انعطافـة إيرانيـة ـ تركيـة.. نحـو الحـل السـياسـي في سـوريـا

صحيفة السفير اللبنانية ـ    
داود رمال:
برغم الأجواء الاحتفالية التي سادت «فريق 14 آذار»، في ضوء إعلان انتقال قيادة «الجيش السوري الحر» من الأراضي التركية الى «الأراضي السورية المحررة»، فإن «فريق 8 آذار»، تعامل باحتفالية مماثلة، مستندا إلى معطيات أولية، تفيد بأن القرار يحمل في طياته إشعارا رسميا من السلطات التركية بوجوب خروج قيادة المعارضة السورية المسلحة من الأراضي التركية.
يتزامن ذلك مع تقارير ديبلوماسية تفيد أن أنقرة بدأت تتخذ مسافة معينة مع الأحداث السورية الداخلية ربطا باعتبارات عدة أبرزها الواقع التركي المهدد بالتشظي إذا ازداد الوضع السوري تأزما، وخاصة باتجاه تمدد رقعة الحرب الأهلية.
ووفقا للتقارير نفسها، فإن تصاعد وتيرة عمليات «حزب العمال الكردستاني» وفشل محاولات تطويق الأكراد التي قام بها وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو في كل من كركوك وواشنطن، من جهة، والوقائع الأمنية المتدحرجة في المناطق التركية العلوية على حدود الشمال السوري، من جهة ثانية، وارتفاع الأصوات المعترضة أكثر فأكثر في المؤسسة العسكرية التركية من جهة ثالثة، كلها عناصر تجعل «حزب العدالة والتنمية» عشية مؤتمره يعيد النظر في اسلوب تعامله مع الأزمة السورية.
هذه «الانعطافة التركية» بحسب مراجع قيادية بارزة في «8 آذار»، تتزامن مع «انعطافة ايرانية»، وذلك في أعقاب اجتماع القاهرة الذي شارك فيه وزراء خارجية مجموعة الاتصال التي تضم تركيا ومصر وايران وغاب عنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل.
صالحي للأسد: إنه زمن المبادرات
وتتمثل «الانعطافة الايرانية» في الرسالة التي حملها وزير خارجية ايران علي اكبر صالحي الى الرئيس السوري بشار الأسد، ومفادها أن زمن المبادرات قد أتى وعليكم أن تتلقفوا الفرصة بأسرع وقت ممكن.لم يكتف الايرانيون بالرسالة التي قالها صالحي الآتي من القاهرة الى دمشق مباشرة. طلبوا من الروس والصينيين أن يعملوا معا لانجاح مؤتمر معارضة الداخل. قدموا ضمانات وجلس سفير ايران في دمشق محمد رضا شيباني في الصف الأمامي لمؤتمر «هيئة التنسيق» وراح يصفق ومعه سفيرا روسيا والصين لخطابات المشاركين السوريين الداعين الى التغيير والحل السلمي ووقف أعمال العنف، وفي ذلك مؤشر بالغ الدلالة من جانب الايرانيين تحديدا، وهم الذين نسقوا في كل شاردة وواردة تتعلق بالمؤتمر مع الروس والصينيين.
واللافت للانتباه ان هذا السلوك الايراني تزامن مع لهجة مصرية غير مسبوقة مع طهران حيث ردد الرئيس المصري محمد مرسي، قبل يومين، ان ايران طرف رئيسي في المنطقة ويمكن ان يكون لها دور فاعل وداعم في حل الأزمة السورية وان علاقات البلدين مهمة لحل هذه الأزمة.
ويشير تقرير ديبلوماسي الى أنه برغم السقف العالي لخطابات بعض قادة الدول، في قمة عدم الانحياز التي التأمت في طهران في أواخر الشهر الماضي، ولا سيما خطاب الرئيس المصري محمد مرسي، الا ان تباشير الحلول السياسية للازمة السورية ربطا بالملف النووي الايراني بدأت تظهر تباعا.
يضيف التقرير «ليس عبثا ان يعلن مسؤولون ايرانيون بعد اجتماع مجموعة الاتصال الرباعية أن سوريا ستحتفل بالحل السياسي قريبا، استنادا الى حالة التخبط الغربي والعربي وازدياد واقع تشرذم المعارضة السورية في الخارج، فضلا عن تداعيات مقتل السفير الأميركي في ليبيا وخاصة لجهة اعادة النظر في طريقة تعامل الادارة الأميركية مع بعض المجموعات الأصولية المتطرفة في دول «الربيع العربي».
مؤشران إيجابيان
ويقول مصدر ديبلوماسي «ان الرئيس المصري أعلن انطلاق عمل مجموعة الاتصال الرباعية خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، بناء على تنسيق مسبق مع السعودية ومصر وتركيا، لان انعكاسات الازمة السورية على بعض هذه الدول باتت خطيرة للغاية، خاصة بعد أن اصبح الصراع الاقليمي والدولي مكشوفا وينذر بعواقب وخيمة على الدول الداعمة للمعارضة المسلحة في سوريا أو تلك التي تنأى بنفسها مثل لبنان والأردن».ويضيف المصدر «انه قبل التئام قمة عدم الانحياز في طهران، برز مؤشران على امكان التوصل الى تسوية دولية اقليمية للازمة السورية، هما:
1 في قمة منظمة التعاون الاسلامي في مكة، قبل اسابيع عدة، عقد اجتماع ثنائي مطول بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، كان من نتائجه العملية المباشرة، اعلان كل من السعودية وايران عن توقيت موحد لموعد عيد الفطر، وهذا اعلان ديني بقرار سياسي، فللمرة الأولى، يوحد اليوم الاول من عيد الفطر بين السعودية وايران، ما انعكس توحيدا للعيد في لبنان على سبيل المثال لا الحصر.
