الصهيونية الأُوكرانية.. استفزاز لروسيا وفلسطين..

موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
لَم يَبقَ لدى السلطات في “أوكرانيا دلتا” سوى إستفزاز البقية الباقية من عالمنا المترامي الأطراف، بعد استفزازها المتواصل لروسيا عقب نجاح الانقلاب الصهيوني الرجعي الناتوي الذي أطاح بالرئيس الشرعي فكتور يانوكوفيتش، وها هي تستفز اليوم فلسطين وبقية الأُمتين العربية والاسلامية ومسيحيي العالم، لوقوفها بصلف وبلا تردد في صف الاحتلال الصهيوني لغزة، والى جانب قواعد الهجوم الأمريكية والناتوية على أراضيها، ضد موسكو وسانت بطرسبوغ ومدن روسيا الكبرى وشعبها.
الانتفاضة السياسية الفلسطينية والعربية العارمة المُعارِضة للحكومة الاوكرانية بصَبغتها الصهيونية تعدُ جزءاً من المجموعة الإنسانية العالمية التي انسحبت من صداقتها مع أوكرانيا، بعد شلال الدماء الذي أسالته كتيبة “الخوذات الزرقاء” للعسكري اليهودي الصهيوني “دلتا” على أرض هذه الدولة، للإطاحة بحكومتها الشرعية، بدعم من منظمات المجتمع المدني الغربية وأموالها في طول وعرض أوروبا وشمال أمريكا.
حكومة أوكرانيا هي التي سبق وأفسحت المجال للعشرات من قناصي الفُرص لـ”مجموعة الخوذات الزرقاء”- “دلتا”، التي هي وِحدة كوماندوس “شوعالي شمشون” (“ثعالب شمشوم”) والتابعة للواء “جفعاتي” الصهيوني، إلى القتال في شوارع كييف، كشّرت قبل أيام عن عدائها لشعب فلسطين ومليارات العرب والمسلمين والمسيحيين، بوضع نفسها علانية الى جانب الاحتلال الصهيوني الاستيطاني والإحلالي والاقتلاعي الإمبريالي الأجنبي لفلسطين، ووصفها فلسطين المحتلة بِـ”أرض إسرائيلية”، وانكارها لحركة التحرّر الوطني الفلسطينية والعربية لاسترجاع فلسطين المُحتلة، وعطائها لتلبية الحقوق المشروعة لشعب فلسطين العربي، وهو ما يتفق عليه العالم المتحضر بقانون وقرارات دولية كثيرة وقانون آخر إنساني.
يقول بيان الخارجية الاوكرانية بحسب المنشور في موقع “أوكرانيا بالعربية”، وبالحرف يَنضح: “نعتبر أن القصف الصاروخي للأراضي الإسرائيلية مرفوض، لأنه يودي بحياة السكان المدنيين، ونطالب بوقفه فوراً”. ويستطرد البيان المنحاز في صف الإمبريالية الإقتلاعية: “تتعاطف أوكرانيا “بشدة” مع “الشعب الإسرائيلي الصديق”، “بشأن سقوط قتلى وجرحى من بين المواطنين الإسرائيليين، نتيجة الهجمات الصاروخية من أراضي قطاع غزة”.
وجاء في البيان أيضاً: “نعتبر أن القصف الصاروخي “للأراضي الإسرائيلية” “مرفوض”، “لأنه يودي بحياة السكان المدنيين، ونطالب بوقفه فوراً”، وفي المقابل لم يتحدث البيان بحسب المنشور في كل المواقع الشبكية، عن شعب فلسطين المحاصر والمقموع صهيونياً وغربياً منذ عام 1890، وتتناسى الخارجية الاوكرانية ورئاستها السياسية شلال الدماء الفلسطيني الذي يُسفك يومياً على يد قطعان جيش الاحتلال الصهيوني والمستوطنين والحاخامات، واقتلاع الاراضي الفلسطينية من أصحابها الشرعيين وقتل الأطفال الفلسطينيين وسجنهم.
