العالم دخل حقبة من المتغيّرات الاستراتيجية

جريدة البناء اللبنانية-

رنا جهاد العفيف:

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعلن التعبئة العامة الجزئية، وقلق الغرب والولايات يربك الحالة السياسية في الإدارة، ومراقبون يحللون كلمة بايدن إذ رأى أنّ روسيا تحاول محو دولة من الخارطة، والرئيس الصيني يدعو الجيش للاستعداد للقتال الحقيقي، بينما رئيس الجمهورية الإسلامية السيد ابراهيم رئيسي يرفع صورة الشهيد قاسم سليماني في عقر دار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك…

ما الهدف من التعبئة؟ وأين يمكن ان نرى نتائجها، وأيّ حقبة جديدة من التغييرات التي دخلها العالم؟ مواقف وقرارات استراتيجية قد تغيّر مجرى المنطقة؟

من أجل ضمان سلامة وسيادة شعبها وأرضيها، رأى الرئيس الروسي فلاديمير أنّ هناك ضرورة لدعم هيئة دفاع الأركان، بإجراء التعبئة الجزئية في روسيا الاتحادية، إلا أنّ تم التوقيع على الأمر ذي الصلة، وقالت مصادر بأنّ المواطنين الموجودين في الاحتياط فقط هم سيخضعون للتجنيد، وقبل كلّ شيء أولئك الذين خدَموا في القوات المسلحة لديهم تخصصات عسكرية معينة وخبرة ذات صلة، هذا الموضوع أثار جدلاً غربياً في أوساط السياسية العالمية، والأميركية تحديداً، وأخذ محللون يترجمون هذة التعبئة على أنّ الجيش الروسي لديه ضعف ونقص في المقومات العسكرية وفي العتاد البشري وإلى ما هنالك من إحباط في المصطلحات التي اعتدنا عليها، نتيجة الحرب الأوكرانية، أيّ عملية شدّ انتباه سياسي باتجاه أوكرانيا ومن خلفها الولايات الداعم الأكبر لها، إلى أن وقع الرئيس الروسي المرسوم، لتأتي هذة الخطوة بالمعنى العملي والعسكري، نتيجة التطورات والمتغيّرات التي تعصف بروسيا، حيث قال بوتين في كلمة له بشأن تطورات العمليات العسكرية الروسية، وحذر من يحاولون استفزاز روسيا بالأسلحة النووية، من تحوّل الريح باتجاههم، وأكد أنّ بلاده ستخدم جميع الرسائل المتاحة للحماية، إذا تعرّضت وحدة أراضيها للتهديد، وهذا حقّ سيادي لا مساومة عليه، لماذا يحقّ للولايات ما لا يحقّ لغيرها، ولكن هذا ليس مبدأ من أولويات الدبّ الروسي، ولكن سياسته الغامضة تجعل الكثير من المحللين يدخلون في دائرة الصراع السياسي حول ما يدور برأسه كرئيس استخباري من الطراز الحديث واكب سياسة الاتحاد السوفياتي، ومن الصعب فهم مجريات استراتيجيته حالياً، لأنه ربما يعيد رسم سياسة استراتيجية عسكرية خاصة بالخطر المحدق بروسيا، وهذه التعبئة لها دلالة كما لها نتائج مثمرة قد تظهر في القريب العاجل، وإلا لما سارع بوتين في هذة الخطوة التي عليها إشارة استفهام، في ظلّ ردّ بايدن له، عندما أكد أنّ روسيا غير منتصرة في الحرب النووية، ويتهمها بمحاولة محو دولة على الخريطة، لذا من المتوقع أن ترسم روسيا خارطة للعالم قد ترفع عبرها سقف الصراع المحتدم، لتنقل روسيا الجديدة معالم الانتصار والمواجهة إلى الغرب الأطلسي، لكسر محاولات استنزافها عبر وكلاء…

