الروسي عبر النهر: ماذا يحدث في شرق الفرات؟

موقع العهد الإخباري-

عبير بسام:

هل تعاظم الخلاف الروسي – التركي وبان على السطح؟ أو هل يمكننا القول إن التوافق على ما يحدث في سوريا قد انتهى وبات إعلان موت اتفاق أستانة أمراً محتوماً؟ الاتفاق ولد محتضراً، لم ينفذ التركي أيّاً من بنوده مستغلاً الظروف الدولية ليلعب على الحبال ما بين واشنطن وموسكو. وبعد تفاقم الخلاف بينه وبين الدول العشر ليصل حد طرد السفراء فهذا معناه أن تركيا لا تملك سوى استعراض القوة لتهدد به. ولكن في المقابل فإن القادر على الوقوف في وجهها هو الروسي الذي “عبر النهر” في السابع والعشرين من هذا الشهر، بحسب مصدر لـ”العهد”. وقد تم تداول مشاهد لطائرات روسية في مطار الحسكة العسكري في شرق الفرات، وهذا ما لم يحدث خلال 11 عاماً من الأزمة السورية. كما أكد المصدر أن هناك ترتيبات محددة قائمة بين الروسي والأميركي بخصوص هذا الأمر لأن “الروسي لن يتحدى ولن يستفز الأميركي ولا يمكن أن يدخل منطقة شرق الفرات دون اتفاق”.

بينما كان أردوغان يصرخ: “لسوف نريهم من هي تركيا” خلال خطاب جماهري كبير مبرراً فيه طرد السفراء، كان للآخرين قول آخر! ولم يبق لأردوغان سوى طرد السفير الروسي ليصبح في أكبر عزلة دولية عرفتها تركيا. وبناء على ما قاله مصدر “العهد” منذ يومين “يبدو أن الخلاف الروسي التركي صار على السطح، فقد عبر الروسي النهر”. ويقصد بالتأكيد نهر الفرات، فقد عبرته قواته من غرب الفرات إلى شرقه. ويرى المصدر أن ما يحدث هو أولا: “ملء للفراغ الذي سيتركه الأميركي بعد رحيله”، وثانيا: “منع أردوغان من القيام بأي دور محوري عسكري في المنطقة”. ويأتي ذلك في سياق صدّ أيّة عملية تركية في شمال شرق سوريا، وبالتحديد ضد الأكراد. وهو أحد أسباب الخلاف بين أردوغان ودول الناتو الكبرى.

تدل الحشود التركية في إدلب، بحسب المصدر، على عمق الخلاف الروسي – التركي، بسبب تقاعسه عن تنفيذ اتفاقيات أستانة وسوتشي، وأن هناك توافقًا أميركيًا – روسيًا بالتأكيد للجم التركي. وبناء عليه، يطرح التساؤل فيما إذا كنا نتلمس مفاعيل اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الأميركي جو بايدن في جنيف في 16 حزيران/ يونيو الفائت، وأن تساؤلات الصحف الأميركية حول جدوى وجود الأميركي في سوريا باتت تنخر عظمه، خاصة بعد انتشار أخبار المقاومة في شرق الفرات، والتي بات اسمها يتداول بشكل رسمي، ومن ثم جاء قصف قاعدة التنف ليشهد على الانكشاف العسكري الأميركي.

وترى الصحافة الأميركية الكبرى ومنها مجلة “ناشونال إنترست” الأميركية، أن الولايات المتحدة لم تنجح في تحقيق أي تقدم في منطقة الشرق الأوسط، مضيفةً “على واشنطن الاعتراف بأنها خسرت معركتها في سوريا”، معركة وصفتها بأنها فاشلة بجميع المقاييس، وأن الوجود الأميركي أصبح لا طائل ولا فائدة منه. ونشر مقال، في 25 من هذا الشهر، في “نيوزويك” بعنوان “المهمة الأميركية في سوريا فاشلة، فلا تحولوها إلى كارثة”، وتحدث فيه الكاتب جيف لامار عن أسباب ومراحل الدخول الأميركي إلى سوريا والتي سارت من فشل إلى آخر، وأن الهدف الأساسي لدخول القوات الأميركية، هو دعم معارضي الأسد وتسليحهم وقلب النظام، ومن ثم انتقلت إلى دعم ما يسمى بـ الجماعات “الجهادية” الإرهابية، وبعد ذلك توجهت أمريكا إلى تجنيد الأكراد ضد الدولة.

