الذّراْئعيّون الجدُد

usa-congress

صحيفة الخليج الإماراتية ـ
خيري منصور:

مَنْ يُعْربون عن دهشتهم من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ومجمل هذا العالم، هم فريقان أحدهما يتعامل مع الواقع عَنْ بُعْد وربّما على ارتفاعات شاهقة، فلا يرى بكل تضاريس الأرض غير مُجَسّمات صغيرة، ويحرمه هذا التحليق العالي من ملامسة الواقع بكل صلابته، وفجاجته في بعض الأحيان .

والفريق الثاني مُشْبع بثقافات شرقية بها قدر من الرومانسية، وقدر آخر من المناقبية والفروسية، أما مَنْ يفهم الولايات المتحدة منذ تبلورت استراتيجيتها، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية حين بدت الواعدة بخلاص الشعوب ورفعت شعار ما بعد الاستعمار، لا يفاجأ بقلب ظهر المجن، كما يقال، لجنرالات كانوا أصدقاء الأمس، ولأباطرة أيضاً ظنوا أن الولايات المتحدة لن تُفرّط بهم، وتكررت هذه الظاهرة مع عدة “بنيوشيهات” و”شاهات” أيضاً في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .

بينوشيه لم يكن منذ البداية مدرجاً في قائمة الطغاة والمستبدين في معجم السياسة الأمريكية، ويعترف هنري كيسنجر بما قدمته أمريكا لهذا الرّجل قبل أن يتورّط بخريفه السياسي والعسكري معاً .

شاه إيران بعد انتهاء صلاحيته حمل قبره على ظهره كالسلحفاة وأخذ يطوف العالم لعلّ باباً أو مقبرة تفتح له لينام إلى الأبد، وإذا صح لنا نَحْتُ مصطلح وسيط بين الصديق والعدو فهو ما يمكن تسميته “أَعْدِقاء” أمريكا، وهم الذين يتحوّلون إلى أعداء مؤجلين أو أصدقاء فقدوا مبررات الصداقة التي هي في الجوهر وظيفة أو دور سياسي . لهذا يفاجأ مَنْ لا يفهمون صلب الاستراتيجية الأمريكية بمواقف تبدو كما لو أنها خذلان أو من قبيل التّخلي، فالبراغماتية ليست مجرد مصطلح ينسب إلى براغمانوس أو أطروحة مضادة للفروسية بمعناها “القروسطي”، إنها جملة من المفاهيم لا ترى أية قيمة لفكرة إن لم يكن لها ما يعادلها على أرض الواقع .

لهذا هي أقرب إلى ما نسميه في لغتنا الذرائعية، لأنها تتذرع بأيّ سبب كي تغيّر موقفها من قضية أو شخص أو ظاهرة، ولا تجد في ذلك حرجاً، لأنها باختصار تقيس كل شيء في ضوء مصالحها . أما البعد الآخر الذي يتهرّب البعض من ذكره فهو نَمَط الحكم الديمقراطي وعدم وجود مساحة للشّخْصنة أو التعْبير الانفعالي لدى الرئيس، فهو مثلاً لا يملك أي حق في العفو عن قاتل، ويتعرض لمساءلات لا آخر لها إذا أساء استخدام الضرائب في حروب أو أزمات .

الفروسية بمعناها الأخلاقي ليست من عالم السّياسة، لأنها صنعة أفراد وليست سمة لنظم أو أَنْساق في الحكم .

ولا ندري كم مرة سوف تتخلى أمريكا عن الأصدقاء القدامى أو “الأَعْدِقاء” كي يكف البعض عن الاندهاش مما نسميه قلب ظهر المجن لحلفاء الأمس وأعداء اليوم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.