بعد رفع العقوبات : صعود إيراني وخيبة إسرائيلية

موقع العهد الاخباري ـ
سركيس ابو زيد:

ايران في الـ2016 تدخل على المجتمع الدولي من باب أقوى، خاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ الـ 2007، لتعود وتتفاعل مع العالم الخارجي، على الرغم من التعقيدات الدولية والاقليمية.

رفع العقوبات جاء نتيجة للاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى. وبناء عليه باشرت الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي إعداد الخطط للتأثير على الانتخابات التي ستجرى في إيران في شباط المقبل. والعمل للتدخل في الشأن الداخلي الإيراني من خلال التوهم ان رفع العقوبات وتحويل الأموال المتوقعة سيساهم في دعم الرئيس حسن روحاني، أمام القوى المحافظة المدعومة من قبل الحرس الثوري. هذه التصورات هي نتيجة سوء فهم بنية النظام وسوء تقدير القوى الحية المؤثرة فيه وأسلوب عملها .

صحيفة “نيويورك تايمز” تساءلت:” ھل يتعين على الولايات المتحدة رفع العقوبات عن إيران، أم أنه يجب فرض عقوبات جديدة عليھا؟ باختصار يجب على إدارة أوباما ان تفعل الأمرين معاً.”

ايران

لكن واقع الحال غير ذلك، فقد وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما قرارا رئاسيا برفع القيود المرتبطة بالنشاطات النووية، والتي طالت الصناعات المالية والنفطية والغازية والبتروكيميائية والنقل والمعادن، إضافة إلى صناعة السيارات. كذلك فإن الولايات المتحدة أزالت مئات الأفراد والشركات من اللائحة السوداء، التي كانت عرضة لتجميد أصولھا، وغيرھا من العقوبات.

أما أوروبياً، فإن تطبيق الاتفاق يعني أن يقوم الاتحاد الأوروبي بإلغاء القيود المفروضة على التجارة والاستثمار في مجال النفط والبتروكيمائيات والمعادن والنقل البحري وبناء السفن وصناعات وسائل النقل الأخرى، وكذلك المصارف والتأمين والخدمات الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك قدرة إيران على تحويل الأموال إلى الخارج. ويرفع الاتحاد الأوروبي الحظر عن التأشيرات ويبطل تجميد أصول الشركات والأفراد المرتبطين بالصناعات المذكورة أعلاه، وأصول أخرى تتعلق بنشاطات مرتبطة بالبرنامج النووي والأسلحة، والصواريخ البالستية.

وخلال الساعات الأولى لإيران النووية السلمية من دون عقوبات، ظھرت نتائج أولى سريعة على احتمالات عودة النفط الإيراني إلى الأسواق، واستعادة الأرصدة المجمدة التي ستقارب ھذا العام 50 مليار دولار، ما يعادل عائدات عام كامل من الإنتاج النفطي والغاز الإيراني تقريباً، واستغناء طھران عن الشبكات المصرفية الخليجية لتعاملاتھا التجارية لا سيما دبي، التي كانت تجني 18 % عن العمليات المصرفية الإيرانية، والتي بلغت العام الماضي ستة مليارات دولار. ونتيجة لذلك تراجعت البورصات الخليجية إلى مستويات لم تشھدھا منذ العام 2004.

إيران احتفت بانتصارھا الدبلوماسي وبإنجاز رفع العقوبات، عبر تصريح لرئيسها الشيخ حسن روحاني:” إن الاتفاق النووي فتح صفحة ذھبية في تاريخ بلاده وشكل انتصارا لعهده ونقطة تحول بالنسبة لاقتصاد إيران وفرصة كي تقطع “الحبل السري” الموصول بالنفط وتنمية البلاد وزيادة رفاهيتها.”

الاحتفاء الإيراني قابله تهليل أميركي. فقد أشاد أوباما بـ”التقدم التاريخي” الذي تحقق بفضل “الديبلوماسية الأميركية  الذكية”، غداة رفع العقوبات الدولية عن ايران وعملية تبادل السجناء بين البلدين. وقال أوباما:”لقد حققنا تقدماً تاريخياً بفضل الديبلوماسية من دون خوض حرب جديدة في الشرق الأوسط”.

