال أفريقيا ما بين عامي 2013 و2022، وهو يدل من دون أدنى شك على أن المنظمة الدولية والحكومات المحلية فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة.

بالنسبة إلى الهدف الثاني المتمثل بالقضاء على الجوع، فقد أفاد تقرير للأمم المتحدة أن العالم بعيد جداً من تحقيق هذا الهدف، فقد ارتفع عدد الجياع في العالم عام 2021 إلى نحو 828 مليون إنسان، بزيادة 46 مليون إنسان عن عام 2020، و150 مليون إنسان عن عام 2019. حسب هذه التقارير، وفي حال استمرت الجهود الدولية بالوتيرة نفسها اليوم، فإنه بحلول عام 2030 سيظل 670 مليون إنسان (8% من سكان العالم) يعانون من الجوع، أي أننا نطمح بحلول عام 2030 للعودة إلى مستويات عام 2019.

يشير التقرير أيضاً إلى أن ما يقدر بنحو 45 مليون طفل دون الخامسة من العمر عانوا من الهزال، وهو واحد من أشدّ أنواع سوء التغذية خطورة وفتكاً، إذ تزيد معدلات الوفاة عند هؤلاء الأطفال 12 ضعفاً عن أقرانهم الذين لا يعانون هذا الاضطراب.

بالنسبة إلى العالم العربي، فقد أضاف إلى عدد الجياع 14.3 مليون جائع عام 2022، ويبيّن تقرير “نظرة إقليمية عامة حول الأمن الغذائي والتغذية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2021” أن عدد الجياع في المنطقة بلغ 69 مليون شخص في عام 2020.

وبحسب تقرير منظمة “الفاو”، هناك زيادة بنسبة 91.1% منذ عام 2000. وبحسب التقارير، فإن 20.5% من أطفال المنطقة يعانون من التقزم و7.8% يعانون من الهزال.

هذا الهدف أيضاً يبدو بعيداً جداً من التحقيق، بل لا بد من بذل الكثير من الجهد والإمكانات لإبقاء الأمور على ما هي عليه اليوم، ومنع تدهورها نحو الأسوأ. ضمن المعطيات التي قدمها الفشل في تحقيق الهدفين الأول والثاني وخاصة ما يتعلق بصحة الأطفال، فإننا نستطيع الاستنتاج بسهولة أن الهدف الثالث؛ “الصحة الجيدة والرفاه” بعيد من التحقيق هو الآخر.

ننتقل إلى الهدف الثامن “العمل اللائق ونمو الاقتصاد”، إذ تشير التقارير الدولية إلى ارتفاع نسبة البطالة في العالم بسبب جائحة كورونا، وأن فئة الشباب هي الأكثر تأثراً بهذا الارتفاع. تسجل الدول ذات الدخل المرتفع (أوروبا وأميركا الشمالية واليابان) تعافياً سريعاً من آثار الجائحة، في حين تستمر المعاناة في البلدان الفقيرة. أما الدول العربية فتسجل أعلى وأسرع معدل بطالة بين الشباب في جميع أنحاء العالم، حيث يُتوقع أن يصل إلى 24.8 % في عام 2022.

جاءت مؤشرات أداء الاقتصاد العربي في معظمها إيجابية خلال السنوات الأخيرة، بحسب الأرقام الرسمية، فقد ارتفع نصيب الفرد من الناتج في الدول العربية بمعدل 13% ليبلغ 6375 دولاراً في المتوسط، كما حققت التجارة الخارجية العربية نمواً العام الماضي بنسبة 21.7% ليبلغ إجمالها 2.2 تريليون دولار، فيما ارتفعت الصادرات بنسبة 31.1%، مقارنة بـ 12.6% للواردات.

لا يمكن الربط بين هذه الأرقام وما سبقها من نتائج للتنمية، إلا باعتبار أن هذه الأرقام مضللة، لعدة أسباب: أنها تشتمل على ثروات الأغنياء، فعلى سبيل المثال، أشار أحد التقارير أن ثروة شخصين في الأردن تعادل ثروة 4 مليون مواطن، هذه الأرقام تفترض أن لجميع هؤلاء نصيباً متساوياً من الناتج المحلي الإجمالي. السبب الثاني أن النمو في الناتج المحلي الإجمالي تحقق على حساب بيع الأصول كشركات القطاع العام، والأراضي الحكومية وغيرها من المؤسسات. النمو إذن وهمي، وليس التنمية فقط.

ما زلنا بعيدين أشواطاً طويلة من الذهاب نحو التنمية المستدامة، والسبب ليس جائحة كورونا كما توحي تقارير الأمم المتحدة اللاحقة. يكمن السبب في بنية مؤسسة الأمم المتحدة نفسها، فهي أداة في يد الاستعمار يستعملها لفرض هيمنته على الشعوب، فهذه المؤسسات منحت الشرعية للحروب على العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، وهي التي تنفق المليارات على موظفيها الأجانب على حساب برنامج التنمية الموعودة، وهي التي لا تتورع عن إصدار التقارير المزورة ضد الحكومات الوطنية المعادية للاستعمار. لعل الخطوة الأولى التي تضعنا على طريق التنمية أن نفرض شروطنا الوطنية على المؤسسات الدولية، ونخرج من الدوران في ساقيتها التي يذهب إنتاجها إلى خزائن المستعمرين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.