الحكومة ستشكّل وعون سيربح… مجدّداً

صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
غسان سعود:

سيخرج رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، منتصراً، مرة أخرى، من «معارك» تشكيل الحكومة.
حين قرر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، «الترفّع» عن المشاركة في السلطة، ما دامت أرضية كراسيها تتناقض مع قناعاته، كان يربح معركته الشخصية شعبياً، ويشق طريقاً مختلفاً عن سائر المرشحين إلى رئاسة الجمهورية. وحين قرر الرئيس أمين الجميّل المشاركة في السلطة، من دون سؤال عن حجم حصته أو لونها أو مواد البيان الوزاري، كان يربح هو الآخر معركته الشخصية عائلياً ويعلن برنامج ترشحه لرئاسة الجمهورية.

وحين أنسى الكرسي الحكوميّ النائب بطرس حرب مصعد منزله واحتمال جلوسه إلى جانب محمود الحايك وزيراً عن حزب الله على طاولة مجلس الوزراء، كان يؤكّد للمشككين أنه لا يزال هو نفسه، يصلح ليكون رئيساً للجمهورية.
وعليه، كان لا بدّ أن يخوض عون معركته الشخصية، متطلعاً إلى ثلاثة انتصارات:
أولاً، شد العصب العوني حول جبران باسيل أكثر فأكثر. حوّل عون، مرة أخرى، الحملة عليه بحجة تعطيله تشكيل الحكومة ريثما تحلّ «معضلة الصهر»، المختلفة كل مرة، إلى حملة تضامن عونية مع باسيل ــــ «الناجح في وزارته» يقول الإعلان و«المتفوّق بين زملائه» يتابع الجنرال ــــ الذي «تصرّ الطبقة السياسية على ظلمه وإبعاده وسرقة جهوده الجبارة». يخسر الجنرال، قليلاً، وسط من «يكهربهم» ذكر وزير الكهرباء ويهمّهم إبصار الحكومة النور أكثر مما يهمّهم أسماء وزرائها، فيما يربح باسيل، كثيراً، وسط العونيين الذين يغفون عامين أو أكثر ريثما يوقظهم مجدداً قرع طبول توزيره. ورغم معرفة عون بأن قوى 14 آذار تستثمر في تمسكه بباسيل لزعزعة صورته، فإن أولوياته اليوم تقضي بإحاطة باسيل بهذا العصب العوني وجعله العنوان الوحيد لمعارك التيار ورمزه الأوحد في الإصلاح والتغيير.
ثانياً، غلب عون جعجع في المعركة الشعبية عبر إثبات قدرته على تحقيق أكبر مكاسب سلطوية للمسيحيين الذين لا يريدون، وفقاً لحسابات الجنرال، الخروج اليوم من النظام، ولا أداء دور الحطب في الصراع السني ــــ الشيعي في المنطقة، ولا قيادة الطائفة السنية.
وثالثاً، إعلان الجنرال برنامج ترشّحه لرئاسة الجمهورية بوصفه قادراً على تحقيق تطلعات من يمثلهم من دون أن يتنازل عن قناعاته من جهة، ومن دون أن يتصادم مع الأقربين والأبعدين من جهة أخرى.
ويشير أحد المتابعين إلى أن كل العناد الذي تسنّى للمعنيين بتشكيل الحكومة رؤيته، في الأسبوعين الماضيين، لا يقارن أبداً بما سيكون الوضع عليه في الرابية إن فكّر أحد الحلفاء بترشيح غير الجنرال للرئاسة الأولى، أو اقترح أحد الوسطاء حلاً وسطياً. مع العلم أن الأوساط المطلعة في التيار الوطني الحر والحلقة السياسية الجديدة التي يدور فيها باسيل، منذ أشهر، لم تكن، حتى أيام قليلة مضت، تصدّق تأكيدات حزب الله بعدم وجود طبخة إقليمية كاملة تشمل الحكومة ورئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، وأن الحزب سيوافق، بهذه الحماسة، على عودة الحريريين إلى السلطة من دون الحد الأدنى من الضمانات المتعلقة بنفوذ كل منهما في السلطة ومتفرعاتها. وكانوا يتساءلون: كيف يقبل الحزب اليوم بعودة وزارة الداخلية إلى المستقبل ولو بوزير مقنّع، بعدما استقالت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بسبب رفض الحزب تمديد ولاية اللواء أشرف ريفي؟ ولماذا لم يعد يعني الحزب من يكون وزير الاتصالات أو وزير الطاقة؟
هؤلاء باتوا اليوم واثقين من عدم وجود «سلة متكاملة». لذلك، عاجلاً أو آجلاً، ستتشكل الحكومة التوافقية بمشاركة عون بعد تحقيق الرئيس المكلف اثنين من الشروط العونية الثلاثة للمشاركة: حصول تكتل التغيير والإصلاح على حقيبة سيادية وأخرى أساسية، فيما يعلم المعنيون بالتشكيل أن الطلب العونيّ الثالث بجعل الحكومة ثلاثينية شكلي أكثر منه جوهرياً.
يدرك عون أن ثمة قراراً دولياً حاسماً بوجوب تشكيل حكومة توافقية. يعرف، ثانياً، أن حزب الله لن يزعزع (وليس يتخلى) تحالفه المتين مع الرابية، لثقة الحزب بأن التفاهم مع المستقبل يقضي بالتهدئة فقط، ولا أرضية يمكن الطرفين تطوير التقائهما عليها. ويعرف، أيضاً، أن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف لن يعارضا الإصرار الحريريّ على تشكيل الحكومة والتمسك البطريركي بميثاقيتها. في وقت تتجمع لديه معطيات بأن من تحملوا تعطيل الصراع بين المستقبل وحزب الله لتشكيل الحكومة تسعة أشهر يفترض أن يتفهموا معاندة عون تسعة أيام (أو حتى أسابيع) حتى لا يدفع من مكتسبات تياره (أو طائفته كما بات يحلو له القول) ثمن اتفاقهما. وهذه ليست المرة الأولى التي يفاجئ بها عون حزب الله بعناده وإقفاله أبواب الحوار حتى معه، تاركاً مفاوضيه في حيرة من أمرهم. ولا هي المرة الأولى التي يكتشف فيها الرئيس نبيه بري أن كلمة فريقه السياسي النهائية ليست في يده. أما على مستوى الرئيس المكلف تمام سلام، فقد سبقه إلى الرابية كل من نجيب ميقاتي وسعد الحريري وفؤاد السنيورة، وعادوا مذهولين ضائعين، فكيف حال سلام عندما يغادر منزله؟
ستحل الأزمة الحكومية لتبدأ أزمة الجميّل وجعجع وحرب النفسية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.