السعوديّة وحيدة في المواجهة مع الإيرانيين بعد «تخاذل» واشنطن وباريس

iran - ksa - usa

ارجاء البت بالملف الرئاسي اللبناني وتقدم حظوظ «الفراغ» يرتبط بقرار سعودي يقضي بعدم الاستعجال في تسجيل خسارة جديدة في «دفتر» الحسابات الاقليمية في المرحلة الحالية، ومن لاحظ حراك القوى اللبنانية المحسوبة على المملكة من خلال برمجة زيارتها في الايام الاخيرة «للحج» الى باريس والرياض، يدرك ان السعودية تحاول «تلميع» دورها الحاسم في الانتخابات اللبنانية في ظل تراجع نفوذها في مختلف ملفات المنطقة، وهي تحاول «الاستعراض» في الملف اللبناني للتغطية على نكسات اخرى في الاقليم. وفي الخلاصة لا ترغب المملكة في حسم النقاش حول الاستحقاق الرئاسي الان وتفضل التاجيل والرهان على الوقت طالما انها قد ايقنت بان حكومة تمام سلام قادرة وبتفاهم ضمني بين جميع الاطراف على ادارة مرحلة الفراغ وعدم الانزلاق الى التوترات الامنية من جديد.

وبحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت، فان ما اسمته «سوء الطالع» او «الحظ العاثر» يلاحق الجنرال عون ويحول دون وصوله الى قصر بعبدا، فتزامن الاستحقاق الرئاسي اللبناني مع استحقاقات أخرى في المنطقة «فرمل» النقاشات حول المكاسب التي يمكن تحقيقها في حال تبني ترشيحه باعتباره رئيسا توافقيا. وتفيد المعلومات ان رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري «فكر» جديا «بالجنرال» وعرض الامر على القيادة السعودية، وانطلق من زاوية اقتصادية بحتة وفقا لحسابات تتعلق بزيادة الاستثمارات المالية والعقارية من قبله في لبنان، وهذا يحتاج الى فترة من الهدوء على المدى القريب والمتوسط، وهذا يمكن ان يتأمن مع انتخاب «الجنرال» رئيسا للجمهورية.

لكن السعودية المدركة لعدم امكانية تحقيق «انتصار» في الاستحقاق الانتخابي اللبناني كان لديها حسابات مختلفة ترتبط بالمواجهة مع ايران، واذا كانت غير قادرة على الربح فهل من العقلانية في مكان ان تسجل «كرة في مرماها»؟ وفي هذا السياق ليس واردا لدى القيادة السعودية في هذه المرحلة «هضم» اكتساح رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي للانتخابات التشريعية وانتهاء النقاش حول مسألة عودته الى الحكم من عدمها، وفوز الرئيس السوري بشار الاسد في الانتخابات الرئاسية المقررة في الثالث من الشهر المقبل، ليضاف اليها انتخاب ميشال عون، المحسوب على محور «المقاومة» رئيسا في لبنان. فهل من «هزيمة» مدوية اكبر من تلك «الثلاثية»؟ لذلك «فرمل» السعوديون الاندفاعة نحو التوصل الى انتخاب رئيس لبناني في هذه المرحلة، وهذا ما ادى الى تراجع «حظوظ» عون راهنا، وباتت المعادلة السعودية تقوم على «التريث» دون ان تكون هناك اي رهانات مضمرة، لكن التاجيل افضل من بت الامور في ظروف سيئة .

فالسعودية تجد نفسها وحيدة في مقاربة الاستحقاق اللبناني مقابل «خصومها» بحسب الاوساط الديبلوماسية، وقد وصلت الى استنتاج واضح لا يقبل الشك بان الفرنسيين والاميركيين حذرين جدا في مقاربة الوضع مع الايرانيين خلال مرحلة التفاوض على الملف النووي، وبعد ان قام السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل بجولات مكوكية لم يصل خلالها الى اي نتائج حاسمة، ابلغ السعوديين ان هذا الملف بات بعهدة الفرنسيين، لتكتشف الرياض ان الاميركيين غير مستعدين «للقتال» على «الجبهة اللبنانية» بل لديهم استعداد لتقديم تنازلات في هذا الملف لتسهيل «التفاوض النووي»، فيما لم تجد تعاونا فرنسيا مشابها لما حصل قبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان بين باريس والدوحة، فباريس اظهرت ضعفا بنيويا فاضحا، وانعكس لا مبالاة في متابعة الملف، وفي هذا السياق زار مدير الشرق الأوسط في الخارجية جان فرانسوا جيرو طهران مرة واحدة دون ان يبحث الموضوع في العمق، وكانت الزيارة بمثابة «رفع العتب»، كما ان طهران لا تثق كثيرا بوزير الخارجية الفرنسية لوران فابيوس، الشخصية الاكثر تشددا في الملف النووي.