ويُفهم من سياق البيان، تحميل الجانب الفلسطيني “برّمته”، شعباً ومنظمات، المسؤولية الكاملة حِيال “التصعيد” الجاري في غزة”، وربما أيضاً يحملون شعب فلسطين المسؤولية لوجوده التاريخي على أرضه وعدم رحيله الى المريخ (!)، ولهذا تنتقل كييف الى الإعلان، بدون خجل حتى، عن تشويه الوقائع الجارية على الأرض، وترويج الباطل، بأن الجانب الاسرائيلي هو الذي يتلقى الضربات، والجانب الفلسطيني معتدٍ ومحتل للأراضي الاسرائيلية (!)، ويبدو أن الرئيس وحكومته في كييف يعتبرون أن شعب فلسطين ليس من جنس البشر، بل على الاغلب هو غير موجود، فالبيان الاوكراني غير العتيد لم يتطرّق للوجود المادي والثقافي والمعنوي لهذا الشعب، ولا إلى آلامه التاريخية واستعماره وقتله بأسلحة مُحرّمة دولياً.
الموقف الاوكراني في ظل الرئيس الحالي الذي يُعتبر في العالم “بأكثر من موالٍ للغرب السياسي وتوسّعه بإتجاه روسيا”، يُظهر “التعاطف الحميم” لأوكرانيا الحالية مع الجانب الاسرائيلي والحركة الصهيونية وأمريكا، الأمر الذي يَعده محللون وباحثون سياسيون بأنه “سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات، فقد كان الموقف الأوكراني في السابق أكثر حيادية بشأن الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية”.
لم يتوقف الحكم الحالي في كييف عن تكريس نفسه في صف الغرب والصهيونية، بل تمادي بأكثر من ذلك، بوقوفه الى جانب الارهابيين الدوليين وبضمنهم “دلتا”، التي هي شقيقة الارهابيين الذين يتم علاجهم في مستشفيات الكيان. فقبل نحو شهر من الآن، أرجع معاون وزير الخارجية السوري أيمن سوسان سبب إغلاق السفارة السورية الى “رفض السلطات الأوكرانية تمديد إقامة العاملين فيها، ما أدى إلى تعذّر متابعة العمل”، وأشار سوسان الى أن مبنى السفارة “مُستأجر وسيتم تسليمه لأصحابه”، وعزا قرار السلطات الأوكرانية إلى “تبعيتها للغرب والتزامها موقفهم المعادي للدولة السورية”.
وفي مجالٍ موازٍ، يمكن للجميع الإطّلاع على موقع “يوتيوب” الشهير، حيث تُعرض مشاهدة خطاب تحريضي تجرأ على إلقائه “الفيلسوف” اليهودي الفرنسي المعروف، برنارد هنري ليفي، زعيم “الثورات “العربية!، أمام المحتشدين في “ميدان الاستقلال” الشهير في العاصمة كييف، حيث عمل ليفي على قلب نظام الحكم في اوكرانيا سوياً مع زميله “دلتا”، تماماً كما سبق له تدمير دول عربية واستهداف أخرى في وسط أسيا، ما يُشير إلى وجود مخطط صهيوني دولي لِ “تقليم” أظافر آسيا وأفريقيا وقدراتهما المختلفة، بالتعاون مع أصحاب رؤوس الأموال اليهود المنتشرين للآن في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، مِمَن يَحملون “الجنسية الإسرائيلية”، وجنسية تلك البلدان التي يعيشون فيها ويتآمرون عليها.