وبعيداً عن جو الاحتفال الايراني والامريكي بانجاز صفقة النووي، نجد إسرائيل”. تتهم الإدارة الأميركية بالتجاهل المتعمد للجوانب العسكرية للعقوبات، وعدم تفعيل الضغط على الإيرانيين في كل ما يتعلق بتطوير السلاح الاستراتيجي، كتطوير وشراء الصواريخ الباليستية طويلة المدى والقادرة على حمل رؤوس نووية.

ورأت إسرائيل في التجارب العلنية الإيرانية، في الأشھر الأخيرة على ھذه الصواريخ، خطوة ترمي إلى فحص رد الفعل الدولي بشكل عام والأميركي بشكل خاص. وقرار الرئيس أوباما عدم ممارسة الضغط على الإيرانيين في ھذه المسألة، شجعھم على مواصلة قضم الاتفاقات الدولية لمنع انتشار السلاح النووي.

وكشفت مصادر استخبارية في إسرائيل والولايات المتحدة أن إيران باشرت العمل في سبيل تجديد وجه جيشھا، وأنھا حال رفع العقوبات عنھا، وفقا للاتفاق النووي مع الدول الكبرى، سوف تبرم اتفاقيات تم تجھيزھا مسبقا بقيمة 21 مليار دولار، وروسيا ھي أول من يقف على رأس الطابور لبيع طھران الأسلحة.

فالإسرائليون يعترفون بحصول إخفاق استراتيجي في مواجھة إيران، ھناك اعتراف أيضا بأن الاتفاق النووي صار واقعا ولم يعد مفيدا التصدي له أو انتقاده، وإنما على إسرائيل أن تنصرف الى مرحلة ما بعد الاتفاق، وما بعد رفع العقوبات ورفع مستوى الجھوزية والاستعداد لدى الأجھزة والمؤسسات الاستخبارية والسياسية والعملانية في تل أبيب، من أجل مواجھة مفاعيل المرحلة الجديدة على المستويات السياسية والأمنية والاستراتيجية.

الخيبة الإسرائيلية لم تقتصر على المضمون النووي للاتفاق، ولا على الشرعية الدولية التي انتزعتھا، بل تجسدت أيضا بالإخفاق في انتزاع تنازلات من إيران مقابل إنجازها النووي، تتصل بموقفها الرافض للاعتراف بوجودها وبخياراتها في دعم قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. الى ذلك، عبّرت إسرائيل عن خيبتها وإخفاق رهاناتها لعدم تضمين الاتفاق فرض قيود على تطوير إيران قدراتها الصاروخية.

في السياق نفسه أعلنت الدول الخليجية، ولا سيما السعودية، أنها لا توافق على ما تظهره الإدارة الأميركية من ارتياح وتفاؤل، وقد وجه الخبراء والمحللون والديبلوماسيون، انتقادات ضد السياسة الأميركية التي ساعدت في تمادي النهج الإيراني المقلق، إذا لا تبدي واشنطن أي اهتمام بدفع إيران إلى التخلي عن طموحاتها في الدول العربية، والعمل على إقامة نظام أمني جديد في الشرق الأوسط يراعي المصالح العربية والإيرانية والتركية وغيرها .

في الواقع، تنعقد رهانات كثيرة على ما بعد رفع العقوبات الاقتصادية، على تحول تفاهم فيينا النووي إلى قاعدة لتفاهم سياسي أميركي – إيراني، تمتد مسمياته من التنسيق إلى الشراكة في حل أزمات المنطقة، كأحد نتائج الصعود الإيراني في المنطقة أو الاعتراف الأميركي بالقوة الإقليمية الإيرانية، ومنحها هذا الدور.

تباين وجهات النظر في ايران بين التيارات المختلفة سيستمر.وهذا امر طبيعي يؤكد على دينمية النظام القائم وقدرته على التعامل مع المتغيرات . كما ان القوى التي تدير الاقتصاد وتوجه السياسة الخارجية والقرارات العسكرية والأمنية لن تتساھل بتحجيم دور الدولة أو ضرب مصالح الجمهورية . لكن رفع العقوبات سيخلق دينامية تعزز دعوات الانفتاح، مع استمرار التطلع الى توسيع مستقبل النظام ووجھته ودوره في المنظومة الدولية.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.