العلاقات السورية الإيرانية: علاقة بلدين تتحوّل الى محور مترامي الأطراف

موقع الخنادق:

تشكّل زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية في إيران السيد إبراهيم رئيسي الى سوريا اليوم الأربعاء، مناسبةً لاستعراض المحطات التاريخية التي مرّت بها العلاقات الثنائية ما بين البلدين. فهذه العلاقات التي تحّولت مع الأعوام الى حلفٍ استراتيجي، شكّلت جبهة تحدٍ كبيرة أمام المشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة، واستطاعت تحويل التحدّيات المختلفة الى فرص، أنتجت محور مقاومة يمتدّ شعبياً الى ما هو أبعد من طهران شرقاً وصولاً إلى ما هو أبعد من دمشق وبيروت غرباً، وكذلك شمالاً وجنوباً.

وتمثل العلاقات الثنائية بين إيران وسوريا تحالفًا إستراتيجيًا يتجاوز الاختلاف الأيديولوجي في شكل الحكم والتنوّع المذهبي. يعود تاريخ هذه العلاقة إلى الحرب الإيرانية العراقية 1980. كما تجمع القضية الفلسطينية والعداء للكيان المؤقت البلدين، وترتكز العلاقة بينهما على مواقف جامعة في نصرة الشعب الفلسطيني ورفض المخططات الإسرائيلية وإحباط المشاريع الأمريكية ودعم الأمة الإسلامية. واتّسمت العلاقة بالبقاء تحت سقف الجوامع المشتركة حول ضرورة الثبات على الممانعة والمقاومة والحفاظ على السيادة وعدم التبعية. دعمت إيران الدولة السورية وساندت الرئيس الأسد منذ اندلاع الحرب الإرهابية الكونية على سوريا سنة 2011، التي خططت لها واشنطن لتكون حربًا أهلية تطيح بمواقف سوريا الممانعة تجاه العدو الإسرائيلي، وسوريا القوية عسكريًّا والمكتفية اقتصاديًّا.

ومذ أدخل خطاب الولايات المتحدة الأمريكية كل من إيران وسوريا فيما اصطلح عليه بـ “محور الشر”، أثبتت العلاقات المزيد من التضامن والدعم في مواجهة النفوذ الأمريكي – الإسرائيلي. ونستعرض أدناه مراحل العلاقات السورية الإيرانية وأبرز محطاتها، إضافة إلى قراءة موجزة في عمق العلاقة ومستقبلها.

فما هي أبرز هذه المحطّات التاريخية للعلاقة ما بين البلدين؟

التصادم الفكري السياسي ثم التوازن، قبل الثورة الإسلامية في العام 1979

_طوال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، خلال الحكم البهلوي، حصل تصادم سياسي بين القومية العربية السورية والقومية الفارسية، عنوانها سياسة الشاه محمد رضا بهلوي.

_في منتصف السبعينات، فُتحت نوافذ سياسية جديدة على علاقة سورية إيرانية موزونة؛ انعكست على العلاقات الاقتصادية بينهما، فتم التوقيع على اتفاق اقتصادي بين البلدين في العام 1974، وتُوجت بزيارة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد إلى طهران في كانون الأول / ديسمبر من العام 1975.

مرحلة التحالف السياسي والتعاون الثقافي والوساطة مع دول الخليج (1979-1990)

_انضمت كلاً من إيران وسوريا إلى جانب ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى محور رفض اتفاقيات كامب ديفيد، بين مصر والكيان المؤقت والولايات المتحدة في أيلول / سبتمبر 1978.

_مع الغزو العراقي لإيران في خريف العام 1980، أغلقت سوريا أنبوب النفط العراقي كركوك- بانياس وحرمت العراق من موارده المالية، وفي المقابل حصلت على النفط الإيراني ذو الكلفة المتدنية.

_كانت سوريا بمثابة قناة تحاور غير مباشر بين دول الخليج وإيران، بينما شكّلت الأخيرة بديلًا عن مصر بالنسبة لسوريا.

