الثالوث… العزف الأمريكي على وتر فلسطين

obama-natanyaho-bandar

موقع إنباء الإخباري ـ
حسن ديب:
كان العام 1978 بالنسبة للإدارة الأمريكية عام النشاط السياسي والعسكري بامتياز، ففي الوقت نفسه الذي بدأت فيه التدخلات السوفياتية تلوح في الأفق على الجانب الأفغاني، بعد ارتفاع الوتيرة الإسلامية المناهضة للحكومة الشيوعية، قامت إسرائيل بتنفيذ الاجتياح الأول للجنوب اللبناني، محاولةً القضاء على المقاومة الفلسطينية، انطلاقاً من عاملين أساسيين :
الأول: دخول منظمة التحرير الفلسطينية في حرب فعلية مع بعض الأحزاب اللبنانية.
الثاني: وجود مجموعة سياسية وعسكرية داخل الكيان اللبناني مناهضة للوجود الفلسطيني، مدت يدها للإسرائيليين طلباً للمساعدة في التخلص من ما سموه السيطرة الفلسطينية على الواقع اللبناني.
وكاد هذا الاجتياح أن يشكل مفترقاً كبيراً في الصراع العربي الإسرائيلي، في حال التفاف الشارع العربي حول منظمة التحرير والسعي إلى الجهاد المقدس من أجل تحرير فلسطين، لولا قيام المخابرات الأمريكية (CIA) بالإنتقال إلى الخطة (B)، والتي مكّنتها من تحويل أنظار معظم الشباب العربي إلى جهاد مقدس ولكن من نوع أخر .
فما هو هذا الجهاد وكيف كانت البداية …
كانت الإدارة الأمريكية قد زرعت فعلياً في منطقة الخليج العربي أحد أذرعها الاستخباراتية، وهو الأمير بندر بن سلطان، وكانت عملية ضرب منظمة التحرير الفلسطينية هي إحدى أهم مهامه.
ومع قيام إسرائيل باجتياح لبنان قامت ال CIA بالتحرك لتحويل حماس الشباب العربي إلى مكان آخر من العالم، بطريقة تمكّنها من ربح معركتين من خلال جندي واحد (بندر). ولم يكن هذا المكان سوى أفغانستان، بحيث يمكن للإدارة الأمريكية أن تواجه السوفييت من خلال خلق حالة جهادية إسلامية عربية (وهو ما عرف لاحقاً بالمجاهدين العرب) يتم تجنيدهم تحت “شعار الحرب على الكفار”، لتضمن في الوقت ذاته عدم تحول هذا الجزء من المجتمع العربي إلى فكرة الجهاد من أجل فلسطين…
لهذا كادت أن تعطي الإدارة الأمريكية هذا الدور للأمير بندر. إلا أن الرجل الأكثر معرفة بالداخل الاجتماعي لدى آل سعود، وهو الرئيس الراحل رفيق الحريري، اقترح على بندر أن يعطى الدور لشخصية من خارج الإطار الأسري، خشية أن يحصل تصادم مباشر بين المملكة والسوفييت، على أن تكون هذه الشخصية قريبة من الحكم وتحت السيطرة. ولم يكن من الصعب اختيار أحد أبناء محمد بن لادن لتولي هذه المسؤولية، خاصة ولده أسامة الذي كان يتميز بميوله الدينية طيلة فترة دراسته الجامعية، متأثراً بالداعية سيد قطب، وبالشخصية الأقرب إلى قلبه وعقله وهو عبدالله عزام.
وعلى هذا الأساس تم اختيار بن لادن للقيام بدور المحرك في ماكينة الجهاد المقدس العربي ضد السوفييت، وتم وضع مخطط ثلاثي الأبعاد يعمل على تنظيم الخطة البديلة بشكل بعيد المدى…
اعتمد هذا المخطط على ثلاثة أسماء هم:
بندر بن سلطان: وهو اليد المنفذة للمشروع الأمريكي، والذي قام بعملية تهيئة البيئة السياسية والاجتماعية ليتمكن من خلالها أسامة بن لادن من القيام بحركته الواسعة في السعودية، ومنها إلى أكثر البلدان العربية. وعلى الرغم من قوة الأنظمة الحاكمة وحذرها من هكذا تصرفات، إلا أن بندر كان يدرك أن أحداً من الحكام العرب لن يستطيع، ولو لمرة واحدة، أن يقف في وجه ما تريده الإدارة الأمريكية، لذلك قام بدور قد يُعتبر بسيطاً من الناحية التكتيكية، وهو انه هيّأ الأرضية المناسبة التي يحتاجها بن لادن لتأمين طريقه إلى كابول .
