بعد 11 عامًا.. أين أصبحت درعا وأين هو أحمد العودة؟

موقع الخنادق-

عبير بسّام:

كانوا لا يصدقون ما كنا نقول في العام 2012!، كنتُ في درعا حينها، وكان الجيش السوري قد دخل حديثاً إلى المدينة. دخلت على مجلس أبناء أخوالي هناك، وكما يقول ادونيس: “ورأسي شعلة من نار”، وأشعر بغضب شديد تجاه قلع أظافر الأولاد وإطلاق النار على المتظاهرين، وكل ما كنا نسمعه في التلفزيونات على الجديد والـ LBCI والجزيرة والعربية، وغيرهم. وكان أول كلامهم، على مهلك! أعطينا اسم واحد منهم، لنذهب ونعتذر منه. اذاً كل ما قيل على التلفزيونات كان كذباً!.

لم تكن “الثورة” سلمية ابداً، وأكثر الأحاديث أهمية كان ما نقلته إحدى المعارضات من بنات الجيران القدامى حول وجود القناصة، وإيمائها برأسها كيف كان ينحني رأس الجندي العربي السوري، الجالس على رأس الدبابة، بعد تقنيصه في رقبته. من قنص على الجيش وبحسب عدد من الرواة، كانت وجوههم غريبة، ولحاهم حمر، قدر البعض أنهم جورجيون، وهذا ما ثبت فعلياً بعد تكشف الأمور، وأنهم قدموا من بلاد القوقاز في الإتحاد السوفيتي سابقاً، أوزبك وشيشان وكزخ، وكانوا يرتعون ما بين “الثوار”.

لم تكن الثورة سلمية أبداً، وحتى أن الوثائق، التي نشرها ضابط المخابرات الأميركي المنشق إدوارد سنودن كشفت أنه في لحظة انطلاق المظاهرات في درعا، كان في ظهرها 17 ألف مسلح. وبدأ العمل على تحضير مسلحين من مختلف بقاع العالم، والذين دُرّبوا في غازي عنتاب في تركيا، وفي بعض الدول العربية، وانتشروا في سوريا بقيادة أبو بكر البغدادي، وتم تحضيرهم منذ العام 2007. وبحسب سنودن كُلف كل من أشرف ريفي ووسام الحسن من مديرية الأمن الداخلي في لبنان بتمريرهم إلى الأراضي السورية. وبلغ عدد الجنسيات التي قاتلت على الأراضي السورية 78 جنسية وعدد المقاتلين في بداية الحرب عليها 178 ألف إرهابي.

خلال تواجدي في درعا، دخلت إلى أحد محلات بيع الهواتف الخليوية في شارع الموبايلات، وكان يشاهد التلفاز مجموعة من التجار أصحاب المحلات، كانت القناتان المفضلتان آنذاك الجزيرة والعربية، وإذا ما قلبت بينهما فإن الأخبار الأهم كانت عما يحدث في درعا. ودرعا المدينة بطولها وعرضها تقطعها بنصف ساعة بالسيارة، وإذا أردت التوجه من مركز المدينة، إلى درعا البلد، فذلك لا يمكن أن يستغرق أكثر من 7-10 دقائق، وقرية “عتمان” تبعد عن مركز المدينة 4 دقائق بالسيارة، يعني يمكنك أن تذهب إلى مكان الحدث خلال دقائق.

ولكن مع ذلك عندما دخلت إلى أحد المحلات، والذي يقع في شارع بطول كلم واحد تقريباً، ويصل طرفي المدينة ببعضهما البعض، كان أصحاب المحلات يشاهدون قناة “العربية” وكانت تبث تقريراً عن درعا، فسألتهم هل تعرفون أخبار المدينة منها؟ نظر إليّ الواقفون وكأنني أكفر بآيات من الذكر الحكيم. شيء مخز، المدينة كانت آمنه، شيء محيّر كيف غسلت العقول؟ للأسف، نغّص أمان المدينة آنذاك أصوات الرشقات النارية الليلية، وكانت دليلاً على مدى سلمية المظاهرات! وأصوات الضرب على الطناجر وهي نفس الأصوات التي سمعناها إبان “ثورة” 17 تشرين الأول/ اكتوبر 2019 في لبنان، مقارنة كانت بالفعل مرعبة.

شارع الموبايلات، كما سُمي بعد انتشار محلات الهواتف الخلوية، ليس اسم الشارع الأصلي. وهو اليوم، وبعد المعارك في درعا بات أثراً على عين، بكل معنىً للكلمة. كان مصدر رزق وفير لكل من كان يملك محلاً أو مكتباً أو عيادة فيه. ولكنهم ولا أدري إن كانوا يعلمون أو لا يعلمون، فقد قضوا على رزق الناس، ومن صمتهم وكذبهم بدأت رحلة الغيب في سوريا، التي أنهكت بناها التحتية واقتصادها. في تلك المرحلة، تم تسليم شؤون الثورة لوكيلها “معاذ العودة”، ذراع هيثم مناع وأخيه، وتبدلت العودات حتى وصلنا إلى أحمد العودة، وغيرهم من سلسلة المتعاملين.