_عام 1983، افتتحت إيران أول مركز ثقافي لها في سوريا في ضاحية المزة في العاصمة دمشق، ثم نُقل إلى قلب دمشق قبالة ميدان الشهداء، بغية التنسيق مع الجامعات السورية.

_في منتصف الثمانينات، أكّدت العلاقة على أهمية وانعكاس التحالف بين البلدين على موازين القوى الداخلية والنفوذ الإقليمي.

_قدمت سوريا الدعم العسكري لإيران -خلال الحرب العراقية الإيرانية- بالتدريب والتزويد بصواريخ سكود خلال الفترة الواقعة ما بين 1986-1988.

_في نهاية الثمانينات، كان التحالف السوري لإيران هو بحكم الأمر الواقع، كما أنه التحالف العربي الأوحد لإيران، مع التوافق المركزي على ضرورة وجود المقاومة اللبنانية وسلاحها في ردع الكيان المؤقت.

 

مرحلة وضوح الرؤى وتبلور ملامح التحالف المقاوم (1990-2000)

_تأييد إيراني لمواقف سوريا في استعادة أرض الجولان المحتّل، وثبات سوري على التمسّك بالقضية الفلسطينية، ورفض التطبيع في مؤتمر مدريد لـ” السلام” (1993).

_بقاء سوريا كطرف أساسي في الصراع العربي-الإسرائيلي.

_زيارة الرئيس السوري حافظ الأسد لإيران في الـ 1 من آب / أغسطس 1997، ولقاءه نظيره الإيراني الشيخ هاشمي رفسنجاني وقائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي خامنئي.

مرحلة ثبات المحددات والمواجهة المشتركة (2000-2011)

_استمرار التحالف الإيراني-السوري بعد وفاة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد عام 2000، وثبات الرؤى والأهداف والمواقف من عملية التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي.

_الرئيس بشار الأسد يزور طهران في العام 2001، ويلتقي الإمام السيد علي الخامنئي، ورئيس الجمهورية آنذاك السيد محمد خاتمي. وقد تكررت الزيارة عام 2007 في عهد الرئيس أحمدي نجاد.

_نيسان / أبريل 2004، بدء تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.

_في العام 2005، افتتاح أول مركز ثقافي سوري في إيران.

_حزيران / يونيو 2006، توقيع وزيري دفاع البلدين اتفاقًا للتعاون العسكري ضد “التهديدات المشتركة” التي تشكلها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

_احترام البلدين مصالح الآخر في الدول الأخرى ضمن إطار المواجهة مع واشنطن؛ إيران في العراق وسوريا في لبنان، وتعزيز التعاون والتقارب، وبدء تبلور ملامح محور المقاومة والممانعة.

_رسم ملامح مكاسب استراتيجية عامة تتجاوز المكاسب الداخلية الضيقة لكلا الطرفين، وذلك عبر بناء نفوذ لمواجهة المشاريع الأمريكية- الإسرائيلية، لا سيما مشروع الشرق الأوسط الجديد في تفتيت المنطقة وتقسيم دولها، من احتلال العراق 2003، إلى عدوان تموز / يوليو 2006، وصولًا إلى الحرب على سوريا 2011.

_قبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب على سوريا، تم توقيع اتفاقية للغاز الطبيعي بقيمة 10 بلايين دولار مع سوريا والعراق، لبناء خط أنابيب إيران-العراق-سوريا، وهو خط أنابيب للغاز يبدأ في إيران ويمر في سوريا ولبنان والبحر المتوسط حتى يصل إلى عدد من دول أوروبا.

مرحلة توثيق التحالف السوري الإيراني في ظل حرب الإرهاب في سوريا (2011- 2019)

_الاستجابة الإيرانية لطلب الدولة السورية في تقديم الدعم اللازم وعلى كافة المستويات، إيمانًا بأهمية الحفاظ على موقع سوريا في التوازنات الإقليمية، وضرورة تقويض مساعي تحجيم دورها الإقليمي.

