الصحف الاجنبية: على واشنطن التصرف بحزم مع الرياض

شدد كتاب وباحثون غربيون على ان التهديد الاكبر للمصالح الاميركية في الشرق الاوسط يتمثل بالمتطرفين الذين تمولهم وتغذيهم عقائدياً السعودية، ودعا هؤلاء الادارة الاميركية الى استخدام نفوذها على السعودية واجبارها على تغيير سياساتها.

من جهة اخرى، اعتبر كتاب اتراك، أن تركيا دخلت في المعسكر الاقليمي المعادي لايران من خلال تعزيز علاقاتها مع السعودية و”اسرائيل”.

الخطر الاكبر على المصالح الاميركية

كتب الصحفي “فريد زكريا” مقالة نشرت في صحيفة “واشنطن بوست” اعتبر فيها ان ما يسمى “بالصراع السني الشيعي” بات يهيمن اليوم على سياسات المنطقة، مضيفاً ان ذلك سيواصل الحد من قدرة اميركا او اي قوة خارجية اخرى على جلب الاستقرار الى المنطقة.

الكاتب اشار الى ان سياسة الحرب الطائفية قد لا ترتبط فقط بالقضايا الجيوسياسية،حيث تواجه السعودية “سلسلة من التحديات” من داعش الى المتطرفين بالداخل. ولفت الى ان “الاسلاميين الراديكاليين” يهيمنون على مواقع التواصل الاجتماعي داخل المملكة. كما تحدث عن انخفاض اسعار النفط ومدى تأثير ذلك على قدرة الحكومة السعودية لمواصلة دفع الاعانات للشعب، ليخلص الى ان النظام السعودي يحتاج المزيد من الشرعية.

ورأى الكاتب ان اعدام الشيخ نمر النمر الى جانب قطع العلاقات مع ايران والحرب على اليمن وكذلك السياسة السعودية تجاه سوريا، رأى ان كل ذلك يشير الى سياسة خارجية سعودية اكثر حازمة وطائفية من اي وقت مضى. ونبه الى مخاطر ذلك في الداخل والخارج، حيث ان ما بين عشرة وخمسة عشر بالمئة من السعوديين هم من ابناء الطائفة الشيعية، وجميعهم يعيش في المحافظة الشرقية حيث تتواجد حقول النفط. كما اضاف ان البحرين واليمن المجاورتين “تعج بالشيعة الغاضبين” الذين يرون ان السعودية تقوم بقمعهم، مؤكداً بالوقت نفسه ان ايران سترد على ما تقوم به السعودية مع مرور الوقت.

وقال الكاتب: إن على الولايات المتحدة دعم السعودية بالتصدي لما اسماه “تجاوزات” ايران في المنطقة عموماً، لكنه حذر في الوقت ذاته من الوقوف مع طرف معين في “الصراع الطائفي الاوسع”، معتبراً ان الحرب الطائفية لا تعني واشنطن. كما اشار الى أن الحليف الاهم لواشنطن في الحرب على داعش هي الحكومة “التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد” بحسب تعبيره. ورأى ان التهديد الاكبر للولايات المتحدة في الشرق الاوسط ينبع ممن اسماهم “الجهاديين السنة الراديكاليين” – والذين حصلوا على “التمويل والعقيدة” من السعودية.

ضرورة اتخاذ موقف اميركي اكثر تشدداً مع السعودية

بدوره، كتب الباحث “Richard Sokolsky” مقالة نشرت في مجلة “Foreign Affairs” حملت عنوان: “حان وقت الحزم مع السعودية”،حيث اعتبر ان اعدام الشيخ نمر النمر انما هي الحلقة الاخيرة من نمط اوسع نطاقاً في سياسات السعودية الخارجية و الداخلية تسبب “باختلافات حقيقية” في اطار الشركة الاميركية السعودية وبالتالي يطرح تساؤلات عن مستقبل هذه الشراكة.

