المغرب والجزائر على صفيح ساخن

موقع العهد الإخباري-

روعة قاسم:

تشهد العلاقات بين الجزائر والمملكة العربية المغربية حالة من التوتر والتأزم غير المسبوق، وقد زاد من حدتها دخول الرباط على خط التطبيع الصهيوني بكل ما يمثله ذلك من مخاطر على أمن الإقليم المغاربي.

وقد بدأ التصعيد غداة مقتل ثلاثة من الرعايا الجزائريين على الخط الحدودي مع موريتانيا في قصف نُسب الى المغرب. بعث وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة برسالة إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، وأمين سر منظمة التعاون الإسلامي يوسف بن أحمد العثيمين، لـ”ابلاغهم بالعمل الذي قام به المغرب”. ووفقا لوكالة الأنباء الجزائرية، “شدد رئيس الدبلوماسية الجزائرية في رسائله على أن استخدام الدولة المحتلة لأسلحة قاتلة متطورة لعرقلة حرية حركة المركبات التجارية في فضاء إقليمي لا حقوق لها فيه، يعتبر سياسة هروب للأمام ويحمل مخاطر وشيكة للأمن والاستقرار في الصحراء الغربية، وفي المنطقة كلها”.

من جهتها، أكدت الحكومة المغربية، أن بلادها تتمسك “بالاحترام الدقيق جدًا لمبادئ حسن الجوار مع الجميع”، وذلك في تصريح للمتحدث باسم الحكومة، مصطفى بايتاس لوسائل اعلام محلية.

ملفات خلافية عديدة

وفي الحقيقة فإن الحديث عن مبادئ حسن الجوار يبدو اليوم شكليا في خضم أزمة عميقة متجذرة تعيشها المنطقة. فالخلاف الجزائري المغربي مرتبط بملفات عديدة لعل أهمها ملف الصحراء الغربية واعتراف الجزائر بجبهة البوليساريو في مقابل إصرار مغربي على أحقية الرباط في تلك المنطقة الغنية بالمعادن الثمينة.

وقد تأزمت العلاقات مؤخرا مع الرباط الى حد دفع الجزائر الى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع هذا البلد الجار، وذلك على خلفية تصريحات عدائية أطلقها وزير خارجية الاحتلال الصهيوني يائير لابيد، أثناء زيارته الى الرباط “معربًا عن القلق مما أسماه التقارب بين ايران والجزائر” وهو ما اعتبرته الجزائر تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية وعدوانا واضحا.

وتطرح هذه الأزمة إشكاليات عديدة مرتبطة أساسًا بتأثيراتها على بلدان المنطقة وأمنها. ولعل السؤال الأهم هو من يحرّك نار البركان الخامد في شمال افريقيا ولمصلحة من حدوث حرب إقليمية ما قد تأكل الأخضر واليابس وتدخل المنطقة في سيناريو “الشرق الأوسط”؟

في هذا السياق يعتبر الناشط والمحلل السياسي التونسي محسن النابتي في حديثه لـ” العهد” أن التصعيد في منطقة المغرب العربي كان منتظرًا منذ دخول الكيان الصهيوني على خط الأزمة من خلال التطبيع الحاصل بين المملكة المغربية و”إسرائيل”. ويضيف محدثنا: “اذا عدنا قليلًا إلى الوراء نجد أن الجزائر في مرحلة ما يسمى بـ”الربيع العربي” مرت بمرحلتين، الأولى هي مرحلة انكفاء حاد نتيجة شيخوخة الرئيس السابق وأزمة الحكم التي عاشتها الجزائر، ثم في مرحلة لاحقة كانت أزمة انتقال السلطة من نظام بوتفليقة الى عبد المجيد تبون وما رافق ذلك من حركة احتجاجية عرفتها الجزائر استطاع الجيش خلالها بحنكة كبيرة أن يفصل بين مطالب الشعب المشروعة والشرعية للشعب الجزائري في الإصلاح والتبادل السلمي على السلطة وغيرها ، وبين الحركات الانفصالية المرتبطة بالكيان الصهيوني وفرنسا”.

ويضيف النابتي: “بعد انتقال السلطة وصعود تبون وما أعقب ذلك من إصلاحات سياسية، وجدت الجزائر نفسها في وضع صعب ومحاصرة من الجهات الأربعة على حدودها سواء كان من الدواعش أو من الكيان الصهيوني وهذا ما حتم على بلد المليون شهيد ما نشاهده الآن من “سياسة هجومية” بحيث تهاجم الجزائر في عدة اتجاهات أو أزمات أولاها مشكلتها مع المغرب باعتبارها من مشاكلها المزمنة في الصحراء الغربية ولكن الأكثر من ذلك هو الصراع الطاقي. فخط الأنبوب النيجيري الجزائري الذي يعود لاتفاق عمره 20 عاما، تمّ قطع الطريق عليه من خلال نشر الجماعات الإرهابية في النيجر وصحراء مالي. ونتذكر أن قائد الجيش المالي مؤخرًا اتهم في تصريح فرنسا بدعم الجماعات الارهابية وهي من المفارقات الكبيرة. هذا من الجانب الوظيفي، أما العنصر الآخر فيتمثل في الاتفاق الموقع سنة 2005 بين المغرب ونيجيريا على أساس تحويل أنبوب آخر يقطع خمسة بلدان في غرب افريقيا ويمرّ بالصحراء الغربية ثم يعبر المغرب وهو احد عوامل الصراع لأن الجزائر لا يمكن ان تسمح بمثل هكذا أمر”.

صراع نفوذ

ويعتبر عديد المراقبين أن هناك حاليًا صراع نفوذ باعتبار أن هناك فراغًا استراتيجيًا بُعيد التراجع الفرنسي والأمريكي في المنطقة باعتبار أن الأولوية الأمريكية باتت الصراع في الشرق الأدنى. فهناك تسابق حول من يملأ هذا الفراغ الاستراتيجي. ويعتبر النابتي أنه وفقًا للمقاييس العسكرية والديمغرافية فإن الجزائر والمغرب هما المؤهلتان للأمر هذا والصراع بينهما أخذ أشواطًا”.

وأضاف “نحن أمام وضعية صعبة فكل المؤشرات تؤكد أن المغرب العربي يسير باتجاه ما يسمى بـ”البلقنة” وهي احتمالية عالية”. وأكد ان الكيان الصهيوني يلعب دورًا مركزيًا في تأجيج كل هذه الصراعات. وتابع “المطلوب هو ان لا يُعاد سيناريو المشرق العربي وهو ما يمكن ان نسميه بحرب الكل ضد الكل وشهدنا خلاله اشتباك دول ومجتمعات والنتيجة كانت حدوث دمار شامل لدول المشرق العربي. ولا تزال هناك فرصة أمام المغاربة لان يحولوا دون اندلاع الصراع المدمر بشكل كامل وهذا يتوقف في جزء منه على لجم الكيان الصهيوني من جهة والدول الاستعمارية خاصة فرنسا والولايات المتحدة من جهة أخرى، وهما أكثر قوى تلعب دورا خبيثا في تأجيج أزمات المغرب العربي لجعله مسرحا استراتيجيا لصراعاتها بديلا عن المشرق العربي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.