ويجد الكاتب أن الوجود الأميركي في وسط قاعدة في الصحراء من 200 جندي أو وجودها لدعم قسد في شرق الفرات، التي توقفت عن قتال “داعش” ولم تعد ذات أهمية في تحرير المدن من الإرهاب، هو وجود بلا فائدة، ونتائجه كارثية بعد أن تعرضت قاعدة التنف للقصف. ويشير الكاتب الى القوى الداعمة للدولة السورية، ومنها روسيا التي تقف إلى جانب الحكومة السورية التي صمدت، وفشل الأميركي في احتواء الوجود الإيراني في سوريا.

وبالتالي وبحسب “العهد” هناك اقتراح لمحاولة إيجاد قوة دعم بين “الناتو” وبين الروس: “تحالف روسي مع الناتو، شيء يشبه إيساف [ ISAF قوات المساعدة لإرساء الأمن في أفغانستان] من أجل القضاء على الإرهاب”. بالطبع هذا كلام مثير للجدل، ويشبه التكفير عما اقترفته دول الناتو من أخطاء في سوريا، بعد نشر الاعترافات حول الخطأ المقترف في سوريا بتصريحات باراك أوباما وجون كيري وآخرين، ولكن الخطوة إذا ما أخذت فستكون ضمن إطار حفظ ماء الوجه قبل الخروج النهائي من سوريا.

من الواضح أن موقف الأميركي يتناسب مع ما قاله دونالد ترامب: “لا يمكننا البقاء في سوريا إلى الأبد”. فهل انتهى هذا الأبد؟ ولكن يبدو أن هناك نوعا من التوافقات التي ما تزال تحتاج إلى ضبط إيقاع مع السوري، ومنها عمل الشركات الأميركية، التي استجلبها ترامب إلى شرق الفرات، وخاصة في حقول رميلان وكرتشوك، وحقل العمر الهام، والتي قامت باستصلاح الآبار هناك، ولذا لا بد من إيجاد تسوية ما حول بقاء هذه الشركات إلى أجل محدد وتوافق على أن تعمل في ظل حماية الدولة السورية في حال خرج الأميركي، وهذا ما يجب بحثه في حقيقة الأمر. وقد أشار المصدر إلى هذه النقاط متوقعاً ما ستشهده المرحلة القادمة من خروج الأميركي، الذي يبحث عن مخرج لا يشبه ما حدث في أفغانستان. ولكن، من خلال معرفة توجهات القيادة السورية، هذا لن يحدث دون عودة للعلاقات الدبلوماسية لدول الناتو مع سوريا، ولو على مستوى القناصل.

شهد الأكراد في الشهرين الماضيين حركة كثيفة، وبالطبع ارتبطت بما حدث في افغانستان، وبالخوف من تكرار تجربة الهجر الأميركي معهم. ولذا بعد زيارة إلهام أحمد إلى موسكو على رأس وفد من مجلس سوريا الديمقراطي، وطلبت الحماية الروسية من الخطر التركي، تابعت طريقها إلى واشنطن لحضور مؤتمر لمعهد أبحاث واشنطن في بداية الشهر الحالي، زيارة غير رسمية بالشكل ولكنها التقت فيها بمسؤوليين أميركيين من الكونغرس، وأطلقت من هناك التصريح الناري بأن الأميركيين باقون. وفيما كانت تركيا تنتظر الضوء الأخضر الأميركي لتوجيه ضربة للأكراد في شمال شرق سوريا، جاء العبور الروسي للنهر لقطع الطريق على أية عملية تركية، اذ إن: “القرار بتحجيم اردوغان قد اتخذ”.

وما حدث لا يعبر فقط عن عمق الخلاف الروسي – التركي حول الملفات العالقة في سوريا، اذ إن الأميركي قد ضاق ذرعاً بتجاوزات التركي واستفزازه للجميع، فسمح بلجمه. وهذا معناه بحسب المصدر “موت محادثات أستانة”. ولكن هذا لا يعني أن الكردي مرتاح، فهو بحسب مصدرنا “يتلمس رأسه”، ولأسباب محلية إضافة إلى الخارجية، وأنه “لم يحصل على أية ضمانات بالحماية من الأميركي، ولذلك فقد لجأ للروس”. والدليل على ذلك يقول المصدر: “هو عبور النهر!”، ويكمل: “ويبدو أنهم سيتوجهون لطاولة المحادثات مع الدولة السورية قريباً جداً”. والأكثر من ذلك، بعد زيارة واشنطن لم يبق للأكراد ما يفاوضون عليه، سوى الحفاظ على مكونهم الإثني أو العرقي كمواطنين لا ميزة لهم عن أيّ مواطن سوري في الدولة وفي منطقة الجزيرة بالذات. وهذا ما تحدث عنه مطولاً المسؤولون السوريون في العديد من اللقاءات وما أشار إليه الرئيس الأسد حول استحالة تقسيم سوريا، أو إقامة كانتونات فيها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.