2 ـ تكليف الموفد الدولي الجديد الاخضر الابراهيمي بالعمل على ايجاد تسوية للازمة في سوريا، في خطوة نسفت كل المنطق الذي ساد في أعقاب فشل المبعوث الاممي السابق كوفي انان، بأن حظوظ التسوية السياسية في سوريا صارت مستحيلة، «وبالتالي، جاء تكليف الابراهيمي ليفتح كوة كبيرة في الجدار المانع للحل».
ويوضح المصدر الديبلوماسي العربي «ان لجنة الاتصال الرباعية شكلت كي تكون بمثابة ممهدة للمؤتمر الدولي المزمع عقده لحل الازمة السورية والمرجح التئامه بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في السادس من تشرين الثاني المقبل، حيث سيضم روسيا والصين وايران من جهة والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وتركيا والسعودية من جهة ثانية، من دون استبعاد احتمال ضم دول مؤثرة سياسيا او اقتصاديا قد يرتئي الجانبان الروسي والأميركي ان الحاجة تفرض دعوتهما للمشــاركة في المؤتمر».
ويكشف المصدر ان السبب الذي دفع كلا من السعودية وقطر الى تسليف الرئيس المصري الجديد هذا الموقف حول مجموعة الاتصال «يعود الى كون الوضع يزداد سوءا في سوريا واصبح خارج السيطرة حتى من الدول الداعمة للمعارضين، ما ادى الى قرار غير معلن من قبل هذه الدول بالانكفاء التدريجي وصولا الى وقف المال والسلاح عن المعارضة السورية، وهو الامر الذي دفع فرنسا الى الاعلان عن استعدادها لتسليح المعارضة.ويقول المصدر انه بعد تنظيم تركيا عملية فرار الطيار السوري بطائرة الـ«ميغ» الروسية الصنع، الى الاردن، كان الرد الروسي بإسقاط الطائرة التركية فوق الاراضي السورية، خاصة أن ثمة قضية أمنية تكنولوجية لم يعلن عنها حتى الآن، تتعلق بشيفرات الرادارات السورية الروسية الصنع، وهذا ما جعل القيادة التركية تدرس بهدوء ابعاد هذه الرسالة.
البنتاغون يرفض الخيار العسكري
وهل التسوية السياسية في سوريا مفصولة عن الملف النووي الايراني؟
يؤكد المصدر الديبلوماسي «ان الجواب عن ذلك هو بالموقف الذي اعلنه وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا والذي حذر فيه الحزبين الجمهوري والديموقراطي في اميركا من ان القيادة العسكرية الاميركية لن تقبل من الآن وصاعدا اي مغامرات عسكرية تقررها الادارة السياسية في البيت الابيض».
ويشير المصدر الى وجود قناعة في البنتاغون بأنه عدا الاستنزاف البشري، «هناك كلفة مالية طائلة ترهق المكلف الاميركي وتزيد من كره شعوب العالم لأميركا، كما باتت حروب كهذه تشكل تهديدا جديا ومباشرا للمصالح الاستراتيجية الاميركية، اذ يكفي فيلم سينمائي يسيء إلى الإسلام ان يشعل موجة عارمة من الاحتجاجات في دول الربيع العربي المدعومة اميركيا وصلت في ليبيا الى حد قتل السفير الاميركي وثلاثة ديبلوماسيين آخرين».
ويلفت المصدر الانتباه الى ان عدم موافقة وزير الدفاع الاميركي على توجيه ضربة عسكرية لإيران تحت ذريعة وقف برنامجها النووي، «هو الذي عدل في الموقف السياسي للإدارة الأميركية الحالية التي رفضت الاستجابة لطلب حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في وضع حد للبرنامج النووي الايراني وتأمين غطاء دولي لضربة عسكرية لإيران، مع الاشارة الى ان وزير الدفاع الأميركي نفسه هو من سبق وحذر من توجيه ضربة عسكرية لسوريا».
أين لبنان من هذا كله؟ يقول قطب لبناني بارز انه تكفي المقارنة بين مواقف وليد جنبلاط قبل سنة وموقفه الأخير بعد انتهاء جلسة الحوار الوطني في بعبدا الذي دافع فيه عن سياسة النأي بالنفس إزاء الأزمة السورية. ويضيف «ليس المطلوب من لبنان أن يكون مع هذا الطرف أو ذاك أو أن يراهن على سقوط نظام او عدم سقوطه.
مطلوب منا كلبنانيين أن نفكر بأفضل السبل لحماية بلدنا، فإذا توافقنا سياسيا، يصبح دور المؤسسات العسكرية والأمنية أفعل في التصدي لأية محاولة للنيل من سياسة النأي بالنفس وبالتالي الاستقرار، وخير دليل تصدي الجيش اللبناني لمجموعات من «الجيش السوري الحر» استهدفت مواقعه قرب عرسال يوم السبت الماضي».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.