“الفراغ” اللبناني والحاجة إلى عدول عن المطالب القصوى

صحيفة الوفاق الإيرانية-

محمد خواجوئي:

“الفراغ” هو مفردة يألفها اللبنانيون، لانهم يمرون اليوم بشكلين من هذا الفراغ: “الفراغ الرئاسي” و”الفراغ الحكومي.” وبعد أن انتهت الولاية الرئاسية ل”ميشيل عون” والتي دامت ست سنوات في 31 تشرين الأول/أكتوبر، بات لبنان من دون رئيس، ولا يملك في الوقت ذاته حكومة قانونية ورسمية.
ولا تلوح في الأفق حاليا بوادر لملء هذه الفراغات. فلبنان، نظامه برلماني والعصا السحرية لملء هذه الفراغات هي بيد 128 نائبا في البرلمان. بيد أن البرلمان الحالي المنبثق عن الانتخابات التي جرت في أيار/مايو من هذا العام، متعدد الأوجه والأضلاع، ولا توجد فعلا أي كتلة نيابية قادرة بمفردها على اتخاذ القرار. وكما قال السيد “حسن نصر الله” الأمین العام لحزب الله في كلمته التي ألقاها عقب الانتخابات “إن أيا من الأحزاب السياسية اللبنانية لا يمكن أن يزعم أنه نال الأغلبية في البرلمان”. ومعنى هذا أن أيا من التيارين السياسيين الشهيرين المعروفين بـ 8 و 14 آذار، غير قادر على اتخاذ القرار بصورة أحادية لانتخاب رئيس للجمهورية. وفضلا عن ذلك، فانه لا يوجد إجماع واتفاق في وجهات النظر داخل هذين التيارين.

وحتى إن استطاعت كتلة سياسية ما الحصول على الأغلبية المطلقة، فان الكتلة الأخرى، وفي ضوء امتلاكها الثلث المعطل، قادرة على إفقاد جلسة البرلمان نصابها القانوني، وتحول فعليا دون انتخاب رئيس للجمهورية. بعبارة أخرى، صحيح أن أي تيار لا يملك تلك القدرة على تعيين رئيس للجمهورية بمفرده، لكنه يملك في الوقت ذاته، تلك القدرة على ألا يسمح للتيار الآخر بتعيين رئيس جمهورية بمفرده. وبالتالي، فان التوازن في البرلمان اللبناني أدى إلى أن يكون الحل الوحيد المتاح هو التوافق والإجماع بين التيارات المختلفة صاحبة الأثر والوقع حول شخص واحد لتولي منصب رئيس الجمهورية. إن هكذا اتفاق لن يحصل اليوم بالتأكيد في ظل التوترات والشروخ السياسية، بل هو بحاجة إلى وقت قد يدوم طويلا.

ولا شك أن إجماع التيارات المختلفة التي يتبنى كل منها توجها بعينه ولديها مصالح خاصة، أمر صعب المنال، لكن يبدو أنه لا مناص منه. وهذا يتطلب أن تغض جميع التيارات الطرف عن مطالبها القصوى وأن تلتقي معا في منتصف الطريق. والحقيقة أن تسوية الأزمات المتشابكة التي يمر بها لبنان اليوم خاصة الأزمة الاقتصادية، لا يقدر تحقيقها تيار سياسي بعينه، وهي بحاجة إلى وفاق وطني تعتمده جميع الطاقات لإيصال البلاد إلى بر الأمان.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.