الحشد الشعبي العراقي.. تسليح يناسب المرحلة

موقع قناة الميادين-

محمد منصور:

ظهور القدرات المسيرة بشكل متقدم في تسليح فصائل الحشد الشعبي يعدّ إضافة نوعية لتسليحها، ما يجعلها تشكل تهديداً واضحاً للتمركزات العسكرية الأميركية.

بالنظر إلى التفاعلات الداخلية الحالية في الساحة العراقية في ما يتعلق بالتواجد العسكري الأميركي، تتزايد أهمية دور وحدات الحشد الشعبي العراقية على المستويين التكتيكي والاستراتيجي.

منذ تأسيسها في العام 2014، ظلَّت قوات الحشد الشعبي على المستوى التسليحي والتنظيمي تعمل على هيئة “تشكيلات شبه عسكرية”، إلى أن تمّ تحويلها إلى قوات رسمية تابعة للدولة العراقية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. ومنذ ذلك التاريخ، تزايدت أعداد المقاتلين المنضوين تحت لواء هذه القوات. وتشير التقديرات الحالية إلى أن هذه الأعداد تتراوح بين 100 ألف و160 ألف مقاتل، يعملون ضمن نحو 85 تشكيلاً قتالياً.

مرَّت هذه القوات بمراحل مختلفة من التسليح والتجهيز والتدريب، فرضتها عدة عوامل ميدانية، أهمها الظروف التي صاحبت تشكيلها، بحيث وقع ما يقارب ثلث الأراضي العراقية فعلياً تحت سيطرة تنظيم “داعش”، ما حدَّد بشكل كبير إطار عمل هذه الوحدات التي كانت خلال السنوات التالية وحتى انتهاء عمليات تحرير الموصل في تشرين الأول/أكتوبر 2016 تتكوّن من تشكيلات من المشاة تفتقر إلى التجهيزات العسكرية المناسبة، وخصوصاً على المستوى اللوجستي والاستخباري.

خلال معارك الموصل، كان الدور الميداني لآلاف المنتسبين إلى كتائب الحشد الشعبي المختلفة يتركز بشكل أساسي على تقديم الدعم “النيراني” للوحدات العراقية النظامية التي كانت تتقدم من المحاور الجنوبية في اتجاه المدينة القديمة والساحل الأيمن والأيسر للمدينة.

هذا الدور كان يتضمّن الدعم الإعاشي للوحدات النظامية التي تألَّفت من ألوية مدرعة مثل “اللواء التاسع”، ووحدات الشرطة الاتحادية وكتائب المشاة والوحدات القتالية المساندة من مدفعية ميدان ومدفعية صاروخية ومضادات للدروع، لكن، وللضرورات الميدانية، تحوَّل هذا الدور خلال معارك الموصل – وخصوصاً في معارك المدينة القديمة – إلى قتال فعليّ على الأرض، كان فيه عناصر الحشد جنباً إلى جنب مع الوحدات النظامية في المعارك الضارية التي شهدتها شوارع المدينة.

خلال تلك المرحلة، حاولت كلّ كتائب الحشد أن تتفادى قدر الإمكان اللجوء إلى الجيش العراقي من أجل توفير الدبابات وناقلات الجند المدرعة وقطع المدفعية وغيرها، فلجأت إلى فحص محتويات مقابر الأسلحة الخاصة بالجيش العراقي السابق، سواء تلك الواقعة في منطقة التاجي شمالي العاصمة أو المقابر الأصغر في الديوانية والبصرة جنوب البلاد، وتمكنت من إعادة تأهيل أعداد محدودة من الدبابات الروسية والصينية، وناقلات الجند المدرعة، والمدافع المضادة للطائرات، ومدافع الميدان، واستخدمتها ميدانياً خلال معارك الموصل وما تلاها من عمليات لتطهير المحافظات العراقية من خلايا تنظيم “داعش”.

في العام 2018، توسّعت عمليات إعادة تأهيل المعدات العسكرية القديمة من جانب ورش الصيانة التابعة للحشد الشعبي في عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، إذ وافقت الحكومة العراقية على زيادة الأعداد المسموح بإعادة تأهيلها من العربات المدرعة والدبابات الموجودة في مقابر السلاح، على أن تتم عمليات التأهيل على نسقين؛ الأول يتم فيه شراء بعض قطع الغيار اللازمة لتشغيل هذه الآليات – مثل المحركات وأجهزة القيادة والسيطرة – من دول خارجية أو من خلال تصنيعها محلياً.

