الكيان الصهيوني يعيش مأزق وجودي يحاول إنقاذ نفسه عبر إشعال نيران الحرب في المنطقة

وكالة مهر للأنباء-

عبدالباري عطوان:

طرح المحلل السياسي الفلسطيني عبدالباري عطوان عدة أسئلة تجاه القضية النووية الإيرانية و أجاب عليهم في هذا المقال في مايلي:

هل باتت إيران على بُعد “شهر” من القنبلة النوويّة مثلما قالت “نيويورك تايمز”؟ ولماذا يتّفق إيهود باراك مع هذه “النّبوءة” وما هي الخِيارات التي يطرحها للرّد؟ ولماذا كشف قائد الاستِخبارات عن دوره في اغتِيال سليماني؟ وهل خطّطت إيران فِعلًا لقتل رجال أعمال في قبرص؟

صحيفة “النيويورك تايمز” الأمريكيّة رشّت أكْوامًا من المِلح على جُرح هذا القلق والإرتِباك الإسرائيلي المُتصاعِد عندما نقلت عن خبيرٍ نوويّ أمريكيّ كبير (لم تُسمّه) قبل أيّام قوله بأنّ إيران “باتت على بُعد شهرٍ واحد من تخصيب كميّات كافية من اليورانيوم لإنتاج قُنبلة نوويّة”.

كثيرٌ من الجِنرالات والخُبراء الإسرائيليين يتّفقون مع خبير “النيويورك تايمز”، ولكنّهم يختلفون معه على المُدّة الزمنيّة، وأبرزهم إيهود باراك، الجِنرال ورئيس الوزراء الأسبق الذي دخل حلبة النّقاش هذه وكان الأكثر تشاؤمًا عندما قال “إيران ستُصبِح دولةً نوويّة، وأيّ عمل عسكري ضدّها سيكون محدود الأثَر والحل هو توثيق العُلاقة مع واشنطن التي دمّرها نِتنياهو”.

***

الجِنرال إيال حولتا، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، طار إلى واشنطن للاجتِماع اليوم الثلاثاء مع نظيره الأمريكي جيك سوليفان، لبحث الخِيارات المطروحة أمام البلدين لمُواجهة التقدّم الإيراني المُتسارع في المجال النووي والسّياسة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط بعد الهزيمة والانسِحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان.

السّؤال المُلِح الذي يتردّد حاليًّا في أوساط النّخبة الإسرائيليّة، بشقّيها السياسيّ والعسكريّ، وبات الشُّغل الشّاغل للعديد من أجهزة الإعلام الإسرائيليّة هو “ما العمل، وما الذي نستطيع أن نفعله؟”.

هُناك شِبه إجماع على وجود خِيارين رئيسيّين أمام الحُكومة الإسرائيليّة لا ثالث لهُما:

الأوّل: أن تُرسِل طائراتها الحربيّة من نوع الشّبح (إف 35) أو القاذفات من طِراز “إف 16” لضَربِ البرامج النوويّة الإيرانيّة على غِرار تدمير المُفاعل النّووي العِراقي “تمّوز” عام 1981، والسّوري شرق دير الزور عام 2007.

الثّاني: التّعايش مع هذا “الورم” النووي الإيراني لسنواتٍ قادمة الغُموض النووي، والاعتِراف علانيّة بامتِلاك مشروع نوويّ متقدم، كنَوْعٍ من الرّدع.

مُعظم الخُبراء والجِنرالات الإسرائيليين المُتقاعدين يُؤكّدون أنّ أيّ هُجوم عسكري لن يُؤدّي إلى تدمير هذه البرامج الإيرانيّة، بل قد يُعطِي نتائج عكسيّة، ومِن هؤلاء إيهود باراك، وموشيه يعالون، وإيهود أولمرت وآخرين، لأنّ مِثل هذا الهُجوم قد يُؤدِّي إلى ردّ فِعل إيراني قوي، سواءً بشَكلٍ مُباشر، أو غير مُباشر، عبر اصدقاء إيران العسكريّة الحليفة مِثل “حزب الله” الذي يملك 150 ألف صاروخ، أو “حماس” أو “الجِهاد” في قِطاع غزّة، ممّا قد يدفَع بالجيش الإسرائيلي للتوغّل بَرِّيًّا في لبنان والقِطاع وربّما سورية أيضًا، وهذا يعني تكلفةً بشريّةً عاليةً جدًّا وغير مضمونة النّتائج.

