الستالينغراديّة القلعة والشاميّة العصية

stalingrad

صحيفة الديار الأردنية ـ
م.يلينا نيدوغينا:
هي المعركة الفاصلة التي استمرت ستة شهور, ما بين الحادي والعشرين من أغسطس آب 1942 والثاني من فبراير شباط 1943 في الحرب العالمية الثانية, حيث أسقط الجيش الاحمر السوفييتي في ستالينغراد أكثر من مليون ونصف المليون عسكري عدو من النازيين والفاشيين قتلى خلال شهرين من العِراك الضاري الذي لم تشهد البشرية مثيلاً له على الإطلاق, فقد كان النزاع يجري على كل شبر من الأرض المحروثة والمحروقة بالقنابل والقذائف, منزل وشقّة, شارع وزقاق وبهو, حديقة وبستان, وفي خواتيم المعركة أسر الجيش السوفييتي المغوار “205” آلالف جندي الماني على رأسهم الفيلدمارشال باولوس ودمّر جيشه السادس ليصبح أول الجيوش الألمانية المُبادة بالكامل خلال الحرب, هذا عدا أعداد كبيرة من عسكريي حلفاء الفيرماخت الرومانيين والمجريين والايطاليين, واستولت القوات السوفييتية على ستين ألف عربة عسكرية و6700 مدفع و1500 دبابة, في أكبرهزيمة حلّت بجيش ألماني في ميدان القتال في كل تاريخ المانيا القديم والحديث. وقد تجلّت في موقعة ستالينغراد صفات جديدة في الفن الحربي للجيش السوفييتي الذي اكتسب خبرة إطباق كماشة عسكرية على العدو المُنهك وتفتيته ومِن ثم تدميره. وأثارت نتائج معركة ستالينغراد إرتباكا في صفوف دول المحور الحليفة لألمانيا الهتلرية زالشيكل غروبيرية”, التي صَارت تواجه أزمة, كالأنظمة الفاشستية في كل من أيطاليا ورومانيا والمجر وسلوفاكيا والتي كانت تحت إدارة موسوليني, الامر الذي ادى الى انخفاض النفوذ الالماني فيها وخروجها من الحرب فيما بعد. وبذلك كانت ستالينغراد القلعة الشامخة التي صُدّت أمام أبوابها العصية جحافل الطاعون البُني, نقطة تحوّل جذري في مجرى الحرب الكونية الثانية, إذ أخذ الجيش السوفييتي زمام المبادرة واندفع سريعاً بعد النصر فيها صوب الغرب.. صوب الدول الاوروبية المُحتَلةِ نازياً وفاشستياً, حتى كان له طَرد الألمان ومشايعيهم من جميع أراضي أوروبا الشرقية وبعض الاجزاء الغربية منها.
في ستالينغراد العصية على الاجنبي, كما التكتيك ذاته المتبع اليوم في الدولة الوطنية السورية العصية على جحافل الارهابيين وأنظمتهم, صدرت الأوامر لقوات الجيش الثاني والستين السوفييتي تحت قيادة الجنرال تشويكوف أن يتشبث بالدفاع عن المدينة الى آخر قطرة دم.. فوراء جنوده كمنت روسيا الشاسعة. فدافعت الوحدات السوفييتية عن كل شارع ومصنع وتمكسّت بمواقعها الدفاعية خلف الجدران, ووراء أنقاض المباني, وفي الحُفرِ التي شكلتها القنابل الضخمة, فتحوّلت ستالينغراد إلى أنقاض وكتل من الحديد المصهور وأكوام من الحجارة والكتل الاسمنتية المُهشّمة, لكنها أبت الاستسلام. غير أن الضربات الرئيسية لتحريرالمدينة جاءت من خارجها, وكانت على هيئة هجوم أعده المارشال العظيم جوكوف القائد الفعلي والاسطوري للجيش الاحمر, لمحاصرة القوات الألمانية المنكهَة في داخل المدينة والتي أُعِيقت حركتها. كما قام الجيش السوفييتي بحصار مزدوج سمّاه زالمنجل والمطرقة” لمحاصرة الجيش الألماني السادس, فكانت الضربات الأولى من الشمال, ثم جاءت عملية الاختراق من الجنوب. فتم القضاء على ثلاث فرق من الجنود الإيطاليين والمجريين في تقدم سريع صوب الجنوب الغربي عبر نهر الدون, وأطبقت التشكيلات السوفييتية عليها من جميع الجهات, فسُدت أمام الألمان كل طرق الإنسحاب وكوى النجاة, وبذلك تمت محاصرة الجيوش الألمانية.
من دروس معركة ستالينغراد أنها ملحمة حقيقية شكّلت بداية النهاية لألمانيا الهتلرية والهتلرية ذاتها, فلم تحقّق قوات النازية بعدها أية انتصارات على الجبهة الشرقية السوفييتية الالمانية, بل أنها أعطت الاتحاد السوفييتي دفعة حقيقية للتطلع الى الشرق, حيث قوات العسكرتاريا اليابانية التي كانت تعمل على استرقاق الصينيين والكوريين والشعوب الاخرى وضم الصين ومنغوليا والعمل للاستحواذ على أراضي سيبيريا إليها في تطبيق إمبرطوري إستعماري لما يُسمى زبالمجال الحيويس لليابان, التي طالما سعت الى الخروج من جزائِرها المائية نحو البر الآسيوي الكبير. وقد عمل الكرملين أنذاك على حماية جبهته من الشرق الجغرافي ومساندة التطلعات التحررية للصينيين والكوريين بزعامة ماوتسي تونغ وكيم إيل سونغ.
وفي الدروس الحربية الأخرى التي لا يحب ولا يرغب الغرب السياسي وعلى رأسه الإدارات الأمريكية ذكرها أو تذكّرها, أن النصر السوفييتي في ستالينغراد منع قوات زهتلر شيكل غروبر” وموسوليني من تعزيز توجهاتهما الاحتلالية في شمالي أفريقيا وآسيا الشامية والعربية برمتها, فقد كان زهتلر شيكل غروبر” يحلم بأن يكون إمبرطوراً متوّجاً وعظيماً على القدس ودمشق وبيروت القاهرة وبغداد وفلسطين وبلاد الشام الكبرى بدولها العربية المعاصرة فلسطين والجمهورية العربية السورية والاردن ولبنان, فلم يكن له ما أراد, بسبب صمود القوات السوفييتية الاسطوري وانتقالها الى المبادأة في الهجوم المعاكس الشامل على طول الجبهة في القتال فدحر قوات الفوهرر الى الغرب الاوروبي, وإضعاف شوكة قواته التي توسّلت الدعم العسكري من جبهات أخرى من شمالي أفريقيا وفتح ثغرة في خاصرة شرقي روسيا, والتغلغل نحو النفط في القوقاز والعالم العربي خاصة في العراق وشبه الجزيرة العربية, فالشام بحضارتها الأولى في البشرية والقدس المُقدّسة كانت حلُم هتلر للسيطرة من خلالها على العالم أجمع, فكان لهتلر الموت على يد الروس والسوفييت الذين أنقذوا, مرة اخرى وجديدة, فلسطين والاصقاع الشامية والعربية من احتلال نازي أبدي كان يَنظر إليهم كأُمة تقبع في نهاية سُلّمِ التطوّر والثقافة والحضارة!.
*كاتبة روسية وممثلة العالم العربي في اللجنة التنفيذية لرابطة الصحافة الروسية في العالم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.