المفارقة، المضحكة- المبكية، أن كل شيء بدأ في درعا بحضور اسم العودة، واليوم انتهى بحضوره أو غيابه، حقائق تحتاج إلى تبيان. وخلال البحث عن مصير العودة، ونقصد هنا “أحمد العودة”، الذي كان قائد اللواء الثامن في الفيلق الخامس، المجهز بدعم لوجستي ومادي روسي، وخزان التسويات في درعا. وبحسب المعلومات، فإن “العودة” شوهد آخر مرة في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهو يعبر معبر نصيب- جابر الحدودي نحو الأردن، حيث يقيم زوجته وأولاده. ولكنه ترك وراءه تركة بائسة، وإذا ما أُهمل التعامل معها فإنها ستصبح أزمة جديدة في درعا، إنها خلايا نصف نائمة، لا يمكننا تشبيهها إلا بالسوس.

منذ منتصف شهر أيلول/ سبتمبر، بدأت التسويات في ريف درعا الغربي في درعا، ومن ثم امتدت إلى بعض مدن وبلدات الريف الشرقي. وأهم نقاط وصلت إليها هي بلدات نصيب وغصم وصيدا. ومن يتبع الخارطة يستنتج أن الدولة السورية تنحو نحو الإحاطة بمدينة بُصرى الأثرية والهامة، والتي كانت معقل “العودة”، وهو في الأصل منها. اذ أنه من أجل تأمين المنطقة لابد من عودة الدولة بأمنها إلى بُصرى الشام. اذ يبدو أن اللواء الثامن الذي كان يُفترض أن يُحَلَّ قريباً، لم ينحل بعد! وتم تعيين محمد طعمة قائداً له في بُصرى الشام. ومنذ 14 تشرين الأول/ أكتوبر بدأ عناصر اللواء تلقي رواتبهم بالليرة السورية، وهذا في حد ذاته دليل على أن روسيا قد بدأت بالتخلي عن اللواء، وبالتالي عن الفيلق الخامس. وبحسب مصدر مطلع فإن العقد بتولي هذا الفيلق مع الدولة السورية مدته خمس سنوات قابلة للتجديد، ولكن يبدو أن لا رغبة للطرفين بإعادة التجربة.

اليوم، وصلت المصالحات في الريف الشرقي إلى مدينة صيدا، وبالتالي لم يبق للوصول إلى حدود مدينة درعا مع مدينة السويداء إلا بلدات كحيل والسهوة ومعربة قبل الدخول إلى بُصرى الشام، وإعلان النصر الحقيقي على الإرهاب نهائياً في درعا. ولكن تفيد المعلومات بأن هناك مشكلة عالقة في منطقة السد الآهلة بالسكان، وذلك من أجل إخراج كل من محمد المسالمة الملقب بـ “هفو”، ومؤيد الحرفوش الملقب بـ “أبوطعجة”، الذين يُعَرِّفهم أهالي المدينة بألقابهم. والأمر الثاني الذي يعطل المصالحات، هو تحرير بعد القرى المتفلته في منطقة “اللجاة” بالقرب من السويداء. وبحسب ما أفادنا أحد سكان المنطقة: “هناك مناوشات في القريّا، مدينة سلطان الأطرش في السويداء، مع البدو المدعومين من قبل اللواء الثامن في بُصرى، فقام أهالي القريّا بمنع مرور عربة عسكرية روسية من قريتهم تعبيراً عن عدم رضاهم عن تصرفات اللواء الثامن.

هذا النوع من التحرشات، كما عودنا الجيش السوري، وبعد تكرارها، تدفع نحو اتخاذ موقف صارم من المجموعات المسلحة أو المتفلتة، ولكن يبدو أن الدولة السورية بات عليها حث الخطى نحو وصول المصالحات إلى بُصرى بعد أن تثاقلت خطواتها، خاصة بعد التفجير الإرهابي في المركز الحدودي في نصيب في الـ 20 من هذا الشهر، والتي زرعها مجهولون، بحسب تصريح العميد “ضرار الدندل” قائد شرطة محافظة درعا. لم تسفر العبوة عن أضرار بشرية، ولكن عادة هكذا عمليات تستوجب النهايات الكبرى، خاصة لصالح حث التسويات الدولية المتثاقلة الخطى، وقبل مرور خطوط الغاز والكهرباء من الأردن إلى لبنان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.