وثاني الثلاثة هو أسامة بن لادن، الذي كان قد بدأ فعلياً في تنفيذ خطوته الأولى من خلال افتتاحه لمركز الخدمات (مكتب الهجرة والجهاد)، والذي شكل من خلاله نقطة تواصل وعبور نحو أفغانستان. وقد قامت الإدارة الأمريكية، من خلال بندر بن سلطان، بإجبار حكام الخليج على دعم هذا المركز بمبلغ أربعة مليارات دولار كانت كافية في المرحلة الأولى لتأسيس خلايا عسكرية وتجهيزها وتأمين وصولها إلى الحدود الأفغانية الباكستانية، حيث يتم إخضاعهم لدورات تدريبية تمكّنهم من المشاركة في الصراع الأفغاني السوفييتي، وهذ ما كان يحصل طيلة الفترة الممتدة من عام 1984 وحتى العام 1988، وهو عام الحرب النهائية بين الحركات الإسلامية والمجاهدين العرب من جهة والسوفييت من جهة أخرى، هذه الحرب التي نتج عنها هزيمة الاتحاد السوفييتي وانتصار حركة طالبان التي لم تتوانَ عن رد الجميل لأسامة بن لادن الذي تحول إلى شريك في السلطة كما هو شريك الانتصار.
والثالث وهو الرئيس الراحل رفيق الحريري الذي كان مشغولاً في إدارة أعماله التي كانت في طور نموها، فوجدت فيه الإدارة الأمريكية الشخصية الفذة التي يمكنها أن تصل بسهولة إلى مكان مرموق داخل التركيبة السياسية اللبنانية، التي كانت في وضع لا تحسد عليه، فتم الطلب من بندر بأن يقوم بتحويل وجهة الرئيس الراحل من حياته الاقتصادية إلى الحياة السياسية، ولهذا أوكلت إليه مهمة العمل على تنظيم اتفاق الطائف الذي كان له فيه الدور الأبرز، من خلال علاقته الطيبة مع جميع الأطراف اللبنانية والتي أدت فعلاً إلى قيام اتفاق الطائف تحت رعاية عربية ( سعودية خاصة ) وكان الطائف هو بوابة العبور للرئيس الراحل رفيق الحريري للدخول في السياسة اللبنانية، وهذا ما حصل فعلاً، حيث انه وصل بفترة وجيزة إلى رئاسة الحكومة، ليصبح اللاعب الأبرز على الساحة السياسية اللبنانية.
على هذا الأساس كانت الإدارة الأمريكية تعتبر أنها تسير بخطتها نحو الطريق الصحيح، فمعظم الحكام العرب في حالة ولاء دائم، والشارع العربي محكم الإغلاق، والحالة الإسلامية العسكرية المتمثلة ببن لادن تحت السيطرة، والمقاومة اللبنانية يمكن التحكم بها من خلال الحكومة الحريرية، لتبقى ايران والشام وحدهما في المعركة السياسية والعسكرية.
إلا ان الرئيس الحريري أدرك، منذ الأعوام الأولى لحكوماته المتعددة، أنه لا يمكنه أن يغرد في سرب الإدارة الأمريكية، وأن الحالة المقاومة في المجتمع اللبناني هي حالة شعبية اجتماعية قبل أن تكون حالة عسكرية، لهذا وجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما السير في مشروع أمريكي سيجعله في مكان ما خارجاً عن البيئة اللبنانية، وإما أن يتجه نحو خيار المقاومة ليسجل له التاريخ أنه رئيس لحكومة دعمت المقاومة. لهذا كان قرار الرئيس الحريري واضحاً فاختار أن يكون لبنانياً داعماً للمقاومة، ومن هنا بدأ التخطيط من قبل ال CIA وبندر والقاعدة للقضاء على العنصر الثالث الذي سمح بكسر المعادلة، وساعد على شرعنة الخط المقاوم. ولهذا تم اغتيال الرئيس الحريري …
ومع انكسار أحد أعمدة الثالوث، بدأ الخلل بين باقي الأعمدة، فوقع الخلاف المالي السري بين القاعدة وبندر، والذي نتج عنه قيام بندر بتحويل معظم أرصدة القاعدة السرية إلى حسابه الخاص، وقيامه بضرب مركزية القاعدة وتحويلها إلى خلايا متعددة بقيادات متعددة، لا تعتمد على مركزية القرار، وذلك كي يضمن خلو المنافسة من ثاني الثالوث بعد قضائه على ثالثهم، وليقوم بتحريك هذه الخلايا ودفعها للقضاء على محور المقاومة (سوريا، ايران، الحركات المقاومة) بحيث تعمل على إشعال حروب مدروسة تدعمها الماسونية العالمية للقضاء على كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وبدأ فعلياً بالتأسيس للصهيونية الإسلامية التي تعمل وفق مخطط صهيوني منظم.
أُغتيل الرئيس الحريري … بقي بندر.
تم تقسيم القاعدة وتحويلها إلى قاعدات وقاعدات وقاعدات… وبقي بندر …
والسؤال الآن: ما هو مصير بندر، عندما ينتهي الدور الذي رسمته له المخابرات الأمريكية؟
لا بل ما هو دوره بعد هزيمة المشروع الامريكي الإسرائيلي في المنطقة؟
هل سيدفع بندر ثمن كل ما فعله في خدمة هذا المشروع ويقف ليُحاكم أمام المنتصر؟
أم انه سيحاكم نفسه مسبقاً عند ظهور بوادر الانتصار؟
وفي النهاية لقد حاولت الإدارة الأمريكية وإسرائيل وبندر أن يمحوا القضية الفلسطينية من ذاكرة المقاومة، ولكنهم فشلوا، فهم ما زالوا هم، والمقاومة ما زالت في طريقها إلى فلسطين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.