بينيت في الإمارات.. ماذا تريد “إسرائيل”؟

موقع قناة الميادين-

شرحبيل الغريب:

أحد أهداف زيارة بينيت لأبو ظبي يكمن في تعطيل التقارب الإيراني الإماراتي في ظل إعادة تموضع الإمارات وانفتاحها على عدد من الدول.

استقبلت دولة الإمارات العربية المتحدة نفتالي بينيت كأول رئيس وزراء إسرائيلي منذ توقيع اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” والإمارات في منتصف أيلول/سبتمبر 2020، في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتقى بينيت خلال زيارته كلاً من وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.

الإعلان الإسرائيلي تحدث عن أهداف الزيارة، وقال إنَّها جاءت استناداً إلى سعي “إسرائيل” لبحث سبل التعاون المشترك بينها وبين الإمارات في المجالين الاقتصادي والتجاري، بينما كشف السفير الإسرائيلي في الإمارات أمير حايك لوسائل إعلام إسرائيلية في وقت لاحق أنَّ الملف الإيراني يتصدَّر مباحثات بينيت وابن زايد.

وقالت صحيفة “إسرائيل هيوم” أيضاً، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين لم تذكر أسماءهم، إن بينيت سيطلع ابن زايد على معلومات سرية استخباراتية في ما يتعلق بفصائل مسلّحة تدعمها إيران وطائرات مسيّرة تزودها بها في المنطقة.

زيارة بينيت للإمارات تأتي في وقت تجري مباحثات فيينا بين إيران وقوى عالمية، في محاولة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي تنصَّلت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ورغم ما قيل عن الزيارة وأهدافها، فإنَّها، وفق التسريبات، أخذت طابعاً جيوسياسياً بامتياز في ظلّ سعي إسرائيلي محموم منذ فترة لإرباك محادثات فيينا وقطع الطريق أمام طهران للعودة إلى الاتفاق النووي.

يحاول بينيت الذي يتزعّم ائتلافاً حكومياً إسرائيلياً مكوّناً من 8 أحزاب إسرائيلية، ويعتبر حزبه هو الأصغر فيه، تسويق نفسه أمام الرأي العام الإسرائيلي بأنه شخصيّة سياسيّة قادرة على تحقيق اختراقات مع دول في المنطقة، بالتوازي مع ما كان بنيامين نتنياهو يفعله عندما كان رئيس وزراء “إسرائيل”.

زيارة بينيت تتمحور بشكل رئيسي حول إيران ودورها وتأثيرها في المنطقة، وهو ما بدا واضحاً بعد الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان إلى طهران، كأول زيارة من نوعها منذ العام 2016م ولقائه السيد علي شمخاني؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

ثمة أهداف ودوافع نابعة من تحركات كلٍّ من “إسرائيل” والإمارات الأخيرة في المنطقة، إذ تأتي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذا التوقيت تعبيراً عن حالة القلق الكبيرة والمتزايدة التي أصبحت تنتاب “إسرائيل” من علاقة الإمارات وطهران الأخيرة، وهو ما عبرت عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، حين نقلت عن مسؤول أمني إسرائيلي وصفته بأنه رفيع جداً، قوله: “إنّ التقارب بشكل متوازٍ من إيران والإمارات ليس مقبولاً. إذا تمّ فتح الأبواب بين إيران والإمارات، فإنّ هذه القصة كلّها قد تتغيّر إلى الأسوأ”.

حالة القلق الإسرائيلية هذه ترجمت إلى خطوة عملية، وجاءت تعبيراً عن حالة الانزعاج الكبيرة تجاه الزيارة التي قام بها طحنون بن زايد لطهران، والتي أدت إلى رفض “إسرائيل” طلب الإمارات بيعها منظومات دفاع جوي، من بينها القبّة الحديدية والعصا السّحرية لاعتراض القذائف الصّاروخية. وقالت صحيفة “إسرائيل هيوم” في هذا السياق، وبشكل واضح، إنّ “إسرائيل” رفضت بيع دفاعات صاروخية للإمارات بسبب صلتها بإيران.

الهدف الآخر من زيارة بينيت للإمارات يكمن في تعطيل التقارب الإيراني الإماراتي أو وقفه بشكل نهائي، في ظل حالة التحول السياسي التي تشهدها الإمارات في التقارب والانفتاح على عدد من الدول، ولا سيما إيران وسوريا وتركيا. هذا التعطيل يصبّ في خدمة السياسة الإسرائيلية في المنطقة في مجال التعاون الاستخباري في الدرجة الأولى، إذ أعلنت “إسرائيل” أنها ستقدم للإمارات معلومات سرية استخباراتية تحريضيّة ضد إيران، بأنها أصبحت دولة على مشارف العتبة النووية، ويجب الحذر ووقف العلاقات معها فوراً.

تستخدم “إسرائيل” في دعايتها التحريضية فزاعة “مشروخة” تتمثّل بالخطر الإيراني على دول الخليج في المنطقة، وهي فزاعة ليست جديدة، وتستخدم رواية خطورة مشاريع إيران في المنطقة، وتتطرق في دعايتها إلى ملفات ذات بعد أمني وعسكري، ولا سيما خطر مشروع الطائرات المسيّرة، وتهدف من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين أساسيين.

