الهجمة على الصين من باب “حقوق المسلمين”.. بين التهويل والوقائع

موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:

تستمر الحملات على الصين، لا بل هي تشهد تصاعداً كبيراً، ولا تقف عند قضية واحدة، وإنما تستهدفها من مختلف الجوانب. ولا تكاد تخبو حملة إلا وتنشب أخرى، أكثر شراسة وأعلى صوتاً، دون أن يعني ذلك أن القضايا جديدة أو مستجدة، وإنما قد لا يعدو الأمر استجراراً لمواضيع سابقة، أو استغلالاً لتطورات جديدة في قضايا قديمة، فتلعب الآلة الإعلامية المستهدفة للصين لعبتها، وتطلق حملتها، فيكون الهجوم جديداً، ولو كانت الآلات المستخدمة بالية ومتهالكة.

في جديد هذه الأيام حملة على الصين مرتبطة بوضع المسلمين فيها، وما أثار هذه الحملة ما قيل إنه تقرير لإحدى لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة يتحدث عن وضع عدد كبير من المسلمين في منطقة شينجيانغ غرب الصين في مجمعات معزولة بهدف “تغيير أفكارهم”، إضافة إلى تقرير آخر حول نزاع بين السلطات الصينية والمشرفين على توسيع مسجد في مقاطعة نينغيشيا لقومية الهوي شمال الصين.

لقد جاءت ادعاءات لجنة الأمم المتحدة لمكافحة التمييز العنصري بأن الصين وضعت أكثر من مليون إيغوري في معسكرات للتأهيل الفكري كفرصة للإعلام الغربي لشنّ حملة شعواء على الصين، ثم تبعتها وسائل إعلام عربية عديدة، لم تكتفِ بترديد ما نشرته الآلة الإعلامية الغربية، وإنما أعادت فتح ملفات قديمة وترديد بعض الشعارات الجاهزة حول وضع المسلمين في الصين و”الظلم” الذي يتعرضون له من قبل السلطات.

وقد قامت وسائل الإعلام الصينية، وكذلك المسؤولون الصينيون، بإطلاق حملة مضادة، تتضمن الكثير من الحقائق حول ما يحصل في المنطقة من تطورات.

لا بد، قبل إيراد الردود الصينية على الحملة الإعلامية الغربية، من نقل تجربة شخصية عشتها خلال زيارتي إلى مقاطعة شينجيانغ أواخر العام الفائت 2017، والتي جُلتُ فيها على العديد من المدن والمحافظات في المقاطعة. ويمكن القول بصراحة ووضوح، إنه بعد ست زيارات إلى الصين، وبعد جولات شملت عدة مدن في مختلف أنحاء البلاد، فإنني لم أرَ قوات من الجيش الصيني، أو من الشرطة المسلحة ببنادق رشاشة وأسلحة متعددة، إلا في مناطق شينجيانغ، ولا سيما في العاصمة أورومتشي.

ولكنني رأيت أيضاً في المنطقة الأمن والأمان، والسلم الأهلي السائد، والنهوض الاقتصادي الذي لا يمكن أن تخطئه العين، وغير ذلك من علامات الحياة الطبيعية التي كادت تتعرض للاهتزاز خلال الفترة الماضية، نتيجة نشاطات غير قانونية قام بها البعض من أبناء المقاطعة، مستندين إلى دعم خارجي، بعضه من الغرب، وبعضه من مناطق أقرب إلى الصين، ولا سيما في منطقة غرب آسيا.

هذا الواقع هو ما أشارت إليه وسائل الإعلام الصينية في الحملة المضادة على الادعاءات الغربية، عندما أكدت أكثر من صحيفة صينية على أن “حماية السلام والاستقرار هي قمة جدول أعمال حقوق الإنسان في شينجيانغ”، كما عنونت صحيفة غلوبال تايمز افتتاحيتها يوم 12/8/2018.

إذاً، ” من خلال القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني ، والقوة الوطنية للبلاد ومساهمة المسؤولين المحليين، تم إنقاذ شينجيانغ من حافة الاضطرابات الهائلة. لقد تجنبت مصير أن تصبح “سوريا الصينية” أو “ليبيا الصينية”” كما قالت الصحيفة في افتتاحيتها، ولذلك يرى المسؤولون الصينيون إنه بين الحديث عن الحريات والديموقراطية على الطريقة الغربية، وبين الحفاظ على الاستقرار والأمان وقمع “الشر بأبعاده الثلاثة: الإرهاب والانفصال والتطرف”، فإن الأولوية يجب أن تكون دائماً لحفظ البلاد والعباد.