أما النسق الثاني، فكان عبر نقل قطع الغيار الصالحة للعمل بين العربات المدرعة والدبابات الموجودة في مقابر السلاح القديمة، بحيث يتم الوصول في النهاية إلى إعادة تأهيل العربات والدبابات الأفضل في حالتها الفنية، اعتماداً على قطع الغيار المنقولة من عربات ودبابات مماثلة. هذه السياسة أدّت إلى دخول ما بين 800 و1000 عربة مدرعة ودبابة وشاحنة عسكرية إلى الخدمة، سواء في الجيش العراقي أو في وحدات الحشد الشعبي المختلفة.

في ما يتعلَّق بالقدرات الصاروخية لقوات الحشد الشعبي، كانت تقتصر في البداية على إعادة تأهيل راجمات المدفعية الصاروخية من عيار 107 ملم و122 ملم، لكن خلال معركة الموصل، عملت هذه القوات على تطوير مجموعة من الصواريخ القصيرة المدى، واعتمدت في تطوير منصات إطلاقها على شاحنات عسكرية وعربات خاصَّة بالدفاع الجوي، تمت إعادة تأهيلها أيضاً من مقابر السلاح الخاصة بالجيش السابق.

في أواخر العام 2018، بدأت قوات الحشد الشعبي بعمليات تطوير جدية للدبابات التي تمت إعادة تأهيلها، وخصوصاً الدبابات الروسية “تي-55″، وأسفرت هذه العمليات عن تقديم النموذج الأول للدبابات المطورة من هذا النوع، تحت اسم “كفيل-1″، الذي تم الكشف عنه للمرة الأولى في العام 2019، وتم تصميمه اعتماداً على الخبرات المتراكمة من معارك الموصل، وخصوصاً التجارب التي خاضتها الفرقة التاسعة المدرعة، التي كانت تتسلح بالدبابات الأميركية “أبرامز”، فتم تزويد دبابات “الكفيل” بكاميرات للرؤية البانورامية حول بدن الدبابة، وكاميرات أخرى بعيدة المدى للرؤية النهارية والليلية، إلى جانب محرك أوكراني الصنع بلغت قدرته 580 حصاناً، ومدفع رئيسي من عيار 100 ملم، إلى جانب قمرة متحكم فيها عن بعد، مزودة برشاشات من عيار 12.7 ملم.

تعدّدت محاولات قوات الحشد الشعبي لتطوير ترسانتها من الأسلحة، والدخول إلى مرحلة جديدة أكثر “نوعية” في هذا الإطار، وكان أبرز هذه المحاولات هو زيارة رئيس هيئة الحشد الشعبي إلى العاصمة الروسية في أيلول/سبتمبر 2019. لم ينتج من هذه الزيارة أية تغيرات واضحة في تسليح قوات الحشد الشعبي، لكن أظهر العرض العسكري الذي قامت به وحدات الحشد الشعبي مؤخراً في معسكر “أبو منتظر الحمداوي” شرقي مدينة ديالي، احتفالاً بالذكرى السابعة لتأسيس وحدات الحشد الشعبي، أن القدرات التسليحية التي باتت هذه القوات تمتلكها، تلقت دفعات قوية إلى الأمام خلال الفترة الماضية.

ظهر خلال هذا العرض 3 أنواع من الطائرات من دون طيار؛ النوع الأول هو طائرة هجومية من دون طيار تطابق في تصميمها الطائرات الإيرانية الصنع “مهاجر-6″، وتحمل على متنها صاروخين مضادين للدروع. أما النوع الثاني، فهو طائرة استطلاعية من دون طيار، يبدو تصميمها قريباً جداً من طائرات “أبابيل-3” الإيرانية الصنع. النوع الثالث هو طائرات “سفير” الاستطلاعية الصغيرة الحجم، التي تشابه في تصميمها طائرات “راصد” التي تمتلكها القوات المسلحة من جيش ولجان شعبية في اليمن.

