الحريري ـ صقر بالـجرم المشهود -1

عقاب صقر في قفص تسليح المعارضة السورية

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
رضوان مرتضى:
تكشف التسجيلات التي تنشرها «الأخبار» على حلقات تفاصيل الدور الذي يؤديه النائب عقاب صقر في تركيا لدعم المسلّحين السوريين، وتوضح حقيقة تورّطه في تزويد هؤلاء بالسلاح والدعم اللوجستي، بتكليف من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وتتضمّن الحلقات الثلاث معلومات موثّقة وشهادات من مصادر لصيقة بصقر وتسجيلات صوتية عن تسليح وإدارة عمليات عسكرية وتفجيرات وتصفية معارضين، ارتُكبت باسم «الثورة» السورية

وردت قبل أسابيع رسالة إلى «الأخبار»، يزعم مرسلها أنّ في حوزته «تسجيلات صوتية تفضح حقيقة النائب عقاب صقر ودوره في تدمير الثورة» السوريّة. لم يكن الخبر جديداً، فالأروقة السورية المعارضة تضجّ بـ«فضائل» نائب تيار المستقبل وأحد أكثر المقرّبين من رئيسه النائب سعد الحريري، كما أنها لم تكن المرة الأولى التي تتردد فيها معلومات عن تسجيلات صوتية للنائب اللبناني، الذي ذكرته خمس صحف أجنبية عريقة بالاسم، مشيرة الى تورّطه في تسليح المقاتلين السوريين.
شكّكت «الأخبار» بدايةً في مزاعم المرسل المجهول ودوافعه، لكنّ الأخير لم يتردد قبل أن يُسلّم التسجيل الأوّل. وبالفعل، بدا الصوت الوارد في التسجيل صوت النائب صقر نفسه. وبعد عرضه على خبراء جزموا بأن بصمة الصوت هي نفسها بصمة صوت نائب زحلة الشاب.
بعد أيام، كرّر «المجهول» نفسه بعث الرسائل، لتتكرر بعدها الاتصالات واللقاءات. الهدف كان تحديد كمية التسجيلات الموجودة لديه وأهميتها. لم يكشف المصدر عمّا في جَعبته لجهة عدد التسجيلات، مشيراً الى أنه يملك العشرات منها. ولمزيد من التأكيد، أرسل مقتطفاً من تسجيل ثانٍ. كان الصوت صوت عقاب صقر مجدداً وهو ما جزم به الخبراء أيضاً. قُطع الشكّ بيقين التسجيلات. هنا بدأ بحثٌ آخر: من يكون هذا المجهول؟ كيف حصل على التسجيلات؟ وماذا يريد من ورائها؟ تساؤلات سرعان ما اتضحت اجاباتها، بعدما تبيّن أن المصدر يعمل مع صقر في غرفة عمليات أُنشئت خصّيصاً لدعم «الثورة السورية». في الحقيقة، لم تكن غرفة عمليات واحدة. تحدث المصدر عن ثلاث غرف عمليات عسكرية موجودة في أنطاكية وأضنة وإسطنبول. وذكر أنّ هناك مبنى خاصاً لصقر، في منطقة فلوريا في إسطنبول، تُعقد فيه الاجتماعات بين حين وآخر. وكشف أنّ نحو عشرين شاباً من مختلف المحافظات السورية يُديرون هذه الغرف عسكرياً، ويتولّون التنسيق مع قادة مجموعات معارضة مسلّحة بهدف توفير التمويل اللازم عتاداً وعديداً، والتدخّل لتوجيه المقاتلين نحو المناطق التي تتعرض للحصار أو الهجوم، تحت إشراف ضباط استخبارات أتراك وقطريين. وكلّ ذلك، بحسب المصدر، كان يجري بواسطة «الفضائي»، وهو مصطلح يُعتمد للإشارة إلى أجهزة الاتصال العاملة عبر الأقمار الاصطناعية، وتحديداً أجهزة الثريا والإيريديوم. ويروي المصدر أن هؤلاء الشبّان يدخلون الأراضي السورية على نحو دوري لتوزيع الأموال على قادة المعارضة، كما تحدث عن علاقة وثيقة تربط صقر بخاطف الزوّار اللبنانيين المدعو «أبو إبراهيم»، مؤكّداً أن مخصصاً شهرياً يُدفع لـ«أبو ابراهيم» قدره خمسون ألف دولار أميركي، وأنّ شبّاناً من مكتب صقر كانوا يسلّمونه المال باليد.