نتعاطى بحَذرٍ شديد مع كُل هذه النّقاشات، ولكن من الواضح أنُ حالة القلق والارتِباك التي تسود دولة الاحتِلال الإسرائيلي حاليًّا باتت جليّةً وواضحةً للعيان في ظِل ارتِفاع أرقام الهجرة المُعاكسة باتّجاه أوروبا وكندا والولايات المتحدة الأمريكيّة بحثًا عن مَلاذٍ آمِن دائم، والإحصاءات لا تَكذِب.

إدارة الرئيس جو بايدن تُواجِه ضُغوطًا مُتصاعِدةً من اللوبيّات الإسرائيليّة لاتّخاذ مواقف صارمة ضدّ إيران، لدفعها للعودة إلى مُفاوضات فيينا النوويّة، أو الإقدام على عملٍ عسكريٍّ ضدّها إذا لم تفعل، ومُعظم الآراء تُرَجِّح أن يحمل الجِنرال إيال حولتا، مُستشار الأمن القومي الإسرائيلي، هذه الرّسالة إلى نظيره الأمريكي، ويأمَل أن يعود إلى تل أبيب حامِلًا الرّد.

الرئيس بايدن طالب إيران وقف تلكّؤها والعودة إلى مائدة المُفاوضات، وإذا لم تفعل فإنّه سيلجأ إلى “الخطّة ب”، دون أن يُحَدِّد ما يقصده من وراء هذا التّهديد، العمل العسكري؟ وهذا مُستَبعَدٌ بعد هزيمة أفغانستان، المزيد من العُقوبات؟ وهذا هو المُرَجَّح.

إيران الرئيس إبراهيم رئيسي القريب جدًّا من قائد الثورة السيّد علي الخامنئي والجناح الثّوري، غير الرئيس حسن روحاني الإصلاحي، ومحمد جواد ظريف، وكبير المُفاوضين عبّاس عراقجي، الذين راهنوا على الاتّفاق النووي، وفَشِلُوا فشلًا ذريعًا، وأيّ عُقوبات أمريكيّة جديدة و”صارمة” ربّما لن يكون لها أيّ تأثير حقيقيّ في دولة عاشت، وتعيش تحت الحِصار مُنذ أربعين عامًا، ووظّفته بشَكلٍ إيجابيّ للاعتِماد على النّفس، والتحوّل إلى قُوّةٍ عسكريّةٍ إقليميّةٍ عُظمى، وربّما نوويّة.

***

خِتامًا نقول إنّ إسرائيل قد تلجأ للتّصعيد ضدّ إيران، سواءً باتّهامها بالوقوف خلف فِرَق اغتِيال كانت تُخَطِّط لقتل رجال أعمال يعيشون في قبرص، أو بكشف رئيس مُخابراتها العسكريّة الجِنرال تامير هيمان عن دَوْرٍ إسرائيليّ باغتِيال اللواء قاسم سليماني رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ورفيقه الحاج أبو مهدي المهندس لاستِفزاز إيران ودفعها للانتِقام، الجِنرال هيمان كان مَسؤولًا عن ملف إيران قبل تولّيه منصبه الحالي، ومن غير المُستَبعد أن يكون أحد المُشرفين على عمليّات اغتِيال عُلماء الذرّة الإيرانيين.

إيران التي نفت أيّ دور في عمليّة الاغتِيال المزعومة هذه في قبرص، وأيّ عُلاقة بالمُتّهم الأوّل وهو عميل أذربيجاني تمّ العُثور بحوزته على مُسدّس كاتم للصّوت، من المُستَبعد أن تنجرّ إلى هذه المِصيَدة، أيّ الاغتِيالات في الخارج، وفي هذا التّوقيت بالذّات، ولكن من غير المُستَبعد أن تكون المُخابرات الإسرائيليّة هي التي تُريد جرّها إلى هذه المِصيَدة، والقِيام بعمليّات اغتِيال مُماثلة وتُلصِقها بها، مثلما فعلت في زمن صُعود العمل الفِدائي الفِلسطيني.

باختِصارٍ شديد نقول إنّ إسرائيل تعيش مأزقًا وجوديًّا، ورأيها العام في حالة هلع، الأمر الذي قد يدفعها للإقدام على عمليّةٍ عسكريّةٍ لإشعال فتيل الحرب في المنطقة، والأمر المُؤكَّد أنّها ستكون الخاسِر الأكبَر.. والأيّام بيننا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.