السعودية وغصة التحولات

saudi-arabia-leader
وكالة أخبار الشرق الجديد:
غالب قنديل:

منذ ردع العدوان الأميركي على سوريا وبروز التحولات الدولية والإقليمية الجديدة تثير المواقف السعودية المتلاحقة انطباعات واستنتاجات عن حالة من الغضب والإحباط بلغت تعبيراتها حد إلغاء كلمة سعود الفيصل في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتزايدت التساؤلات الصحافية عن مستقبل العلاقات الأميركية السعودية بعد الإعلان عن توجه الإدارة الأميركية نحو الحوار مع إيران بينما تتابع دوائر دولية وإقليمية عن كثب ما يحيط بالوضع الداخلي للمملكة من صراعات ومشاكل بعضها مكتوم وبعضها معلوم .

اولا الهزيمة التي مني بها الرهان على تدمير الدولة الوطنية السورية تمثل ضربة صاعقة لمساهمة المملكة الرئيسية في خطط الولايات المتحدة وإسرائيل لتغيير البيئة الاستراتيجية التي قلصت النفوذ الغربي وقوضت هيبة الردع الإسرائيلية التي أنشات مناخا مواتيا لتشكل ما سمي بالحقبة السعودية التي أثمرت محاولات متلاحقة قامت على خطط التسويات العربية الإسرائيلية ومشاريع الصلح والتطبيع المستندة إلى تصفية قضية فلسطين منذ اتفاقيات كمب ديفيد.

انخرطت المملكة هجوميا في جميع المساعي الهادفة إلى ضرب محور المقاومة وإنهاء دوره في تشكيل التوازنات الإقليمية ولم يكن القادة السعوديون جميعا بمن فيهم الملك عبد الله بن عبد العزيز يخفون سعيهم لإسقاط سوريا ومحاصرة حزب الله بدافع ما أسموه ضرب النفوذ الإيراني في المنطقة بعد نجاح حلف المقاومة في إلحاق الهزائم بالحروب الأميركية الإسرائيلية طيلة السنوات المنقضية منذ تحرير الجنوب اللبناني عام 2000 حتى آخر عدوان فاشل على غزة مرورا بحرب تموز التي لعبت عبرها المقاومة بانتصارها مع سوريا وإيران دورا تأسيسيا في المعادلات العالمية والإقليمية الجديدة الآخذة بالتبلور .

ثانيا تعاظم الدور السعودي في المنطقة في زمن الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم وقد استند إليها في حركته السياسية والميدانية ومع انكفاء هذه الهمينة واختلال ركائزها في العالم وفي المنطقة تدخل المملكة حالة من انعدام الوزن وتجد صعوبة كبيرة في التكيف خصوصا وان تقدم الدولة الوطنية السورية في طريق النضال ضد ادوات العدوان المتمثلة بعصابات الإرهاب والتكفير التي مولتها السعودية وسلحتها وقدمت لها الدعم السياسي ينذر بعودة قريبة لسوريا إلى مسرح المنطقة كقوة فاعلة ومهابة وهو اتجاه يعززه تسارع مؤشرات الإياب الغربي والعربي وحتى الخليجي نحو دمشق ، ما يعني نهاية عهد سيطرة المملكة على المعادلات والواجهات العربية بما فيها الجامعة التي أسرتها قطر والسعودية لاستعمالها في العدوان على سوريا .

يضاف لما تقدم حجم المخاوف السعودية المتزايدة من خطر التقارب المصري السوري في ظل سعي القيادة المصرية لمجابهة الضغوط الأميركية الداعمة لتنظيم الأخوان المسلمين واتجاهها للانفتاح على علاقات دولية جديدة مع روسيا والصين مع احتمال قوي بأن يشمل ذلك إيران ويعلم القادة السعوديون ان أموالهم واموال الإمارات غير قادرة على شراء مستقبل مصر ودورها لأنها لا تمثل شيئا بالقياس لحاجات الاقتصاد المصري ولا تفلح في تعطيل ديناميات الثقل والدور المصريين في المنطقة أوضغط التطلب الشعبي المصري لمثل هذا الدور بعد إحياء الذاكرة الناصرية كمرجعية للمشروعية التاريخية والسياسية من قبل القيادات الجديدة.

ثالثا تواجه السعودية سلسلة من التحولات في محيطها الإقليمي المباشر وهي تنبيء بانحسار النفوذ الإقليمي للمملكة لن يطول انتظار تبلوره بنتائج سياسية وهو ما يولد ارتباكا كبيرا فقد أخرجت المملكة نفسها من العراق ولم يتبق لها من حضور سوى أذرع القاعدة هناك وهي تخاف من القوة العراقية الصاعدة التي تمتلك إمكانات ومقدرات ضخمة تؤهلها للمنافسة على مكانة الدولة الخليجية الأهم بينما انكمش نفوذها في اليمن وتفلتت من قبضتها حديقتها الخلفية التي خاضت فيها حربا وجودية ضد الزعيم جمال عبد الناصر وتوهمت انها هيمنت عليها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانحلال دولة الشطر الجنوبي فإذا بقوى يمنية جديدة تنهض وإحداها التيار الحوثي الذي ألحق هزيمة بالجيش السعودي اما في البحرين فلا يمكن لعاقل ان يتخيل المستقبل السياسي لهذا البلد من غير تقلص النفوذ السعودي الذي يجسده رئيس الحكومة الواقف في وجه مشاريع التسويات التي لن تفلح معاندتها طويلا عبر مواصلة القمع الذي تمارسه القوات السعودية الغازية.

رابعا يخشى قادة المملكة من نتائج الحوار الأميركي الإيراني لما يمثله من خطر الاعتراف بالقوة الإيرانية الصاعدة عالميا وإقليميا وهذا ما سيرتب نتائج كثيرة ستغذي تفلت حكومات خليجية عديدة من قبضة الموقف السعودي العدائي اتجاه إيران بعد إزاحة الحظر الأميركي على التعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تمثل قوة عملاقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا قادرة على نسج صلات وشراكات في محيطها الإقليمي براغماتية عالية واول ملتقطي الإشارة كان سلطان عمان الذي سارع لتوقيع اتفاق دفاعي في طهران.

عندما أسقط حلف المقاومة الفتنة المذهبية وأفشل محاولات إشعالها بواسطة القاعدة البندرية سدد الضربة المميتة لأوهام آل سعود وعندما راكم التحولات وتصرف بحكمة وبثبات في وجه زلزال العدوان الكوني على سوريا أحبط آخر رهاناتهم على تحقيق الإنقلاب الشامل الذي فشلت في إنجازه حروب أميركا وإسرائيل التي مولوها وقدموا لها الغطاء السياسي والإعلامي الكثيف بألف وسيلة .

في الحصيلة ستكون المملكة مرغمة على التكيف والانكفاء إلى الداخل المهدد بحرائق كثيرة منها معضلة وراثة العرش وصراعات الأمراء المتطاحنين وازمة شاملة لنظام اسبتدادي متحجر بينما يلوح خطر تنظيم الأخوان المتربص ونشاط فلول القاعدة التي ستصيب ارتداداتها أمن المملكة بعد هزيمتها في سوريا وفي ذلك كله غني عن البيان ان احتضار الدور وتقلص النفوذ لا يقل جسامة عن تهالك البنيان الاجتماعي والسياسي لنظام لعب دورا محوريا كابحا للتقدم وللتحرر الوطني في تاريخ المنطقة منذ نشوئه .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.