الحرب الأوكرانية.. الحرب الباردة الساخنة

صحيفة الوطن السورية-

الدكتور قحطان السيوفي:

بين الحرب الباردة والحروب الساخنة، جاءت الحرب الأوكرانية في مشهد عالمي يشير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يؤكد ويسعى لضمان أمن روسيا كدولة عظمى، في وقت ينشغل العالم بأزماته السياسية والاقتصادية والبيئية والصحية، والخلافات بين الولايات المتحدة والصين.

والخلافات بين الدول الغربية نفسها، والانقسام السياسي الحاد في الولايات المتحدة بين اليمين المتطرف والتوجهات الأخرى الذي ترك أثره على حلف الناتو، وتظاهرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالميل إلى الحلول الدبلوماسية، بديلاً عن الحروب الباردة والساخنة، إضافة إلى الخلافات داخل الاتحاد الأوروبي.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، برز عملاقان في الساحة الدولية، وبدأ اصطفاف سياسي – اقتصادي – استراتيجي، نتج عنه ما سمي الحرب الباردة وهي مواجهة سياسية وإيديولوجية وأحياناً عسكرية بشكل غير مباشر، استمرت خلال 1947-1991 بين أكبر قوتين في العالم هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي، بين معسكرين شرقي اشتراكي، ومعسكر غربي رأسمالي، وكانت حروبهما تتم بالوكالة.

كان الاتحاد السوفييتي حريصاً على عدم مهاجمة أوروبا الغربية والولايات المتحدة بصورة مباشرة «والعكس صحيح»، فأولوية الغرب تتمثل في احتواء المد الشيوعي، وأولوية الشرق القضاء على الرأسمالية، وفي المواجهة بين الدولتين النوويتين أثارت الحرب الباردة حالة توتر على مدى 44 عاماً من التصعيد تارة، والانفراج تارة أخرى، وكانت أشد المحطات توتراً أزمة صواريخ كوبا عام 1962 التي دفعت العالم إلى حافة الحرب المباشرة بين الجبارين باحتمال استخدام أسلحة نووية.

فترة الحرب الباردة لم تكن باردة حقيقة، فالعديد من الحروب تزامنت مع تلك الفترة، لذا يجب التمييز بين حروب تُنسب إلى الحرب الباردة، وحروب وقعت ضمن الفترة نفسها من دون أن تنسب إلى مساقها، وتتوزع هذه الحروب الأخيرة في 3 أنماط: الحرب الحدودية بين الدول كحرب الجزائر والمغرب، وحرب العراق وإيران، والحروب الأهلية، وحروب التحرر الوطني، كالحرب ضد الاستعمار الفرنسي في الجزائر.

كانت فترة الحرب الباردة، ساخنة أيضاً من جهة التدخلات العسكرية للجبارين، الاتحاد السوفييتي وفق «عقيدة بريجينف»، والولايات المتحدة وفق «عقيدة الاحتواء والدحر»، لصاحبها هاري ترومان، و«عقيدة أحجار الدومينو»، لصاحبها دوايت إيزنهاور القائمة على التدخل العسكري لتجنب مخاطر سقوط بلدان في أحضان الشيوعية.

والحروب العربية الإسرائيلية تندرج في أكثر من سياق فيما يتعلق باصطفافات الحرب الباردة فتلاقت واختلفت فيها مواقف ومصالح واشنطن وموسكو، من حرب 1948، إلى حرب 1956، ثم حرب 1967، وبعدها حرب 1973.

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، انتهت الحرب الباردة وانتهت معادلة القطبية الثنائية، لتصبح الولايات المتحدة القطبية الوحيدة، لكن أبت الولايات المتحدة إلا أن تختم الحرب الباردة بحرب عدوانية لمصلحة تفردها وقيادتها للعالم، بتدمير العراق.

إن قراءة الوقائع على الأرض تؤكد أن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية إطلاق الحروب، فالسياسة الأميركية عدوانية تنبثق من طبيعتها الإمبريالية الباحثة بوحشية عن مصالحها من دون مراعاة مصالح الشعوب الأخرى.

لا شك أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حدثٌ كبير لم يشهد له العالم مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية، وستكون له تأثيراتٌ سياسة واقتصادية وعسكرية كبيرة.

لقد سعت أوكرانيا في ظل رئاسة فولوديمير زيلينسكي، لأن تنضم إلى حلف الناتو، الأمر الذي اعتبرته روسيا تهديداً لأمنها القومي.

تهديدات متبادلة، عقوبات اقتصادية، تحالفات عسكرية، هكذا تتسارع التطورات على الساحة السياسية الدولية، بعد الحرب الأوكرانية، وفي أجواء تماثل تلك التي عاشها العالم في حقبة الحرب الباردة، في ظل تصعيد روسي غربي يعد الأكبر منذ أزمة الصواريخ الكوبية.

وتشكل تلك التداعيات حرباً باردة جديدة قد تكون «أكثر خطورة» من نظيرتها في القرن العشرين، وفقاً لمجلة «فورين أفيرز».

إن مفهوم الحرب الباردة الجديدة يعبر عن حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، عبر أدوات وأساليب سياسية وعسكرية واقتصادية وتكنولوجية.

كما عملت الصين وكوريا الديمقراطية في ظل الحرب الأوكرانية، على القيام بتحركات تكاد تتحول إلى نزاعات تنبئ بظهور الحرب الباردة الجديدة.

مدير المركز الأوروبي للدراسات والاستخبارات في ألمانيا، اعتبر أن التصعيد الروسي الغربي حرباً ساخنة أكثر من كونها باردة تشمل عودة انقسام العالم إلى معسكرين غربي وشرقي.

وفي إطار الحرب الباردة الساخنة الجديدة تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها فرض عقوبات على روسيا، وتواصل تشجيع حلف شمال الأطلسي على التوسع، لكن الغرب يرفض في الوقت ذاته إرسال قوات ناتو إلى أوكرانيا.

العالم أمام عدة سيناريوهات للحرب الأوكرانية، فقد تكون طويلة الأمد تستنزف أوروبا وروسيا، لكنها ستؤدي إلى دمار كامل في أوكرانيا. سيناريو آخر يتعلق بحرب قصيرة الأمد، تنتهي بمفاوضات دبلوماسية تضمن عدم دخول أوكرانيا حلف الناتو.

وأخيراً ثمة تساؤل مهم؛ هل الحرب الأوكرانية هي حربٌ باردة أم ساخنة؟ أم كلتاهما؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.