باكستان من “علي بوتو” إلى “عمران خان”.. الغدر السعودي – الأميركي

صحيفة الوفاق الإيرانية-

شوقي عواضة:

على مدى أكثر من خمسة عقود مضت من الزمن كانت باكستان الدولة النووية، وسابع أكبر قوة عسكرية في العالم، والدولة الإسلامية الأولى عددياً مسرحاً للأحداث وساحة اشتباك دولي نظراً لأهميتها الجغرافية وموقعها بين الصين وإيران والهند، ما جعلها هدفاً أساسياً لمطامع الغرب.

وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية والهند التي لم ينتهِ النزاع التاريخي معها على الحدود والأقاليم، لا سيما إقليم كشمير الذي لا زال يشهد صراعاً سياسياً وعسكرياً أحياناً حوله، إضافةً إلى عين الكيان الصهيوني المؤقت التي لم تغب عن باكستان، وتحديداً من السبعينات إلى يومنا هذا.

أبرز تلك الصراعات التي شهدتها باكستان كانت بصمتها أمريكيةً وبتنفيذٍ مباشرٍ منها أو من الهند والسعودية والكيان الصهيوني المؤقت. ففي سنة 1973 وبعد أن أقرت الجمعية الوطنية (البرلمان) دستور البلاد انتخب ذو الفقار علي بوتو رئيساً للوزراء حتى سنة 1976 ، حيث نجح الجنرال محمد ضياء الحق الذي عينه بوتو رئيساً للأركان بالإطاحة به من خلال انقلابٍ عسكري قاده الجنرال ضياء الحق، بدعمٍ من تسعة أحزابٍ قوميةٍ وإسلاميةٍ معارضةٍ مدعومةٍ أميركياً وسعودياً واجهت ذو الفقار علي بوتو، يقودهم ملا مفتي محمود، نفس الأحزاب التي تقود الانقلاب اليوم على عمران خان مع ارتفاع عددها إلى 13 حزباًـ يقودهم ابن ملا مفتي محمود الملا فضل الرحمن رئيس جمعية الإسلام، وهو من الديوبنديين والمقربين من السعودية. قاد المعارضة منذ استلام خان للسلطة قاد فضل الرحمن ومعه شهباز شريف شقيق الرئيس الأسبق نواز شريف و آصف علي ذرداري زوج بي نظير بوتو من حزب الشعب أدوات أمريكية واحدة لمنهجيةٍ عدوانيةٍ على باكستان.

بعد انقلاب ضياء الحق واعتقال علي بوتو وإعدامه شنقاً في الرابع من نيسان/ أبريل عام 1979 و لجوء ابنته بي نظير إلى الغرب وابنه مرتضى إلى سوريا لتعود بي نظير عام 1986م إلى باكستان لتقود المعارضة. بعد مقتل ضياء الحق في حادث طائرة في آب/ أغسطس 1988م، وفي أول انتخاباتٍ تشريعيةٍ نجحت بينظير بوتو بأغلبيةٍ ضئيلةٍ، أهلتها لرئاسة الوزراء لأول مرةٍ في الأول من كانون الأول/ ديسمبر عام 1988م.

وتولت بي نظير بوتو هذا المنصب مرة ثانية بين عامي 1993 و1996، إلى أن اغتيلت في 27 كانون الأول/ ديسمبر2007 حينها وجهت تهمة اغتيالها إلى “القاعدة” و “طالبان” وخصمها السياسي رئيس الوزراء آنذاك الجنرال برويز مشرف، وكذلك لزوجها آصف علي زرداري الذي انتخب رئيساً بشعبيتها بعد اغتيالها.

سيناريو عدواني أمريكي واحدٌ ومتكررٌ في باكستان انتهجته الإدارات الأمريكية في المنطقة بأكملها أسقطت فيه كل المحرمات وتعيده اليوم من خلال إسقاط حكومة عمران خان، سخرت له ثلاثة عشر حزباً أغلبهم إسلامي مدعومٌ سعودياً ووظفت له القضاء والأمن والجيش والإعلام وصرفت له إدارة بايدن الملايين من الدولارات لإسقاط حكومة خان للأسباب الآتية:

1- رفضه طلباً أمريكياً لإقامة قواعدَ عسكريةٍ على الأراضي الباكستانية.

