الثورة الضائعة: نصرة، حر، إخوان

nosra-syria1

صحيفة الأيام الفلسطينية ـ
محمد ياغي:

أعلنت جبهة النصرة في سورية، الثلاثاء الماضي، انضمامها رسمياً لتنظيم القاعدة وبايعت أيمن الظواهري زعيم التنظيم على السمع والطاعة.. الجيش السوري الحر من جهته يؤكد أنه لا يرغب في الاعتماد على “النصرة” في حربه مع النظام السوري ويقوم بعملياته العسكرية بعيداً عنها، لكن شحة “الموارد العسكرية” تدفعه أحياناً إلى التنسيق معها.. “الإخوان المسلمون” من جانبهم، في صراع مع “النصرة والحر” على حد سواء.. “النصرة” لأنها تسبب لهم الكثير من الحرج عالمياً، لكنهم لا يريدون خوض حرب معها خوفاً من إضعاف جبهة “الممانعة” للنظام.. أما “الحر” فهنالك هاجس تحوله الى جيش لا سيطرة للإخوان عليه خصوصاً وأن خطوط قادته مثل خطوط الإخوان مفتوحة بأكملها على الغرب. “الحر” من جانبه انتقد سعي الإخوان للسيطرة على الثورة عبر عمليات التهميش والإقصاء التي يمارسونها قائلاً إن الثورة “ليست ثورتكم ولم تصنعوها بل ثورة الأفراد الذين يدفعون دماءهم وحياتهم وأمنهم واستقرارهم وأرزاقهم” (أنظر بي بي سي الأول من نيسان).
للأطراف الثلاثة الأساسية من بين عشرات الفصائل الداخلة على خط الثورة مرجعيات مختلفة.. لكل منها أجندة خاصة به:
جبهة النصرة مرجعيتها القاعدة، وهي كما قاتلت القاعدة في أفغانستان والعراق والشيشان تقاتل في سورية من أجل بناء دولة العدالة الإسلامية.. العدالة التي تمر عبر قتل كل من لا يشترك معها في رؤيتها للحياة. هذا تنظيم مستهدف عالمياً، ومطلوب منه المشاركة في تدمير سورية البلد قبل إسقاط النظام عبر التفجيرات الطائفية والقتل على الهوية.. وبعد ذلك لكل حادث حديث.. وكما تم إقصاؤه من جبال تورا بورا سيتم إقصاؤه من سورية بعد استنفاذ مهمته والتي يبدو في الحالة السورية المرشحة للامتداد إلى لبنان بأنها ستطول بعض الشيء.. الغاية من الصبر عليه بعض الوقت في الدوائر الغربية، ليس لأنه فاعل فقط في إضعاف نظام الأسد، ولكن لأنه سيكون أكثر فاعلية في إنهاك حزب الله لاحقاً.. هنيئاً لإسرائيل التي يخدمها “غباء البعض” أكثر من قوتها.. وستبقى “النصرة” متمسكة بعدم إشراك إسرائيل في الحرب الحالية في سورية علماً بأنها “حررت” مناطق على حدود الجولان من قوات نظام الأسد.. ربما لأن “الحجر والشجر لم ينطقا بعد إيذاناً بحلول ساعة القتال.” على أية حال “النصرة” مجرد أداة تنتهي ببعض الضجيج وبعشرات الآلاف من الضحايا السوريين الأبرياء عندما تحين لحظة الخلاص منها ممن يستخدمها حالياً.
الجيش الحر مثل الإخوان، ليس مجرد أداة مؤقتة ولكنه مشروع للمرجعية التي يتبع لها بهدف السيطرة على مستقبل سورية. مرجعية “الحر” دوائر صنع القرار في الغرب. الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا تحديداً. هذا واضح من سعيهم لتسليح الجيش الحر بقرار رسمي أقله من دول الاتحاد الأوروبي حيث يتعثر تمرير القرار في الأمم المتحدة. الجيش الحر هو الجيش المنتظر لسورية بعد سقوط نظامها.. ولأنه كذلك فإن المهمة المطلوبة منه ليس حماية وحدة أراضي سورية فهذه مهمة جميع الجيوش، ولكن حماية “الحدود” مع الجولان المحتل. السيطرة عليه حالياً تحدد خياراته المستقبلية لهذا يجري الاستثمار فيه من قبل الدوائر الغربية .. ولأنه “حر” فهو “منفتح” على الجميع بدون استثناء.. تركيا بحسب “الحر” تحد من حركته داخل أراضيها، ولا تقدم له المساعدات المأمولة من دولة استأمنها على نفسه.. وهي بحسب “الحر” تميل أكثر للإخوان.
إذا صدق “الحر”، فإن مرجعية الإخوان هي تركيا.. فيها يعيش مرشدهم العام رياض الشقفة، ومعها يجري تنسيق خطواتهم بشأن مستقبل سورية ما بعد الأسد. تركيا مصالحها تختلف في بعض القضايا مع الغرب وتلتقي معها في أخرى. هي لا تريد “للحر” أن يبقى حراً فقط فيما يخصها. بمعنى أداة قد يستخدمها الغرب ضدها في المستقبل.. البديل لتركيا أن تكون لها أداتها الخاصة.. بمعنى، أن تكون الأداة “حرة” في سلوكها مع الآخرين، ولكن ليس معها.. الإخوان هم الأقرب للعب هذا الدور.. هم بحاجة لتركيا اقتصادياً وسياسياً، ومن مصلحتهم أن يكون لهم ظهر داعم يمكن الاعتماد عليه في مرحلة قد يجري فيها تفتيت بلدهم.. وهم على استعداد لدفع الثمن بما فيه السمع الطاعة.. وعلى أية حال.. سلوك إخوان سورية منسجم مع سلوك إخوتهم في “حماس” و”القاهرة”.. هذا المحور مرحب به آنياً لأنه موجه ضد إيران و”أخواتها الشيعيات” لكن من غير المسموح له أن يتحول الى جبهة “ممانعة” ضد إسرائيل.. وفي هذا تلتقي تركيا مع دوائر صنع القرار في الغرب.
نصرة..حر..إخوان.. وفوقهم عشرات الفصائل السياسية والعسكرية ولكل أجندته المستقبلية وولاؤه الظاهر والمخفي.. يتفقون فقط على قضية واحدة.. الخلاص من نظام الأسد.. لكنهم عاجزون عن الالتقاء على مستقبل شعب سورية.. والأسوأ كما يبدو، أن هذا الشعب العظيم، الذي دفع عشرات الآلاف من الشهداء وشرد الملايين منه، سيدفع مثلهم واكثر بعد رحيل النظام.
يا لها من ثورة!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.