الهدف الأول؛ هو تعزيز علاقات “إسرائيل” أكثر مع الدول التي طبعت بشكل علني معها، وتشجيع دول أخرى تحت سقف المخاوف على الاحتماء بها، وضرورة نسج علاقات واتفاقيات تطبيع علنية معها، واستمرار الرواية الإسرائيلية تجاه ترغيب الدول التي لم تطبّع بعد بأن خطر التهديد الأول في المنطقة هو إيران، وليس “إسرائيل”، وضمان الانخراط في مسلسل التطبيع بشكل متسارع.

الهدف الثاني؛ هو طموح “إسرائيل” الكبير باستمرار الترويج لمنتجاتها، من الأسلحة العسكرية والطائرات والتقنيات الأخرى، في هذه الدول، باعتبارها، من وجهة نظر إسرائيلية، مجرد سوق استهلاكي لها ولمنتجاتها العسكرية.

أمام هذين الهدفين الإسرائيليين، لا بد من التأكيد على مسألتين في غاية الأهمية، توضع من خلالهما الأمور في نصابها الصحيح:

الأولى، إن “إسرائيل” ومشروعها يمثلان الخطر الاستراتيجي الكبير، ويشكلان تهديداً، ليس للشعب الفلسطيني وحده باحتلالها الأرض الفلسطينية، إنما تشكّل أيضاً خطراً وتهديداً لكل دول المنطقة العربية وشعوبها، وكل محاولات تغييب القضية الفلسطينية عن الخارطة لن يكتب لها النجاح، وستبوء بالفشل، أمام استمرار دعم محور المقاومة الذي تترأسه إيران وإسناده، دفاعاً عن القضية الفلسطينية وحقوق المستضعفين من الشعب الفلسطيني.

الثانية، إنَّ الدول التي طبّعت مع “إسرائيل”، وهي تندفع أكثر في مستنقع التطبيع من خلال توقيع الاتفاقيات في كل المجالات، تخلّت عن القضية الفلسطينية وقضية القدس بشكل واضح، وأوقفت كلّ أشكال الدعم للشعب الفلسطيني. في المقابل، تأتي زيارة بينيت للإمارات مع إعلان إسرائيلي عن بناء المزيد من البؤر الاستيطانية وتهجير المزيد من الفلسطينيين من منازلهم في مدينة القدس.

الإمارات ذهبت بعيداً في تطبيع علاقاتها مع “إسرائيل” في مجالات عدة، وهذا يؤخذ عليها، بما يشكل من خطورة حقيقية على القضية الفلسطينية وعمقها العربي والإسلامي بشكل خاص، والمشهد العربي بشكل عام، لكن في المقلب الآخر، وبسلوك جديد، كيف يمكن أن نقرأ التحولات الإماراتية الأخيرة في السياسة الخارجية تجاه دول في المنطقة، أبرزها إيران وسوريا وتركيا؟

الانفتاح الإماراتي المفاجئ على تلك الدول يمكن تفسيره بأنه ينضوي تحت إطار هدنة الضرورة والمصالح من قبل الإمارات، التي أصبحت تتبع سياسة جديدة متمثلة بالتحدث مع الجميع في المنطقة، لجعل العلاقات أكثر فاعلية وأقل خصومة، بعد سقوط الرهانات لديها تجاه تلك الدول، وخصوصاً إيران أو سوريا، ووصولها إلى حقيقة ثابتة بأنّ مسار الرهانات خلال السنوات الماضية فشل ولم يحقق أهدافه التي سعت إليها الإمارات، ومعها بعض الدول في المنطقة، وسير الإمارات في خطى جديدة في المنطقة يفسر بأنه إعادة للتموضع في علاقاتها مع دول مهمة، مثل إيران وسوريا، وإعادة اعتماد حسابات جديدة خلال هذه المرحلة.

ثمة أسباب واضحة وضوح الشمس في وضح النهار، هي التي جعلت دولة الإمارات تلجأ إلى مثل هذا التحول المفاجئ والواضح في سياساتها الخارجية مع تلك الدول، أولها تورطها في الصراع في اليمن وليبيا، ما تسبب بإلحاق أضرار مالية ودبلوماسية كبيرة بسمعتها في المنطقة، ناهيك بحالة عدم اليقين التي توصل إليها حكامها بشأن دور أميركا في المنطقة، وإحساسهم بأنه لن يأتي أحد لإنقاذها إذا تورّطت أكثر في قضايا أكثر سخونة.

وأمام سعي “إسرائيل” لتحقيق أهداف مكشوفة من وراء تحركاتها السياسية، من استمرار شيطنة صورة إيران في المنطقة ودورها ومكانتها، تحاول بالتوازي إدامة حالة التأثير المباشر في الدول المطبعة، لتحييدها من إقامة أي علاقات مؤثرة مع طهران، خوفاً من الانعكاسات المضادة على مسار العلاقات التي بنتها خلال السنوات الأخيرة، وضمان عدم انهيارها بأي شكل من الأشكال.

إذاً، إنّ الحدّ الذي ستحافظ عليه “إسرائيل” في علاقاتها مع تلك الدول هو استمرار الترهيب بالخطر الإيراني، لضمان استمرار التطبيع وتغلغلها أكثر، بما يضمن استمرارية تحقيق مصالحها في منطقة الشرق الأوسط ككل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.