وللإرهاب بقية لهذه القصّة في أُوكرانيا، فبرغم الاتفاق الروسي – الغربي لتسوية الأوضاع فيها قبل سنوات، إلا أن معسكر هذا الغرب وتل أبيب وأمريكا أجهضوا كل الاتفاقات الجماعية لتسوية “المسألة الاوكرانية” التي اخترعها هذا الغرب بنفسه، وجيّش فرقة صهيونية من الكيان انتقلت الى كييف، لتمرير المخطط الجهنمي بحرفية حربية، من خلال شن هجمات قنص وإبادة عشوائية في البلاد على كل الاطراف، لضربها ببعضها البعض، وهذه المجموعة التي يتبع أفرادها للجيش الاسرائيلي وتّسمّى وتُعرف باختصار بـِ”دلتا”، وتدّعي حكومة الكيان بأنهم “متقاعدون”!، نجحت في جر البلاد الى الغرب وقطع علاقاتها مع روسيا واعتبارها العدو رقم (1)، وتكريس غربية وصهيونية أُوكرانيا بوضع قيادات جديدة في قمّتها، ومن الخطأ توصيفها بأنها “قريبة من إسرائيل” كما يَحلو للبعض التعريف بها، بل هي في حقيقة بُنيتها وجَبلتها وتاريخها وعواطفها وتخندقها صهيونية الفكر والممارسة والتبعية، وبيان الخارجية الاوكرانية يَشهد بجلاء على ذلك دون حَياء، وهنا بالذات يمكن لنا أن نفهم أسباب صدور البيان الاوكراني – الفضيحة الذي نحن بصدده.
وفي المقابل، وعلى الجانب الروسي الجار لاوكرانيا الإسرائيلية الهوى، تتخذ روسياً موقفاً واضحاً وصحيحاً بتحميلها “إسرائيل” مسؤولية التصعيد الأخير في قطاع غزة، جرّاء عمليتها العسكرية فيه، كما ووصفت الخارجية الروسية، في بيان لها مؤخراً، الحرب الإسرائيلية (التسلل في غزة)، بـ”المُستفزة”، وفق يورونيوز.

كما وصمت روسيا الكيان بالعدوان من خلال أشارات الخارجية الروسية – في بيان أوردته قناة (روسيا اليوم) الإخبارية، وفيه أن التصعيد الحاد للتوتر حول قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة “سببه اقتحام القوات الإسرائيلية الخاصة للأرض الفلسطينية”. ووصفت موسكو هذا التصعيد بالخطير، محذرةً في الوقت نفسه من احتمال استئناف المواجهة العسكرية الواسعة النطاق حول القطاع، ونبّهت الخارجية الروسية إلى أن “الجيش الإسرائيلي يَحشد قوات إضافية للحدود مع القطاع”، ما يهدد بـِ “الانهيار النهائي للوضع الإنساني هناك”.
الموقف الروسي ليس بجديد بهذه النبرة، بل هو قديم، فقد سبق للفقيد تشوركين ممثل روسيا السابق بمجلس الامن الدولي، أن انتقد الكيان بشدة جرّاء هجماته غير المشروعة على غزة الفلسطينية، ولهذا وغيره من الاسباب، عملت واشنطن وتل أبيب على إقصاء فعلي لموسكو عن عملية التسوية في “الشرق الاوسط”، بهدف تكريس منطقتنا لواشنطن وعواصم المتربول الاستعماري التقليدية لنهب خيراتنا وانهاكنا ثقافياً وحضارياً واقتصادياً، ولاختلاق نمط سياسي ومجتمعات على مقاسها لتضعنا في جيبها.
إن موقف أوكرانياً المذل والمناهض لأماني شعب فلسطين وشعوب العالم المتطلعة الى التحرّر، ليس مُفاجِئاً لشعوب العالم، بل هو مفاجىء لشعب اوكرانيا نفسه الذي اعتاد على التنفس بحرية وإقامة الصداقة مع الأمم والشعوب، وما يجري محاولة شمطاء لافراغ اوكرانيا من خزّانها التحرّري، ولتكريسها لعقلية التاجر الغربي وقوات الاحتلال الدولية، التي تتمركز على أراضيها، مُهدّدة روسيا وتواصل وإتصال شرق أوروبا تاريخياً وحضارياً مع العالم العربي، الذي هو الخزّان الروحي لروسيا وأوكرانيا وبيلوروسيا وغيرها من الدول السوفييتية والاشتراكية السابقة، وفي آسيا الوسطى بمسلميها الكُثر كذلك.
ـ وللحديث بقية.
*رئيس رابطة القلميين الدولية حُلفاء روسيّه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.