هذا ما دفع الولايات لاتخاذ إجراءات حاسمة للحدّ من السلاح النووي كحفظ ماء الوجه لأنها في حقيقة الأمر لا تستطيع الولايات خوض هذه المعركة لأسباب كثيرة تتعلق بفشل المنظومة السياسية والأمنية والميدانية لديها، ناهيك عن الفشل الذريع التي تتحضّر له روسيا أمام العالم بخطة مدروسة، وبالتالي روسيا أدرى بالغرب، وأيّ خطوة ستتخذها ستكون مسؤولة عنها تجاه التجييش والتزييف والحملات التي تشنّ ضدّها، وإذا قالت روسيا فعلت وترجمة هذا الفعل على أرض الواقع وسنراه في القريب العاجل لطالما نتحدّث عن معركة أو عملية عسكرية أعلنت عنها روسيا، بدأتها من شباط الماضي واليوم تصل إلى خطوة فيها وفق تطورات الميدان، وبالتالي هذا يسبب قلقاً ومخاوف للغرب خاصة أنّ خطوة التعبئة ضربت بأكثر من اتجاه، منها لتعزيز قوّتها العسكرية والأخرى استدعت حيّز الاستنفار في التحليل السياسي القائم…

أما في ما يخص الرئيس الايراني السيد رئيسي فقد أكد أن لا خيار أمام العالم سوى تعدّد الأقطاب، وهنا نتحدث عن سياق معركة، إذ كان للغرب ردّ فعل، خلال إلقائه كلمة أمام الجمعية العامة للأمم في نيويورك ورفع صورة القائد الشهيد قاسم سليماني، وقال: إنّ أميركا قامت بصنع داعش، القضية هي أن هناك حكومة ومن أقصى الكرة الأرضية قرّرت إعادة رسم جغرافيا المنطقة على حساب إراقة دماء مئات الآلاف من الأطفال والنساء، ولكن الجمهورية الإسلامية أوقفت هذا المخطط وأبعدته للتلف، قائد هذة الحرب ضدّ الارهاب ومدمّر داعش لم يكن أحد سوى فريق الشهيد الحاج قاسم سليماني الذي استشهد في طريق تحرير شعوب المنطقة، والرئيس الأميركي السابق سجل وثيقة ارتكابه هذه الجريمة، ونطالب بمتابعة عادلة للجريمة التي اعترف بها ونعتبرها خدمة للإنسانية، أي يؤكد إصرار طهران على تقديم ترامب للعدالة، وإن لم يكن هناك عدالة، سيكون هناك حساب مفتوح وهو ما زال قائماً، ولكن تنتظر طهران نتائج نوايا مجلس الأمن الذي يتشدّق بالإنسانية تجاه القضية من مبدأ احترام القانون الدولي والتزامها بعدم تجاوزه، وهذا طبعاً يمثل سياسة إيران الأخلاقية السياسية، وبمجرد رفع صورة الشهيد في عقر دار الجمعية، يمثل تحدياً كبيراً، عدا عن الصورة الحقيقية المنطوقة بالثأر وهي تتكلم…

كل هذه المعطيات مع عوامل المتغيّرات دخلت العالم أجمع في حقبة استراتيجية تمثل ثلاثية الصيني ـ الإيراني ـ الروسي، محور نقطة ارتكازه إبعاد شبح الحرب في حال غيّرت واشنطن من انتهازية سياساتها الاستفزارية المبتذلة، وإلا سيكون هناك عواقب وخيمة، قد تبدأ خيوط هذه المعركة الجديدة باستعداد الصين لها إذ تدرك الأخرى أهمية ذلك وتأخذها على محمل الجدّ ليكون لها تأثير واضح على العالم اقتصادياّ، وذلك من خلال التناغم الثلاثي بالتزامن مع انعقاد الجمعية العامة للدورة السابعة والسبعين ومنها ربما ستنطلق الخلافات الدولية وعليها ستكون مواقف نارية بأخذ الاعتبار بالقرارات الاستراتيجية…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.