ملك السعودية واوباما

الكاتب اتهم الحكومة السعودية بانتهاك حقوق الانسان، واعتبر ان معاملتها النساء والشيعة تتعارض بشكل كبير والقيم الاميركية كما المعايير العالمية. و قال ان هذا التعصب اصبح اكثر اثارة للقلق منذ تسلم الملك سلمان الحكم بعد وفاة الملك عبدالله، مشيراً الى ان سلمان يبدو اكثر ميلاً الى استرضاء المؤسسة الدينية الوهابية من سلفه. واضاف ان نجله محمد بن سلمان ايضاً يبدو قوة دفع من اجل سياسات “اكثر حازمة وغير مسؤولة”، لافتاً الى ان ذلك يعود جزئياً الى التنافس على السلطة بينه وولي العهد محمد بن نايف، الامر الذي يخلق حوافز لنجل الملك لكسب تأييد “المحافظين”. (في اشارة الى رجال الدين الوهابيين).

الكاتب قال: ان المملكة تتحمل مسؤولية تاريخية بنشر الجهاد السلفي داخل المنطقة، واشار الى ان الفكر الذي ينشره رجال الدين الوهابيين في الخارج، وبدعم كامل من حكام السعودية، انما يعد من اهم عناصر العقيدة الدينية التي تتبعها داعش. كما لفت الى ان المال السعودي لا يزال يصل الى ايدي الجماعات المتطرفة في سوريا،و الى ان السعوديين الاثرياء يواصلون التبرع بالاموال لصالح الجماعات المسلحة في باكستان وافغانستان.

واعتبر الكاتب ان العائلة الملكية السعودية لم تبذل جهودا مكثفة بملاحقة الافراد وكذلك المنظمات الخيرية في السعودية التي تضخ اموالا ضخمة الى المدارس الدينية والمساجد المتطرفة في كل انحاء العالم الاسلامي. الكاتب قال ان ادارة أوباما انما دعمت التدخل العسكري السعودي في اليمن من اجل طمأنة الاخيرة في اعقاب الاتفاق النووي مع ايران، ومن اجل طمأنتها بان الولايات المتحدة حليف يمكن التعويل عليه.

كما لفت الى ان واشنطن نظرت الى التدخل السعودي في اليمن على اساس انه يقدم نموذجاً ايجابياً عن حليف اقليمي يتعاطى مع مشاكله بنفسه دون ان يطلب إلى الولايات المتحدة حل هذه المشاكل. الا انه عاد ليشدد على ان التدخل العسكري السعودي يشكل “كارثة”، حيث تسبب بآلاف الوفيات المدنية وبأضرار ضخمة بالبنية التحتية، اضافة الى منع ايصال الاغاثة الانسانية نتيجة الحصار البحري المفروض.كذلك نبه الى ان مقاتلي داعش والقاعدة يملأون الفراغ الذي اوجده التدخل العسكري السعودي.

ثم اشار الكاتب الى ان واشنطن هو الممكّن الاساس للسعودية لعدد من الاسباب، من بينها استهلاك الولايات المتحدة للنفط السعودي. غير انه لفت الى ان السعودية لم تزود الولايات المتحدة ابداً باغلب الواردات النفطية الاميركية، وقال ان الرياض كانت تقوم بإصدار النفط الى الولايات المتحدة بأسعار منخفضة لاسباب سياسية، وانها تصدر النفط الى الولايات المتحدة اليوم لان سوق مصفاة النفط الاميركي يؤثر فيها مالياً. وعليه اعتبر ان الرياض بحاجة الى ارباح مبعيات النفط اكثر ما تحتاج أميركا الى النفط السعودي.

سبب آخر، قال الكاتب، هي صفقات السلاح الضخمة التي تنتج الارباح لمقاولي السلاح الاميركيين والتي تحظى بدعم كبير داخل الكونغرس، حيث اشار الى ان الجيش الاميركي يدعم هذه المبيعات كوسيلة لتعزيز قدرة القوات السعودية على التعاون بشكل فاعل مع القوات الاميركية في عمليات ائتلافية. غير ان الكاتب رأى ان هذا الدعم العسكري شوه السياسة الاميركية في المنطقة لانها تدفع واشنطن الى السماح للسعودية باتباع سلوك غير مسؤول.كذلك اعتبر ان هذا الدعم العسكري لم يؤدي الى الكثير من التعاون العسكري المشترك،و لفت الى ان الجيش الاميركي لم يعد يعتمد على السعودية في تنفيذ عمليات عسكرية ضخمة داخل المنطقة.

