القدس شرفكم

 

إيهاب شوقي*

ليس جديداً ان يطالب الكيان الاسرائيلي بالقدس وليس جديدا ان يعتدي عليها وينهبها، فمنذ أن تم التسلل إليها بتواطؤ بريطاني ثم الاستيلاء على شقها الغربي مرورا بعدوانه واحتلاله للجانب الشرقي في العام 67 ثم اعلانه للضم بعد يقينه واطمئنانه بعصر “السلام” الى الان ودعوته بل واستغرابه من التلكؤ الدولي للاعتراف بها عاصمة موحدة للكيان وهو يسير بخطى منظمة لتصفية القضية واعلان وفاة المقاومة عبر ضم رمزها الاكبر وجوهرة تاجها الممثلة بالقدس.

ولكن الجديد هو الثقة المتناهية التي يتكلم بها نتنياهو والاجراءات المتسارعة للتهويد والاستيطان والجديد القديم نسبيا الممثل في التطبيع العلني العربي والحرب المعلنة على جيوب المقاومة العربية والاسلامية.

القدس ليست كامل القضية، فالقضية هي فلسطين من النهر للبحر وهي اي ارض يتم اغتصابها وهي اي مشروع يستهدف خدمة الاستعمار، والقدس هو رمز القضية وجوهرها لان قدسيته هي الملاذ الاخير لفرز الامة، حيث تتدرج المقدسات وفقا لطبيعة كل فرد، وقد لا يعتبر البعض ان التحرر الوطني مقدس وهم في ذلك متفاوتون، الا ان المقدس الديني يجمعهم والمفرط فيه هو شخص مفرط في اي شيء ولا يعول عليه في أية قضية ومقاومة.

المفارقة المؤسفة هي ان الدول التي يناط بها استرداد الارض والعرض تصب جام غضبها على المقاومة وتنفق ثروات شعوبها لاسترضاء الصهيوني وراعيه الامريكي الاكبر.

المفارقة المؤسفة ان الدعوة الصادرة لاحياء يوم القدس العالمي في الجمعة الاخيرة من شهر رمضان الكريم من كل عام هي دعوة صادرة من الجمهورية الاسلامية الايرانية ومن الامام الخميني وهي الجمهورية التي تتكالب الحكومات “العربية” على مهاجمتها وعدائها ووصفها بالتدخل في الشؤون العربية!

هل التمسك بالقدس وعدم الاعتراف بالكيان الصهيوني اللقيط هو تدخل في شؤون التفريط والبيع والمشاركة في تصفية القضية؟ هل هذه هي شؤون العرب؟!ٍ

هل احياء يوم القدس والتذكير بانه عربي واسلامي تدخل في شؤون تسير بالقضية نحو التصفية وبالقدس نحو اهدائه عاصمة ابدية لـ”اسرائيل”؟!

هل الاحتفال بالقدس ويومه اصبح قاصرا على “الشيعة” بعد رفض الاحتفال به باعتباره تدخلا ايرانيا “صفويا مجوسيا شيعيا” في شؤون العرب.
هل اصبح أمن الخليج مرادفا لأمن “اسرائيل”؟!

المفارقات المخزية لم تعد مفارقات وانما تحولت لروتين معتاد، بل وتحولت لصياغة جديدة لمفهوم الامن القومي.

اصبح الامن القومي متماسا مع امن الكيان الصهيوني في جميع مفرداته وابعاده الاجتماعية والعسكرية والاقتصادية، بل واصبح مفهوم الصراع مشوها ويتجه بقوة ليصبح معكوسا.

في هذه الامة المعكوسة الوعي او التي يراد لها ذلك، لا يتردد امثال نتنياهو عن الاعلان بثقة عن عاصمة الكيان الابدية ولا يتورع عن اجراءات يومية لتهويدها والتبجح بمنع دخول المسلمين والعرب لها بعد التبجح السابق بربط دخولهم بتصاريح!

ولا يتورع “الصديق” الامريكي عن الاعلان عن نقل سفارته للقدس وتثبيت قناعة بأنها مسألة وقت وظرف متاح فقط .

مما يخشى الامريكي وممن يتحسب؟ انه يتحسب ويخشى فقط من المقاومة النبية التي لا كرامة لها في اوطانها، ولا يخشى ممن يرقص معهم بالسيف او الذين يرونه قادرا على فعل المستحيل!

القدس سيبقى شاهدا على القضية وحجة عليها ويوم القدس العالمي سيبقى شاهدا على انصار القضية والمتمسكين بها.

وكلمة لمن هم يرون ان يوم القدس يوم سياسي ابتكرته ايران لزرع نفوذها “الفارسي” وانه ذريعة للتدخل، لماذا ايها الغيورون لا تقيمون يوما لكم باسم القدس لتحيون به القضية ويكون شاهدا على تمسككم بها، ولو انكم لا ترون المناسبات هي الفيصل وانما العمل والاجراءات، فما هي اجراءاتكم وافعالكم لتحموا القدس من المزيد من الانتهاك ولا نقول لتحريره، ثم اي تدخل تزعمون، اليس القدس قضية امة بأكملها ام انكم ستتدخلون ايضا في تحديد مفهوم الامة وتوزعون صكوك الانتماء لها؟
لم تعد الكلمات تجدي نفعا مع من اصموا اذانهم وانما الرهان دوما على الشعوب والتي نقول لها ان القدس شرفكم وكما قال الشاعر الكبير مظفر النواب هي عروس عروبتكم، ونشاركه في توجيه هذا التحذير لكم:

سنصبح نحن يهود التاريخ

ونعوي في الصحراء بلا مأوى

هل وطن تحكمه الأفخاذ الملكية؟

هذا وطن أم مبغى؟

(*) كاتب عربي من مصر

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.