وزارة الخارجية الصينية تحركت بدورها لتوضيح الموقف الصيني، وذلك في تصريح للمتحدث باسمها “لو كانغ” الذي قال: “يعدّ الوضع في شينجيانغ مستقراً، وزخم التنمية الاقتصادية سليم، وتعيش جميع الجماعات العرقية هناك في تناغم”.

وأضاف لو: “يقدّر المواطنون من جميع الجماعات العرقية في شينجيانغ حياتهم السعيدة والسلمية”، مؤكداً أن جميع الإشاعات والافتراءات ستكون بدون جدوى.

لم يتوقف الموقف الصيني عند هذا الحد الدفاعي، وإنما تجاوزه إلى الهجوم المباشر على القوى التي تحاول تشويه صورة الصين حيث أكد لو أن “بعض القوى المعادية للصين وجهت اتهامات خاطئة ضد الصين لأهداف سياسية”، مهاجماً “بعض وسائل الإعلام الأجنبية (التي) حرّفت مشاورات اللجنة وشوّهت التدابير التي تتخذها الصين لمكافحة الارهاب والجرائم في شينجيانغ”.

بالطبع، لن تتوقف الحملة على الصين عند هذا الحد، بل سيتم استغلال أي تفصيل أو حدث ليكون وقوداً لحملة جديدة، يتم خلالها إثارة الغبار حول الوضع في المقاطعة، بما يخدم الهجمة الغربية التي تستهدف الصين وتحاول عرقلة انطلاقتها الاقتصادية والسياسية في المنطقة والعالم.

لا أحد ينفي وجود احتكاكات وربما أحياناً بعض التجاوزات، ولكنها تبقى في إطار المتعارف عليه في مختلف أنحاء العالم، وضمن ما تشهده دول عديدة في منطقتنا وخارجها من إجراءات قامعة للتطرف ومانعة للانفصال والمهدّمة للإرهاب والإرهابيين.

القضية الأخرى التي أثيرت هي مسألة الخلاف بين السلطات الصينية وبعض المسؤولين المحليين في مقاطعة نينغيشيا حول توسيع أحد المساجد في المقاطعة ذاتية الحكم لقومية الهوي في شمال الصين، حيث تقول السلطات إنه تم تجاوز القوانين في عملية توسيع المسجد، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات رادعة للحفاظ على القانون.

لقد لخّصت صحيفة غلوبال تايمز رؤية الحكومة الصينية للموضوع في افتتاحيتها ليوم 13/8/2018 بالقول: “إذا لم تتفاعل الحكومة المحلية مع هذا العمل غير القانوني، فإنها ستغذي فكرة أن الأديان متفوقة على قوانين الصين. وبالتالي، قد تكون لها أسبقية خطيرة ويمكن أن تحذو المواقع الدينية الأخرى حذوها”.

وترى الصحيفة أن “الصين بلد متعدد الأعراق ، مما يجعل التعامل مع القضايا الدينية معقدًا للغاية في أجزاء مختلفة من البلاد. لا يمكن تحقيق التوازن بين خدمة المصلحة الوطنية الشاملة ككل وبين تلبية الاحتياجات الخاصة لمختلف الأديان ومجموعات الناس بدقة 100٪.”
من خلال هذه الرؤية، تعالج الصين قضايا الأقليات فيها، ومن بينها الأقلية المسلمة التي لا تزيد نسبتها عن اثنين بالمئة من عدد السكان في أحسن الأحوال، وذلك في ظل القوانين التي تحفظ لهذه الأقليات هويتها ودينها ولغتها.

لقد رافقتنا الكتابة باللغة الإيغورية في كل أنحاء مقاطعة شينجيانغ، وكانت الكلمات تتردد من المذياع في الطائرة والمطار والقطار وكل المؤسسات، وكلها تحمل الهوية الإسلامية، ولكن أكثرها تردداً على مسامعنا كانت كلمة “رَحمَت” والتي تعني “شكراً” باللغة الإيغورية، ما يشير إلى احترام كبير لهذه اللغة ولأهلها في المقاطعة، ويدفع إلى الاعتقاد أن الحديث عن اضطهاد للمسلمين في المنطقة وفي غيرها من مناطق الصين هو أمر مبالغ فيه كثيراً، إذا لم يكن بلا أساس على الإطلاق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.