الجيش دائماً على الموعد

emile-lahoud

صحيفة البناء اللبنانية ـ
بقلم الرئيس العماد إميل لحود:
قلنا منذ زمن إنّ قوّة لبنان من قوّته وإنّ من يسعى إلى بعثرة قوّة لبنان بالقضاء على أيّ رافد من روافدها إنما يقضي على لبنان.
كما قلنا إن معادلة «قوة لبنان من ضعفه» أودت بلبنان إلى الهزائم تلو الهزائم والحروب تلو الحروب فاستحال لعقود أرضاً مستباحة لكل طامع ومغامر ومقامر ومقاول وعدو.
الوطن يُبنى لبنة لبنة وتُجسّد الدولة القوية المبادئ والمسلمات الوطنية والقومية التي تقوم عليها في كل المجالات. لعلّ الرافد الأهم من روافد قوة لبنان إلى جانب الشعب الواحد والمتماسك والمقاومة الرائدة والمتوثّبة لصدّ كل عدوان والحفاظ على وشائج القربى والعلاقات المميزة مع سورية المتمثلة بشرعيتها الدستورية الرافد الأهم إذاً هو الجيش الوطني الباسل الذي أرسيت عقيدته القتالية على تحديد وجهة بندقيته باتجاه عدو لبنان وأمة العرب والإرهاب المدمّر.
م يتوان هذا الجيش يوماً بعد دمج ألويته وتوحيده وإرساء عقيدته القتالية على النحو المذكور عن صدّ العدوان «الإسرائيلي» بجميع الوسائل المتاحة مع المقاومة الرائدة وعن ضرب الإرهاب في أوكاره كما جرى في الضنية ونهر البارد وعبرا بالأمس القريب.
أما المقاومة فهي التي أدخلت توازن الرعب إلى معادلة الصراع العسكري «الإسرائيلي» ـ اللبناني.
أما الشعب فهو الرحم الذي يستولد كل سلطة وكل مقاومة وكل سعادة. أ
ما سورية الممانعة فهي الظهير الذي نأتمنه في الساعات الحرجة عند كل اعتداء على لبنان في ظلّ تلك القيادة الحكيمة والمصمّمة في آن والتي تتعرّض اليوم لحربِ إرهاب كونيّة بكل المفاهيم تستهدف الشعب والجيش ونهج الممانعة.
إن سورية تشهد ظاهرة أسيرية يومية على أوسع نطاق وبقوة تدمير وقتل وغدر وفتنة هائلة بكلّ المقاييس.
أما في لبنان فتكفي الإرادة ويكفي التصميم كي يذهب أبطال الجيش الوطني الباسل إلى القيام بالرسالة الملقاة على عاتقهم بتكليف وطني عابر للطوائف والمذاهب والأحزاب والتنظيمات والتيارات والسلطات المتراخية.
عانى اللبنانيون كثيراً على مرّ تاريخهم من استباحة الدولة ومقوّماتها وسلطاتها وإداراتها ومؤسّساتها إلا أن هذه الاستباحة إنما تقف اليوم عاجزة على عتبة الجيش المنصهر بألويته ووحدته وأفواجه والجاهز دوماً لتقديم القرابين الغالية حفاظاً على وحدة الشعب وأمنه واستقراره وحياض الوطن.
إن الفساد السياسي الذي نخر جسد الدولة لم ينل من الجيش الوطني الباسل ما جعل هذه المؤسّسة عصية على التدجين والتطبيع ضمن منظومة الفساد مترامية الأطراف في لبنان. أن يغدر عدو أو إرهابيّ بالجيش أمر ممكن لا سيما في ظلّ سلطة سياسية متردّدة أو متقاعسة.
إلا أن الكلمة الأخيرة تبقى للجيش لا سيّما أنّ حق الدفاع عن النفس والردّ على أيّ اعتداء غادر والاقتصاص من المجرمين والقتلة وسوقهم إلى العدالة وفرض الاستقرار الأمني والدفاع عن الشعب لا يحتاج إلى ترخيص مسبق أو غطاء لاحق ذلك أن الجيش لا يرتكب معصية عند قيامه برسالته السامية.
لم نعتد كلاماً طوباوياً أو شاعرياً أو منزّهاً من واقع ملموس وتجارب معيوشة.
كل ما نقصده أن أيّ اعتداء على الجيش يجب أن يلقى ردّاً مناسباً. إن هوية المعتدي أو طائفته أو مذهبه أو الحزب أو التنظيم أو التيار الذي ينتمي إليه لا يمكن أن تبرّر الاعتداء ذلك أن الجيش هو جيش كل لبنان ولا يستقوي على طائفة أو مذهب أو حزب أو تنظيم أو تيار من مكونات الوطن بل هو يقتصّ من معتد مجرم بحق وطنه.
لذلك نقول إن انتصار الجيش لا يُصادر ولا يُستغل ولا يحتمل التهجّم عليه أو التشكيك به أو التذمّر منه لأن هذا الانتصار إنما هو انتصار الشعب على من يسعى إلى ضرب استقراره وهناء عيشه ووحدته وتماسكه وحريته وسيادته.
إن الجيش الوطني الباسل لم يأت إلينا من كوكب بعيد بل هو من لدن شعبنا وأبطاله من أبناء جلدتنا وهو لا يسعى إلى مجد باطل أو زائل بل إلى أزلية لبنان وشعبه بالرغم من أنه جيش محاصر بالمحظورات التي تتناول الأسلحة النوعية التي يمكن أن يستحصل عليها بسبب النقض الاعتباطي الذي يمارسه العدو «الإسرائيلي» على الدول الصانعة.
هو جيش ممنوع من القوة لجهة اقتناء السلاح النوعي سواء في البرّ أو البحر أو الجو إلا أنه جيش يتمتّع بإرادة القتال في ساحات الوغى عندما تُفرض المعارك عليه كما حصل بالأمس القريب في عبرا لذلك من المُعيب حقّاً أن يُطيّف أو يُمذهب هذا الجيش الحاضن والجامع والمتماسك لأن في ذلك نيّة مبيّتة لاختزال دوره ورسالته وانتصاراته والمشاركة في إضعافه بمحاولة القضاء على إرادته بعد حجب السلاح النوعي والردعي عنه.
إن الجيش لا يستأذن أحداً عند أدائه رسالته السامية لأنه يعمل من ضمن شراكة طبيعية وعضوية ومستولدة من نسيج هذا الوطن البشري ورحمه ولا يؤدي حساباً لأحد لأن سجله الذهبي هو سجل الوطن والشعب بأجمعه إذ هو لا يمسك دفتر حساب ضيقاً يدوّن فيه مكاسب سلطوية.
الجيش مشروع شهادة وشهداؤه الأبرار والأشراف هم الدليل الأسطع على أن خياره الوحيد هو لبنان.
عسى أن يتّعظ الجميع ممّا حصل وأن يوفروا على شعب لبنان الأبي اختبارات قاسية أخرى.
إن منسوب القلق مرتفع جداً على جميع المستويات في هذه الأزمنة الرديئة ونحن على تماس مع زلازل في المنطقة والمحيط الأقرب.
علينا جميعاً أن نقف كتفاً إلى كتف متراصين متضامنين كي لا تأتي الحلول الكبرى على حسابنا. المهم أننا لم نعد الحلقة الأضعف في هذا الشرق الممزّق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.