وتحدث الكاتب ايضاً عن شراكة منتجة بين الولايات المتحدة و السعودية في مجال محاربة الارهاب ومشاركة المعلومات الاستخبارية، لكنه نبه الى ان التعاون في هذا المجال يخدم المصالح السعودية كذلك في التصدي للتهديدات الارهابية للمملكة. وعليه شدد على ان الرياض لن تقطع التعاون مع واشنطن بهذا المجال في حال اتخذت الاخيرة موقفا اكثر حزماً تجاه سياسات الرياض الاقليمية.

بناء على كل ذلك، اكد الكاتب ان لدى الولايات المتحدة نفوذا حقيقيا على المملكة، وانها تحتاج فقط الارادة السياسية للاستفادة من هذا النفوذ. واضاف انه ولهذه الاسباب، فان المزيد من التطمينات وصفقات السلاح لن يكون لها تأثير ايجابي كبير على سلوك السعودية، وبالتالي طرح في المقابل ان يقوم اوباما بتوجيه رسالة الى الملك سلمان خلف الابوب المغلقة، مفادها ان الولايات المتحدة غير راضية بالشراكة الامنية مع السعودية وانها تتوقع المزيد من التعاون السعودي في حماية المصالح المشتركة.

وقال الكاتب ان على الولايات المتحدة تعليق ارسال كافة المساعدات اللوجستية والدعم الاستخبارتي للقوات السعودية في اليمن حتى تكثف الرياض جهودها في محاربة داعش وقمع “المنظمات الخيرية” الخاصة التي “تمول وتدعم القضايا “الجهادية”.

كما لفت الكاتب الى ان القوات المسلحة السعودية تعتمد بشكل كبير على الاسلحة الاميركية وكذلك التدريب والدعم العسكري الاميركي، مشيراً الى ان العائلة الملكية لا تزال تثمن بشكل كبير الدور الاميركي هذا وتدرك ان الولايات المتحدة هي في النهاية الضامن لامنها. ونبه الى ان القادة السعوديين هم اساساً متخوفون جداً من امكانية انشاء الولايات المتحدة علاقات اكثر طبيعية مع ايران، وبالتالي يحتاجون الدعم الاميركي اكثر من اي وقت مضى مع تدهور العلاقات السعودية الايرانية. وعليه قال ان الاستفادة من كل هذا النفوذ قد يساهم بتغيير السلوك السعودي.

الكاتب اكد انه ما من ضامن بان ينجح هذا النهج الاكثر صداماً، لكنه شدد بالوقت نفسه على ان السعودية وبكل تأكيد ستواصل السلوك الذي يضر بالمصالح الاميركية في حال عدم وجود ثمن تدفعه. وقال ان على الولايات المتحدة الاستفادة من قوتها من اجل فرض التغييرات المطلوبة عندما تهدد سياسات دولة حليفة مصالح قومية هامة، خاصة عندما تفشل الحوافز الايجابية بتغيير السلوك. وأكد ان الولايات المتحدة قد وصلت الى هذه المرحلة مع السعودية.

تركيا والمعسكر المعادي لايران

الكاتب التركي “Cengiz Candar” كتب مقالة نشرت على موقع “Al-Monitor” قال فيها ان طموح تركيا للقوة الاقليمية في الشرق الاوسط قد انتهى بعد ان جعلت نفسها طرفاً في النزاع الطائفي بدلاً من ان تساهم بشكل حقيقي بالتوصل الى حل في سوريا.

داعش

و اعتبر الكاتب ان ابرز الادلة على ذلك تتمثل بانضمام انقرة الى التحالف العسكري السعودي، الى جانب التقارب التركي الاسرائيلي الذي يقال انه حاصل.

ورأى الكاتب انه ومن خلال موافقتها على ان تلعب دورا شبيها لدول مثل جزر القمر و مالي و نيجيريا تحت قيادة السعودية، فان تركيا تنازلت عن دورها المزعوم كقوة سنية موازية لايران، الذي يعود الى القرن السادس عشر والخصومة بين الامبراطورية العثمانية والصفويين.