وعن دوافعه لعرض التسجيلات، عزا المصدر ذلك الى أنّ «صقر خرّب الثورة بتصرفاته المجنونة». وزعم «أننا خلال الاجتماعات كنّا نعترض، مثلاً، على قراره إرسال السلاح إلى منطقة ما لتركها ملجأً للمدنيين الهاربين من جحيم القتال، لكنه كان يُصرّ على قراره بهستيريا، غير عابئ بأرواح الناس». وأشار الى أن النائب اللبناني «كان يوزّع الأموال على قادة المجموعات المسلّحة من دون تمييز بين السفّاح المرتزق والمعارض الوطني». وقال: «والله لو المصاري والسلاح يلي دفعو عقاب وزّع بطريقة صحيحة لكان (الرئيس) بشار الأسد قد سقط أربع مرّات». وذكر المصدر مواقف «ظهرت فيها حقيقة صقر»، موضحاً أنه «كان يدعم بالسلاح لإسقاط النظام كرهاً بالنظام لا حُبّاً بالشعب السوري». وأكّد أن نائب المستقبل رفض، في أكثر من مناسبة، تقديم مساعدات مالية إلى جرحى أو لاجئين مدنيين بحجة أنّ «هناك منظمات إنسانية يمكنهم اللجوء اليها».
ورغم جرأة المصدر في الحديث وتسلّحه بكمية كبيرة من المعلومات، إلا أنه كان يُبدي خشية من صقر قبل انتقاله من تركيا إلى مكان آمن في سوريا. عقب هذا الانتقال، انخفضت حدة توتر المصدر رغم «اليقين» بأن النائب اللبناني سيبذل جهده للوصول إليه، لكنه أكد أنه ماضٍ في ما يقوم به «كرمى لعيون الأبرياء الباكية». ذكر أكثر من حادثة «أرسل فيها صقر أصدقاء لي الى الموت بأرجلهم وهو يعلم أنهم ميّتون لا محالة، بسبب شكوك ساورته حولهم أو لخلاف معهم». واشار الى «نفوذ غير محدود» للنائب اللبناني لدى الاستخبارات التركية، والى «ثقة عمياء» يوليه إياها السعوديون، الذين «كنت أشعر بأنهم يثقون به أكثر من ثقتهم بسعد الحريري نفسه». علاقات صقر، بحسب المصدر نفسه، لا تقف عند هذا الحد، إذ إن «علاقاته مميزة مع القطريين رغم التنافس المحتدم بينهم وبين السعوديين».
وأكّد المصدر أن صقر يقضي، منذ أشهر، معظم أيامه في تركيا «لمتابعة الثورة السورية لحظة بلحظة». ويشير الى أن النائب اللبناني غادر في احدى الفترات تركيا الى بلجيكا بسبب خلافات بين الأتراك والسعوديين، وبقي هناك لمدة شهرين، قبل أن يعود الى ممارسة نشاطه الذي تراجع قليلاً. وكشف عن اجتماعات دورية يعقدها صقر مع قادة ميدانيين في حضور ضباط استخبارات أتراك وقطريين وسعوديين. ولفت إلى أنّ صقر كلّف صديقه الشخصي لؤي المقداد، الناطق الرسمي باسم «المجلس الأعلى للجيش السوري الحر»، متابعة مهمات كان يقوم بها بنفسه، رافضاً إيكالها إلى أحد. وحول الصورة التي نُشرت لصقر والمقداد أخيراً، أكّد المصدر أن المقداد سرّبها بأمر من صقر بعد تلقيه معلومات بأنّ علاقتهما باتت مفضوحة. وكشف أن النائب اللبناني استُنفر نحو ثلاث مرات إثر تسرب أخبار عن وجود تسجيلات صوتية تدينه، كان مصدرها وسائل إعلامية وجهات أمنية تهدف إلى تحذيره. وحول ظهور صقر الإعلامي على شاشة المستقبل أخيراً من فرنسا، أكّد أنّ الحلقة كانت مقررة قبل اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن، لافتاً إلى أن صقر غادر إسطنبول في اليوم نفسه الذي أجريت فيه المقابلة لإبعاد الشبهات والإيحاء بأنه بعيد عن تركيا.
التسجيلات التي حصلت عليها «الأخبار» تُظهر دور النائب اللبناني، الذي يُعرف في أوساط المعارضة السورية المسلّحة بلقب «أبو الصقر»، في تسلّم طلبيات سلاح وتوزيعها والسهر على سير العمليات العسكرية. في الحلقة الأولى اليوم، ننشر مضمون تسجيل يتضمّن تسلّم صقر لائحة بالأسلحة المطلوبة من أحد القادة الميدانيين.
سيُعرَض التسجيل الصوتي في نشرة أخبار الثامنة إلا ربعاً على قناة «او تي في» وعلى الموقع الالكتروني لـ «الأخبار» في التوقيت نفسه.