_عقد اتفاق تجارة حرة رمزي في 13 كانون الأول / ديسمبر 2011، لمحاولة التقليل من تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض دول الجامعة العربية على سوريا.

_استمرار الدعم الإيراني في كل مراحل الحرب على سوريا سواء العسكرية أو السياسية والاقتصادية رغم كل الظروف الصعبة وتداعياتها.

_التعاون في القضاء العسكري على تنظيم داعش الوهابي الإرهابي، واستعادة السيطرة على معظم الأراضي السورية.

_الدعم المتبادل في التحالف؛ فالصمود السوري والبرنامج النووي الإيراني وغيره يؤمنون التوازن الإقليمي ونمو المحور المقاوم.

 

مرحلة التحالف ضد الحصار الاقتصادي الأمريكي وتعزيز التعاون (2019-2023)

_التحالف انطلاقاً من مبدأ احترام سيادة الدولة السورية وقرارها ووحدة أراضيها.

_كانون الثاني / يناير 2019، جرى توقيع 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامج تنفيذي لتعزيز التعاون بين البلدين في المجال الاقتصادي والعلمي والثقافي والبنى التحتية والخدمات والاستثمار والإسكان، وذلك في ختام اجتماعات الدورة الـ 14 من أعمال اللجنة العليا السورية- الإيرانية المشتركة التي عقدت في دمشق.

_ 25 شباط / فبراير 2019، الرئيس بشار الأسد يزور طهران ويلتقي الإمام الخامنئي.

_نيسان / أبريل 2021، كسر الحصار الأمريكي عن سوريا عبر ناقلات النفط الإيرانية والمواد الغذائية. تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين عبر الاستثمارات الإيرانية في البنى التحتية السورية ووسائط النقل.

_تأمين كميات من الغاز الطبيعي الإيراني لسوريا.

_ 8 أيار / مايو 2022، الرئيس بشار الأسد يزور طهران، ويلتقي الإمام الخامنئي والرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي.

_ 27 نيسان / أبريل 2023، توقيع مذكرة تفاهم شاملة في سوريا بشأن تعزيز التعاون الثنائي في مختلف القطاعات، التي تمخضت بعد جلسات عدّة للجنة الاقتصادية السورية الإيرانية المشتركة في دمشق، دامت يومين بمشاركة ممثلي الجانبين في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات.

في عمق العلاقة ومستقبلها

اليوم، وعلى الرغم من محاولات المجتمع الدولي والعربي قطف ثمار الصمود السوري، دولة وشعبًا، من بوابة إبعاد سوريا عن حليفها الإيراني، لا تزال دمشق الحليف الاستراتيجي لطهران، وتسجّل يومًا بعد يوم المزيد من الثبات والممانعة والقدرة على تغيير المعادلات في الوقت المناسب.

إن تحالف البلدين سيبقى منيعاً أمام التشوهات التي يحاول أن يرمي بها البعض هذه العلاقة، في محاولات فاشلة منهم لزرع الخلاف. فالتجربة على أرض الواقع وفي مختلف الميادين، وعلى مدى أكثر من عقد تشير إلى تماسك هذا التحالف والتمسك بالثوابت المشتركة والتوافق على الصمود في خندق واحد، مع الحفاظ على مبدأ عدم التدخل في السياسات الداخلية والقرارات السيادية. ويشكّل التحالف بين البلدين قوة يعتدّ بها في مشروع محور الممانعة وحفظ المصالح العليا الاستراتيجية لهما.

وتسجّل التطورات الإقليمية مؤخرًا، وفي طليعتها الاتفاق السعودي الإيراني، نقطة تحول استراتيجية ستظهر تأثيراتها تباعًا في مستقبل دول المنطقة، ويبقى التحالف الثنائي الإيراني السوري نقطة توازن هذا التحوّل، التي ستحدد اتجاه التأثيرات ومداها في المنظور غير البعيد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.