وقال الكاتب ان الرئيس رجب طيب اردوغان كان بالاصل قد جعل تركيا جزءا من تحالف يتنافس مع السعودية على قيادة العالم السني، لكنه شدد على ان التكوين السني للسلطة في المنطقة قد تغير مع تغيير القيادة في السعودية اوائل العام الماضي. ولفت الى انه ومنذ تغيير الحكم في السعودية، زار اردوغان المملكة ثلاث مرات واعلن دعمه للحملة العسكرية السعودية في اليمن، وذلك قبل ان يعلن البلدان انشاء “مجلس للتعاون الاستراتيجي” مع نهاية العام الماضي.

كما اشار الكاتب الى ان لدى السعودية وقطر المال والموارد الطبيعية مثل النفط و الغاز، بينما لدى تركيا قوة عسكرية. وعليه قال انه يبدو ان الملكيات الخليجية تسمح لتركيا بالاستفادة من ثرواتها بينما تستفيد هي من وزن تركيا الجيوسياسي. و اعتبر ان السعوديين يبدو انهم باتوا اكثر جرأة مع انضمام تركيا الى معسكرهم في الموقف الصدامي مع ايران.

كما لفت الكاتب الى ان التقارب بين اردوغان والملك سلمان كان يهدف ايضاً الى تعزيز التعاون في القضايا الاقلمية، خاصة سوريا. ورأى الكاتب ان خطوة تنازل اخرى عن مساعي لعب دور الرائد الاقليمي تتمثل بالمبادرات الاخيرة مع اسرائيل الرامية الى تحسين العلاقات، مشيرا بهذا السياق الى التصريح الذي ادلى به اردوغان خلال رحلة العودة من السعودية بان “تركيا واسرائيل تحتاجان الى بعضهما”.

وقال ان هذا التصريح يبدو وكأنه تقييم اردوغان للتغيرات الجيوسياسية في الشرق الاسط وهو يُعبر كذلك عن تراجع تركيا عن التنافس مع اسرائيل في المنطقة. وشدد الكاتب على ان السبب الحقيقي لتدهور العلاقات بين تركيا و اسرائيل يعود اصلاً الى التنافس على القوة في المنطقة، وان حادثة اسطول “Mavi Marmara” شكلت نقطة التحول الرمزية في الصراع على القوة بين الجانبين.

وعليه اعتبر الكاتب ان تركيا، ومن خلال الانضمام الى السعودية ضد ايران ومحاولة تحسين العلاقة مع اسرائيل التي تعد القوة الاكثر عداوة لايران في المنطقة، اعتبر انها لا تتنازل فقط عن طموحها للقوة في المنطقة، وانما ايضاً اصبحت طرفاً في التحالف الاقليمي المعادي لايران بشكل غير مسبوق.

الكاتب قال ان هذه الخطوات الاخيرة لا شك انها نتيجة طبيعية لموقف تركيا الذي يزداد ضعفاً في سوريا على ضوء اسقاط الطائرة الحربية الروسية في شهر تشرين الثاني /نوفمبر الماضي.كما اضاف ان التحالف الواسع بين تركيا و السعودية و اسرائيل يعتقد انه سيلقى ترحيباً في واشنطن.

كذلك تطرق الكاتب الى الزيارة التي قام بها رئيس هيئة الاركان الجديد في الجيش الاميركي الجنرال “Joseph Dunford” الى تركيا مؤخراً، حيث اعتبر ان هذه الزيارة كشفت عن مصدر القلق التركي الاساس المتمثل بعلاقة واشنطن مع الاكراد السوريين. ولفت الى ان الزيارة هذه جاءت بعد خرق “الخط الاحمر” التركي في سوريا، حيث عبرت وحدات حماية الشعب الكردية الفرات.

كما اشار الكاتب الى ان وحدات حماية الشعب الكردية تحارب داعش بدعم وتنسيق اميركي، ونبه الى ان وحدات حماية الشعب قد تتحرك الى شرق الفرات حيث ممر عزاز- جرابلس في حال تحرك عناصر داعش الى هناك. وقال ان هذه المنطقة يسيطر عليها بشكل اساس الجماعات السورية التي تدعمها تركيا وهي تشكل ايضاً صلة الوصل الاساس بين تركيا وحلب المحاصرة التي ستوصل المناطق السورية الكردية لتصبح كيانا جغرافيا موحدا تحت حكم وحدات حماية الشعب، والذي يمتد من الحدود مع العراق تجاه الجهة الغربية ويغطي مئات الاميال من المناطق الحدودية التركية مع سوريا.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.