“المجتمع المدني” نصفه مجنّد!

موقع العهد الإخباري-

ليلى عماشا:

“عدد جمعيات المجتمع المدني في لبنان يتخطى الـ١١ ألف جمعية ومنظمة غير حكومية.. ينشط منها حوالي السبعة آلاف، نصفها يعمل تحت مظلّة وأجنحة مخابرات دولية..”. هي ليست تخمينات بل معلومات صرّح عنها وزير الداخلية اللبناني السابق محمد فهمي.
الصادم في هذا التصريح ليس فحواه المتعلّق بارتباط هذه المنظمات والجمعيات بالأجندات المخابراتية العابرة للقارات وللدول، بل في العدد الذي يتخطى المعقول والمنطقي في بلد مثل لبنان، وإذا أردنا فرد هذه الجمعيات على مساحة لبنان، سيتبين أنّ في كلّ كيلومتر مربّع تنشط جمعية وكسور!

بالمبدأ، تتواجد المنظمات غير الحكومية في كلّ البلاد. يتعلّق نشاطها غالبًا وظاهريًا بالشؤون الاجتماعية والصحية والتعليمية والرياضية والبيئية. تختلف أهدافها وطرق عملها كما تختلف مصادر تمويلها، وتتنوّع شعاراتها بتنوّع غاياتها وميادين عملها. وهي في معظم الأحيان تتبنى قضايا محدّدة وتتفاعل بشكل مباشر مع الناس بكونها خلايا أهلية تنشط وتتفاعل مع الشارع من المسافة صفر. يدخل أفرادها البيوت، يملأون استمارات ويستطلعون بيانات ومعلومات ويبنون مع العائلات صلات وطيدة. المشهد من خارجه جميل ومبهر ولا سيّما حين يتعلق العمل بالقضايا التي ترتبط بالفقر وبالفقراء: جمعيات بأسماء وشعارات مختلفة تنشط في المناطق الأكثر فقرًا، تؤمّن التعليم ومحو الأمية والحدّ من التسرّب المدرسي، تتدخّل في حالات العنف المنزلي، تساهم في تأمين ما يتعذّر على البعض تأمينه ولا سيّما في مجال الاحتياجات الخاصة، تحرص على حقوق الحيوانات، تساعد النساء المعنّفات، تؤمّن كتبًا وحاجات مدرسية، غرسات أشجار مثمرة، الدفاع عن حقوق فئات محدّدة ومختلفة من المجتمع، إلى ما هنالك من أمور اعتدنا أنّها من اختصاص المنظمات غير الحكومية والتي يتمّ تمويلها سواء من وزارة الشؤون الاجتماعية أو من المنظمات الدولية أو من حملات التبرعات المختلفة.

في لبنان، يختلف الأمر قليلًا. ولم يفشِ وزير الداخلية اللبناني السابق سرًّا حين قال أن حوالي نصف الجمعيات المدنية الناشطة، أي حوالي ٣٥٠٠ جمعية، تعمل لصالح مخابرات دول عديدة. وبالتالي هنا نتحدّث عن تجنيد عملاء لصالح هذه المخابرات تحت مسمّى ناشط مدني. ولعل فوضى ١٧ تشرين وكلّ ما رافقها وتخلّلها كان الميدان الذي ظهر فيه تأثير هؤلاء المجنّدين إلى العلن. وإن كانت تستفزّهم الإشارة إليهم بصبية السفارات، فيمكن تسميتهم منذ الآن، وبالاستناد إلى معلومات وزير الداخلية، بعملاء المخابرات.

لم ينكر هؤلاء يومًا حصولهم على التمويل الأجنبي المرتبط بأجندات الجهة المموّلة. أو ربّما اضطروا إلى عدم انكارها بعد سلسلة الفضائح التي طاولت طريقة عملهم والخلافات فيما بينهم والتي خرجت إلى العلن على خلفية تقاسم التمويل ونسبه. لكن الغريب في الأمر أنّهم رغم ارتكابهم علانية ما يمسّ بالمفاهيم الأوليّة للسيادة وللاستقلالية ولحرية الإختيار، لا يكفّون عن المحاضرة بالعفّة في ما يخص هذه المفاهيم، وهم بذلك إمّا يراهنون على استغباء الناس، أو هم فعلًا يدفنون رأسهم في الرمال ويظنون أنهم بذلك يصبحون غير مرئيين، أو ببساطة فقدوا كلّ ذرّات الحياء ففعلوا ما شاؤوا.. وقد يكون الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى المنطق لأن ارتباطاتهم الخارجية هذه ليس فيها “خط رجعة” وبالتالي هم مضطرون إلى مواصلة الطريق ولو كشفهم العالم كلّه، لا سيّما أنّه لم تتم محاسبة أي “مفضوح” منهم.

من ناحية أخرى، وفي مجال يشكّل خطرًا حقيقيًا على المستويات كافة، تسرّب هؤلاء إلى داخل البيئات اللبنانية تحت مسميات وشعارات طبيعية ومعتادة ونمطية في مجال عمل المنظمات المدنية، ليفتحوا فيها ثغرات تمكّن جيلًا آخر من المنظمات من العبور إلى بيوت الناس بمسميات أكثر صراحة، ولنقل وقاحة إذ تقترب من المحرمات الاجتماعية ومنها الشذوذ الجنسي وتشريع الإجهاض وغيرها من “الحريّات” التي تجري محاولة تطبيعها بحيث لا تعود تشكل حالة صدمة ورفض لدى الناس. ولهذا اقترنت شعارات هؤلاء بكلام حق يراد به باطل لا سيّما في استهدافها للبيئات التي تعادي المخابرات المموّلة والمجنِّدة.

ما قاله وزير الداخلية الأسبق، وان كان معلومًا وبالأحرى مفضوحًا، أصبح اليوم معلومات تتحمّل كل الجهات المعنية مسؤولية متابعتها وملاحقتها والتدقيق فيها، ولن نقول محاسبة المرتكبين فيها لأن المحاسبة مرتبطة بسلسلة مؤسساتية متكاملة غير متوفرة في لبنان، ولن تتوفر في المدى المنظور. لكن الفائدة من المتابعة تكمن في كونها تشكل حجر أساس لهجمة أهلية مرتدّة تعيد تحجيم دور وفعالية المنظمات المدنية المتورطة في العمالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.