غداً:
بإمرة صقر: غرف عمليات عسكرية بين لبنان وتركيا

التسجيل الأول: صقر يتلقى طلبية سلاح والتسليم «متل العادة»

في ما يأتي، نص التسجيل الأول لاتصال بين النائب عقاب صقر وأحد قادة المعارضة السورية المسلحة.

ابو النعمان (قائد احدى المجموعات المقاتلة): السلام عليكم

عقاب صقر: وعليكم السلام تفضل

أبو النعمان: يا أستاذ عقاب نحن جماعة مزنوئين كتير ومحاصرين ويعني ما في يوم يومين بتسقط المنطقة
عنّا يعني قصف طيران مدفعية فوزديكا
ما في محور من المحاور الاّ وعمبيضربونا منوّ
فرجاء ساعدونا بدنا سلاح

عقاب صقر: تفضل قلّي السلاح اللي بدّك شو يعني تحديداً شو الكميات

أبو النعمان: يعني الحقيقة بدنا شي 300 حبة آر بي جي وعشرين قاذف
واذا أمكن توفير 250 ألف طلقة روسية و300 بارودة على سلاح نوعي اذا في مجال

عقاب صقر: كل هول لأي منطقة بدكن ياهن تحديداً

أبو النعمان: أعزاز تل رفعت عندان وريف حلب بالكامل
وانت عرفان شو عمبيصير عناّ يعني
هلق من مبارح صار فايتين علينا من ثلاث محاور تقريبا من ادلب (…) ومن جوا حلب عمبيطلعولنا شبيحة

عقاب صقر: طيب مين بدو يستلم وين بدو يصير التسليم كيف بدّا تتم العملية؟

أبو النعمان: هو التسليم مثل العادة بيقسموهن… بيكون هونيك أبو البراء مع الشباب والسيارات بيستلموهن وبوجهن على حلب.
بس بدنا بأسرع وقت ممكن لأنو بتعرف الحاجة كبيرة والقصف شغال
والمجاميع مفرقة ذخيرة ما في
يعني الشباب كل واحد يا دوب معاه مخزن مخزنين وبتعرف الاستهلاك كبير فدبرونا بأي طريقة من الطرق الله يخليك
ما بعرف شو بدي قلك ما في من بعد الله الاّ غيركن.