وهذا الامر لا ينحصر فقط على الساحة اللبنانية، فالسعودية تجد نفسها «يتيمة» في سوريا تقول الاوساط، فالغرب لم يعد مهتما باسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، وبعد اجتماع بروكسل قبل أسبوعين، ابلغت المملكة قرارا اوروبيا جامعا بان الاولوية الان لمكافحة «الارهاب» ومنع الجهاديين الاوروبيين من العودة الى بلادهم، وهذا يتطلب تعاونا ميدانيا من الرياض عبر استخدام نفوذها على الفصائل المسلحة الممولة من قبلها للتعاون في ملاحقة هؤلاء ومنعهم من «الهجرة المعاكسة». وفي هذا السياق طالبت الاجهزة الامنية الاميركية والفرنسية ان يكون لها دور اكثر فعالية في التأثير على تلك المجموعات، ما يعني مستقبلا خروج هذا الملف ايضا من يد السعوديين، وفي المرحلة المقبلة سيكون التنسيق مباشر بين تلك الفصائل وبين اجهزة الاستخبارات الغربية، ما سيؤدي الى تغيير بوصلة الاولويات، وهذا سيؤدي الى فقدان الرياض لورقة ضغط مهمة في مواجهة الايرانيين.
وامام هذه المعطيات، ترى اوساط في الثامن من آذار بان الحراك «الاستعراضي» السعودي هو لزوم ما لا يلزم» ولن يقدم او يؤخر في السياق العام للامور المرتبطة بالاستحقاق الرئاسي، وبالعودة الى التجربة الحكومية، لم يؤد تعنت المملكة ورفضها اعطاء الضوء الاخضر لتيار المستقبل للمشاركة مع حزب«القتلة» في حكومة «المصلحة الوطنية» الى اي مكاسب تذكر، وجلّ ما في الامر ان المكابرة ضيعت نحو عشرة اشهر كانت كفيلة بتوفير الكثير من المطبات الامنية، والمناكفات السياسية، والخسائر الاقتصادية، وفي نهاية المطاف تم الاذعان للامر الواقع، وتمت التسوية القائمة راهنا دون التمكن من تحقيق اي مكاسب استراتيجية تتعلق باضعاف حزب الله او التاثير على دوره الفاعل في الحرب السورية.
وفي هذا الاطار من المرجح ان يتكرر الامر في الاستحقاق الرئاسي، لان الرهان على الوقت لن يؤدي الى تغييرات جذرية في الوقائع المحلية والاقليمية، ولن يكون بمقدور السعودية فرض خياراتها في هذا الاستحقاق وستضطر عاجلا او آجلا الى فتح «ابواب» النقاش الجدي مع طهران للتوصل الى اتفاق حول هوية الرئيس المقبل الذي سيكون متوافقا مع طبيعة المرحلة المقبلة. وبالمناسبة لا تبدو ايران ايضا مستعجلة للاتفاق على رئيس «كيف ما كان» وهي تنتظر حتى يتنهي المسؤولون السعوديون من جردة حساب الارباح والخسائر التي يجرونها، وعندما يقررون الجلوس على «الطاولة» سيسمعون ما لدى طهران من معايير تتناسب مع مواصفات الرئيس اللبناني العتيد، وهي بالطبع مستقات من موصفات وضعتها قيادة حزب الله المعنية اولا واخيرا في رسم معالم هذا الاستحقاق، وقد تحدث اكثر من مسؤول في الحزب عن خطوطها العريضة خلال الاسابيع الماضية ومن المرجح ان يحددها اكثر الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه نهاية الاسبوع في مهرجان ذكرى التحرير.

وبحسب تلك الاوساط، فان تكرار الرئيس الحريري لمقولة ضرورة تحقيق اجماع مسيحي على الجنرال عون لكي يتبنى ترشيحه للرئاسة، حجة غير واقعية تغطي القرار السعودي، ولو كانت المملكة قد حسمت خياراتها ووافقت على ترشيح «الجنرال» كان يكفي الحريري ابلاغ حلفائه بالامر واخبارهم ان «ما باليد حيلة»، وان القرار اكبر منه، وهو لا يمكنه الوقوف في وجه الرغبات السعودية التي لديها مصالح استراتيجية في المنطقة اكبر واعمق من تفصيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية، لكن الحريري اختار ان يبيع مسيحيي 14 آذار موقفا يدركون انه «فضفاض»، ويعلمون ان «الفيتو» الممنوح لهم محدود، ولن يكون ذات فائدة لوجاءت «كلمة السر» من السعودية، ولهذا فهم الان يعيشون مرحلة «اطمئنان» حذرة، ويراهنون على عدم حصول انقلاب دراماتيكي في الموقف السعودي، لانهم سيضطرون عندها الى الاصطفاف وراء «جوقة» المنظرين لحكمة هذا الخيار وانعكاساته الايجابية على الساحة اللبنانية!

ابراهيم ناصرالدين – صحيفة الديار اللبنانية

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.