ظهور القدرات المسيرة بشكل متقدم في تسليح فصائل الحشد الشعبي، يعدّ إضافة نوعية لتسليحها، ما يجعلها تشكل تهديداً واضحاً للتمركزات العسكرية الأميركية في العراق، وخصوصاً أنَّ هجمات متعددة بالطائرات المسيرة تمت على عدد من هذه التمركزات خلال الفترة الماضية.

تمثّل هذه القدرات في الوقت نفسه إضافة إلى القدرات التسليحية للعراق بشكل عام، وخصوصاً في ظلِّ تراجع القدرات الجوية للجيش العراقي، سواء على مستوى إعداد المقاتلات الصالحة للتحليق أو على مستوى الطائرات من دون طيار، فقد صرحت القوة الجوية العراقية مؤخراً أنّ أعداد المقاتلات من نوع “أف-16” الصالحة فنياً للقتال تراجعت من 34 مقاتلة إلى 24 مقاتلة فقط، نتيجة لنقص قطع الغيار.

كما أنّ أعداد الطائرات من دون طيار، الصينية الصنع من نوع “سي أتش – 4″، العاملة في سلاح الجو العراقي، تراجعت بشكل حاد من 10 طائرات عاملة إلى طائرة واحدة فقط بحلول آب/أغسطس 2019، نتيجة لمشاكل متعلقة بالصيانة والتشغيل.

تضمَّن العرض العسكري للحشد الشعبي أيضاً مجموعة من المعدات العسكرية المثيرة للاهتمام، منها زوارق هجومية تابعة لـ”اللواء السابع النهري”، وهي جزء من قوة نهرية ضمن تشكيلات الحشد الشعبي. ومن خلالها، يمكن المناورة في المناطق الساحلية بشكل فعال.

ظهر في العرض أيضاً نموذج جديد من نماذج تطوير دبابات “تي-72” الروسية، التي كانت تتسلَّح بها سابقاً قوات الحرس الجمهوري العراقية قبل العام 2003. ويشمل هذا التطوير – الذي يطابق إلى حد كبير تطويراً مماثلاً قامت به الصناعات العسكرية الإيرانية على الدبابات الإيرانية من النوع نفسه – تطويراً شاملاً لبرج الدبابة وتزويده بدرع إضافية على الجانبين الأيمن والأيسر.

وأخيراً، ظهر من خلال هذا العرض أنّ قوات الحشد باتت تمتلك تشكيلة من العربات المدرعة المختلفة المنشأ، منها العربات المدرعة الإيرانية الصنع “رخش” و”طوفان” و”سفير”، وبعض العربات المدرعة الأميركية المنشأ من نوعي “هامفي” و”تيرير”، وناقلات الجند المجنزرة “أم-113″، وهو ما أضاف إلى الطابع العام لتسليح قوات الحشد الشعبي مزيداً من التنوع والفعالية، وخصوصاً أن هذا التوجّه يدل على أن هذه القوات باتت تتّجه بشكل أكبر إلى الاعتماد على الآليات والمدرعات وناقلات الجند في وحدات المشاة الخاصة بها، لتتحول كلياً إلى “مشاة ميكانيكية”.

إذاً، بشكل عام، نستطيع أن نقول إن تغيرات جذرية طرأت على تسليح قوات الحشد الشعبي وهيكلها القيادي والإداري منذ نهاية معركة الموصل وحتى الآن، فقد تحولت هذه القوات على المستوى التنظيمي إلى وحدات نظامية كاملة التجهيز، تمتلك كل صنوف السلاح والعتاد الحربي المتوفرة لدى الجيوش النظامية، وتعوّض غياب الطائرات المروحية وذات الجناح الثابت عن ترسانتها، بإدخال الطائرات المسيرة الهجومية إلى الخدمة بشكل فعلي، ولكن تبقى هذه القدرات محل اختبار جدي خلال الأيام المقبلة، في ظلِّ ترقب الجميع في الداخل العراقي الوضع النهائي للقوات الأميركية المتواجدة حالياً في الأراضي العراقية، والتي، وإن كان انسحابها الرسمي بات قريباً جداً، إلا أن استمرار دور القوات الجوية الأميركية في العراق ربما سيفرض على وحدات الحشد الشعبي الدخول بشكل جدي في جانب آخر من جوانب التسليح النظامي، وهو الدفاع الجوي.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.