عقاب صقر: انت حتكون على التسليم؟

أبو النعمان: لا أخوي بيكون أبو النور مع الشباب والسيارات متل العادة بيستلموا منك.

«النظام السوري يضلّل الإعلام الغربي»

لا يكاد النائب اللبناني عقاب صقر يترك صحيفة أجنبية ليعتب عليها؛ فـ«محرر سوريا» يكاد يكون النجم الساطع الأوحد في سماء داعمي الثورة السورية، بحسب الصحف الأجنبية ومقالاتها. فقد نشرت صحيفة «الغارديان» مقالاً لـ«إيان بلاك ومارتن شولف»، بعنوان «شحّ في إمدادات السلاح إلى الثوار السوريين».

وفي مقابلة مع «أبو وائل»، أحد عناصر «الجيش السوري الحر» في جبل الزاوية، قال: «في كل مرة يأتي عقاب صقر إلى أنطاكيا تبدأ الأسلحة بالتدفق إلينا». وبحسب المقال، فإن المعركة الكبرى في سوريا لن تكون في حلب، بل على الحدود الجنوبية لمدينة أنطاكية التركية التي تجذب الشخصيات المبتعثة من قبل أبرز القادة السياسيين السنّة في العالم، أو من كبار رجال الأعمال، ومن هذه الأسماء عضو كتلة المستقبل النائب اللبناني عقاب صقر.
وفي السياق نفسه، ذكرت «التايمز» البريطانية أن «رجل المملكة العربية السعودية في مركز تحكم إسطنبول الذي يُنسق مع «الجيش السوري الحر» هو سياسي لبناني من تيار المستقبل المعادي للنظام الحاكم في سوريا ويُدعى عقاب صقر». ولفتت الصحيفة إلى أن «الأخير يُشرف على توزيع كمية كبيرة من العتاد والسلاح والإمدادات على أربع مجموعات معارضة مسلحة، وهو موجود في تركيا».
كذلك فعلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية التي نقلت عن مسلّحين سوريين قولهم إن «المزوّد الرئيسي للأسلحة الآتية من الرياض هو النائب اللبناني عقاب صقر». إزاء كل ما ورد، واجهت الزميلة بولا يعقوبيان النائب صقر، خلال المقابلة التي أجرتها معه على شاشة «المستقبل» بهذا الكمّ من «الصحف الغربية المحترمة» التي تحدثت عن تورطه في ملف تسليح مجموعات المعارضة السورية، فردّ صقر مبتسماً: «يعيبون عليّ علاقتي مع المعارضين السوريين الشرفاء». وانطلق صقر من توقيت صدور هذه المقابلات ليتحدث عن حملة موجّهة ضده في تسلسل زمني مشبوه لشدة تقاربه. فذكر أن مقالة التايمز نُشرت في 18 أيلول ومقالة الواشنطن بوست في 19 أيلول ومقالة نيويورك تايمز في 6 تشرين الأول والغارديان في 10 تشرين الأول والإندبندنت في 16 تشرين الأول. كذلك رأى صقر أن الإشارة إليه في «متن المقالة، اعتمدت على يقال ويتردد»، مشيراً إلى أن المشكلة في مصدر الخبر، لا في الصحافي نفسه؛ إذ إن المصدر يمكن أن يكون مدسوساً من النظام في أوساط المعارضة لاختلاق الفبركات. وتحدث صقر باستهزاء عن أنه رغم التضخيم والتهويل «طلع إنو في كتيبة مقاتلة تلقت مني 6 بنادق و50 ألف طلقة». وقال إن مسألة الـ50 ألف طلقة تتعلق بموضوع المخطوفين اللبنانيين، مدعياً أن أحد الأشخاص طلب 40 ألف طلقة في مقابل إطلاق أربعة مخطوفين، فردّ صقر بأنه سيعطيه 50 ألف طلقة مقابل خمسة مخطوفين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.