2- رفضه وقف دعمه لطالبان واعتباره سبباً في تسريع هزيمة الأمريكي في أفغانستان.

3- تأييده للقضية الفلسطينية ورفضه للتطبيع مع الكيان الصهيوني المؤقت ورفضه لكل الضغوطات للانخراط في موجة الخنوع والتطبيع في دول الخليج الفارسي مع الكيان.

4- إدانته للعدوان على اليمن.

5- زيارته لموسكو مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية وتأييده للموقف الروسي.

6- توطيد علاقاته مع إيران وكسر قانون الحظر الأمريكي واتهامه بتقديم مساعدة للبرنامج النووي الإيراني.

7- تعاونه مع الصين وتوقيع اتفاقياتٍ اقتصاديةٍ معها وانضمامه إلى مبادرة الحزام والطريق معها.

كل تلك الإنجازات التي حققها عمران خان أثارت غضب الأمريكي ومعه الهندي والسعودي والصهيوني، مما استدعى مواجهته لا سيما وأنه الزعيم الإسلامي الأول الذي حلق خارج سرب الرؤساء والملوك المطبعين مع الكيان الصهيوني، مما ينذر بقيام دولةٍ إسلاميةٍ (سنيةٍ) متميزةٍ بمواقفها عن تركيا والسعودية والأنظمة المطبعة، وتشكل قوةً إسلاميةً كبيرةً مع إيران في مواجهة الغطرسة الأمريكية الصهيونية. وهذا ما يغضب واشنطن وتل أبيب ومن يسير بركبهم، فنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم جريمة وإرهاب في المعايير الأمريكية، وإدانة العدوان على اليمن هو تحريض وتمرد يقوده الرئيس عمران خان في مواجهة الاستكبار العالمي دفاعاً عن بلاده وليس عن منصبه وخلفه الملايين من أبناء باكستان الشرفاء. هدف المعركة وميادينها وضع استراتيجياتها بمخاطبة الشعب في مدينة بيشاور، قائلاً إن اللحظة الحاسمة حانت، والأمة بحاجةٍ لأن تختار، إما العبودية أو الحرية، فهل سنكون عبيداً للولايات المتحدة؟

لافتاً إلى أن الافراح عمت الهند والكيان الصهيوني المؤقت بخروجه من الحكم. كلام يحمل في طياته أبعاد المواجهة ويجزم بأن المواجهة مع الولايات المتحدة أولاً ومع أدواتها داخلياً وخارجياً ثانيا. وهذا يستدعي توحيد عناصر القوة وتعزيزها في المعركة رغم الحشود المليونية التي شاهدناها في لقاء بيشاور الذي لن يكون آخر لقاءٍ لعمران خان بشعبه، بل سيتكرر المشهد على مدى المحافظات الباكستانية والدوائر الانتخابية فالمعركة ليست سياسيةً فحسب بل هي معركةٌ وجوديةٌ وسياديةٌ بكل ما للكلمة من معنى. وأمام ذلك المشهد أسئلةٌ كثيرةٌ تطرح أولها هل ستجرى انتخاباتٌ نيابيةٌ مبكرةٌ كما يطالب خان؟ أم ستجرى الانتخابات في موعدها بعد عام تقريباً؟ وهل سترضخ المحكمة والبرلمان لضغوطات خان الذي قال أمام مناصريه يجب أن يعلم الجميع، أن هذه ليست باكستان السبعينات، التي تآمرت أمريكا عليها لإزاحة ذو الفقار علي بوتو، باكستان اليوم فيها 60 مليون هاتف محمول، وأصبح لشبابنا صوتٌ ولا يمكن لأحدٍ أن يغلق أفواهنا؟ وهل ستتخذ المواجهة شكلاً آخر لا سيما في ظل تلقي خان رسائل تهديدٍ أمريكية باغتياله؟ ويبقى الجواب رهن تطورات الأحداث على الساحة الباكستانية لكن ما يمكن حسمه هو أن عمران خان قد توج زعيماً خالد إذ تخطى حدود باكستان وقائداً في قلوب أحرار العالم وشرفائه ويكفيه مجدٌ أن يخلده التاريخ مناضلاً واجه الشيطان الأكبر.

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.