السيادة حياة أم هلاك؟

موقع إنباء الإخباري-

محمد أحمد السيد قاسم*:

كثر في الآونة الأخيرة إستعمال مصطلح ( السيادة الوطنية) وذلك في كل مرة يريد فيها اللبنانيون، ساسة وأصحاب رأي ،مواطنين وأو مثقفين، أن يدلوا بمواقفهم حيال واقع حالنا في لبنان. وحالنا، آه منه ونحن نعيش زمن الفتنة، حسب قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، يصبح فيه المرء على غير ما يمسي، ويمسي فيه على غير ما يصبح، فينبري بعضهم للتحسر على السيادة الضائعة هنا، ولا يرى ضياعها هناك ولا اغتصابها هنالك… والجميع يتمترس خلف الحق الذي يراه، وسرعان ما نصل إلى نبش قبور وإلى كشف مستور وإخراج غل من الصدور.

هذا ونحن أصحاب الأفهام التامة والعقول الراجحة والرؤى الثاقبة…

لكن ما هي السيادة التي فيها الخصام وحولها الإحتكام؟

السيادة هذه أيّها الأصدقاء، على لسان العرب تحمل معنى القوة، وهي لفرد في قومه، فهو سيدهم، ولجماعة عندها عدد وعدة، وإنتشار وبأس، وهكذا كانت كندة سيدة الصحراء… وهكذا، لكن المصطلح (السيادة) لا زال بعيداً عن دلالته المتوخاة. خاصة وأنه تعريب لمصطلح (souveraineté) بالفرنسية والتعريب الأقرب له هو: الحاكمية. والحاكمية هذه جاءت نتيجة تطور الحياة والمجتمع، إذ سبقها بالوجود الأرض والشعب، الأرض هي المكان الذي كان تحت سيطرة جماعة قبل أن تصبح شعبا، وقديما كانت الأرض محددة بموانع وعوائق طبيعية كقمم الجبال ومجاري الأنهار والصحاري القفار، تلعب دور الأسوار لدرء المخاطر، لكن ما لبث الأمر أن تتطور فصارت الحدود ترسم وتمحى، أو تنشأ إنشاء كدولة في مدينة (الفاتيكان مثلاً). والجماعة كانت تمارس بطشها وعصبيّتها حسب قوّتها…. إلى أن تحوّلت إلى شعب على أرض محددة ،تضبط حياتها ومستقبلها في أنساق قانونية واجتماعية وسياسية (مؤسسات) ،بحيث صارت العناصر الثلاثة (دولة)، على أن تتنازل الجماعة عن جزء من حريتها، والأفراد عن جزء من حريتهم لصالح الدولة مقابل الإنتماء والرعاية والحماية؛ هذه العناصر صارت حقوقا أساسية لصالح الفرد/المواطن مقابل الحاكمية /السيادة للدولة. وبالتالي، أي إخلال بالموجبات التي يتضمنها هذا العقد الاجتماعي يعرض مفهوم الدولة والسيادة والحاكمية للتلاشي جزئيا أو كليا.أيها الأصدقاء… لنر سوياً متى كانت السيادة مصانة في لبنان.

على صعيد الإنتماء :لبنان عربي أو ذو وجه عربي؟ هل المواطنة هوية أولى لجميع اللبنانيين؟ هل هم متساوون بالحقوق والواجبات؟ أسئلة كهذه عند كل منكم العشرات منها، ماذا يبقى إذن من السيادة؟

على صعيد الحماية : قوّة لبنان في ضعفه، مقولة نذكرها جميعاً، كانت السلطة اللبنانية تنكر معرفتها بقضم قرى ومزارع ومساحات زراعية من قبل الكيان الإسرائيلي كي تتهرب من رفع شكوى أمام مجلس الأمن، كيف يتم الرد على الخروقات البرية والبحرية والجوية؟ ثم إلى أي مدى يحميك كمواطن، جواز سفرك اللبناني؟ لبنانيو الإنتشار أقدر على الإجابة. إذن شرط الحماية كموجب عقدي، هو أيضاً في مهب الريح، وشيء من السيادة معه.

على صعيد الرعاية : لن أجرؤ على إعطائكم أمثلة، لأن الذي بي وبكم يكفي. وإذا كان ثمة من لا يشعر بها تكن من عظائم الأمور.

بالخلاصة ،تكون الحاكمية /السيادة شرعية بالقدر نفسه الّذي تحفظ فيه موجبات العقد الاجتماعي، وفي حال التحلل يرجع الأمر بمنطق الضرورة القصوى إلى الأصل، يعني في حال عدم وجود الحماية، والحماية حق أساسي لا يستغنى عنه، لا بدّ من حماية بديلة لها حظوة من تركة السيادة، وفي حال عدم وجود الرعاية، تنشأ بدائل أخرى وهكذا…. أمّا الّذين يقومون بالحماية والرعاية دون المطالبة بالحاكمية /التركة ،فهم أهل فضل زهدوا بما يحق لهم بمنطق الأمور، وأقل الواجب الإعتراف بفضلهم.

*كاتب لبناني

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.